من بين قائمة الكوارث التي خلفها إعصار هيلين أن موجة عاتية غمرت محطة كهرباء نووية خارج الخدمة في فلوريدا. وفي حين أن المواد المشعة بها لم تزل مُؤَمَّنة، وفقاً لشركة "ديوك إنرجي" المشغلة للمحطة، فإن واحداً من أحواض المياه الملوثة بالمخلفات الصناعية فيها قد فاض وسط الفيضان. ومع الحظ، سيكون أي تلوث ينتج عن ذلك ضئيلاً وفي الحدود الدنيا.
حتى هذه الكارثة التي كادت أن تقع تذكرنا، مثل كوارث كثيرة غيرها، بأن كيفية تعاملنا مع مخلفاتنا الصناعية مسألة يتحدد شكلها الآن بتغير المناخ.
كما كتب زميلي في "Bloomberg Opinion"، مارك غونغلوف، فإن الدمار المذهل الذي خلفه إعصار هيلين في غرب كارولينا الشمالية، "وهو مكان معتدل وجبلي يبعد مئات الأميال عن الساحل"، يسخر من فكرة وجود ملاذات آمنة من طقس أشد عنفاً سينفلت من عقاله مع استمرار تغير المناخ.
ولذلك آثار بعيدة المدى على موضوع لا يفكر فيه معظمنا، وهو إدارة النفايات. فبحكم التعريف، نتوقع أن تكون النفايات المشعة محتجزة في أماكن بعيدة إلى الأبد.
ولكن الأمر نفسه ينطبق على أشكال من التلوث أقل إثارة للعناوين الرئيسية في الأخبار، مثل مخلفات الإنتاج في صناعة التعدين أو الرماد المتخلف عن عمل الأفران، حيث يجب ضمان الحماية الدائمة من احتمال تسرب العناصر السامة أو انهيار السدود.
منجم "دونلين" للذهب
بالصدفة، وحتى مع تقييم "ديوك إنرجي" لموقع "كريستال ريفر" النووي المغمور بالمياه، حققت العديد من المجتمعات الأصلية في ألاسكا انتصاراً جزئياً في معركة حول النفايات التي تخرج من مشروع صناعي عملاق آخر، وهو منجم "دونلين" للذهب، على الجانب الآخر من الولايات المتحدة.
من المتوقع أن ينتج دونلين مليون أوقية سنوياً، مما سيجعله واحداً من أكبر مناجم الذهب في العالم. ومن المنتظر أن يحتجز الطين السائل المرتبط به الذي يتكون من الماء ومخلفات الإنتاج التي تحتوي على مواد مثل الزرنيخ والأنتيمون، خلف سد يبلغ ارتفاعه 471 قدماً، أي ما يعادل مبنى من أكثر من 40 طابقاً.
يقع هذا المنجم بالقرب من نهر كوسكوكويم، وهو ممر مائي رئيسي يدعم الصيد والنقل في جنوب غرب ألاسكا. إنها منطقة تقع على الحافة – حافة الخريطة، وحافة الوعي الأميركي، وحافة الكفاف.
عندما زرت هذه المنطقة في صيف 2023، كانت القرى في اتجاه مجرى النهر تعاني بالفعل من انهيار أسراب السلمون. وهم يخشون عن حق ذلك الخطر الإضافي المتمثل في انهيار السد في "دونلين"، مما قد يتسبب في دمار مادي للمجتمعات القريبة وتلويث المياه التي يجب أن تطعم العائلات على طول الطريق إلى بحر بيرينغ لأجيال قادمة.
عند منح التصاريح، نظرت الوكالات الفيدرالية في سيناريو احتمال انهيار السد حيث يتسرب فقط 0.5% من سعة مرفق احتجاز مخلفات "دونلين". وقامت المجتمعات المحلية المعارضة للمنجم بتكليف شركة استشارات بيئية بعمل دراسة تحليلية وجدت أن أي انهيار افتراضي في مرفق "دونلين"، استناداً إلى كوارث السدود التاريخية، قد يتسبب في تسرب ما بين 11 و80 ضعف كمية المخلفات التي ذكرت في دراسة الأثر البيئي للمشروع.[i]
على سبيل المثال، عندما انهار السد في منجم "ماونت بولي" للنحاس والذهب في كولومبيا البريطانية، بكندا، قبل عقد من الزمن، تسرب ما يقرب من ثلث حجم خزانه. وعندما انهار سد "كوريغو دو فيجاو" في البرازيل في عام 2019، تسرب 80% من خزانه.
انتهاك قانون البيئة
في مساء يوم الاثنين، حكم القاضي بأن المسؤولين الفيدراليين انتهكوا قانون السياسة البيئية الوطنية عبر استبعادهم سيناريوهات التسرب الأكثر كارثية من تحليلهم، ملقياً عليهم من الناحية الفعلية عبء إجراء تحليل أوسع نطاقاً.[ii]
يقول ديفيد تشامبرز، مؤسس "مركز العلم في المشاركة العامة" (Center for Science in Public Participation)، وهي منظمة غير ربحية تقدم المشورة لجماعات الضغط من أجل المصلحة العامة والحكومات القبلية بشأن قضايا التعدين وجودة المياه: "أحب أن أصف انهيار سد المخلفات بأنه حدث ضعيف الاحتمال، لكن عواقبه وخيمة". ويقول إن التركيز كثيراً على جانب ضعف الاحتمال في تلك المعادلة "يشبه القول بأننا لن نخطط لزلزال أو فيضان".
فكر في تغير المناخ على أنه يضاعف جانب الاحتمال، ما يزيد من فرص أن تؤثر الظروف الجوية القاسية أو بعض قوى الطبيعة الأخرى على أكوام نفاياتنا الأكثر سمية. وتلك النفايات الموجودة في المناطق القطبية وشبه القطبية عرضة للخطر بشكل خاص بسبب سرعة الاحترار العالمي وبيئاتها التي يغلب عليها شدة الحساسية.
إن أحد التهديدات الواضحة يتعلق بارتفاع وتيرة هطول الأمطار الشديدة، والتي يمكن أن تزيد من تشبع هياكل السدود بالماء، ما قد يؤدي إلى انهيارها، أو تساهم في فيضان برك المخلفات.
ذوبان الجليد وحرائق الغابات
تهديد آخر هو ذوبان التربة الصقيعية، الذي قد يزعزع استقرار البنى من جميع الأنواع. كانت أحواض النفط المحفورة في التربة الصقيعية لتخزين مخلفات الحفر حول دلتا ماكنزي في كندا تتدهور لسنوات مع ذوبان التربة المتجمدة، مما يؤدي إلى تسرب المواد الكيميائية إلى المجاري المائية القريبة.
قدرت دراسة نُشرت العام الماضي في مجلة "نيتشور" (Nature) أن هناك 4500 موقع صناعي يتعامل مع أو يختزن مواد ملوثة منتشرة في أجزاء القطب الشمالي التي تهيمن عليها التربة الصقيعية، إلى جانب ما يصل إلى 20000 موقع ملوث مرتبط، كثير منها معرض للخطر مع تسارع ذوبان الجليد هذا القرن.
حرائق الغابات تهديد آخر سيزيد اشتعالاً بسبب تغير المناخ ويحدث داخل القطب الشمالي وخارجه على حد سواء.
في مارس، أجبر حريق من حرائق البراري في تكساس موقعاً لصناعة الأسلحة النووية وتفكيكها بالإضافة إلى تخزين المواد النووية على الإغلاق المؤقت.
لا تزال الولايات المتحدة ككل تفتقر إلى مرفق تخزين مركزي للنفايات المشعة عالية المستوى، على الرغم من تخصيص جبل يوكا في نيفادا لهذا الدور قبل ما يقرب من أربعة عقود.
تعد مرافق التخزين التي تعزل النفايات الصناعية تأميناً ضد الكوارث المحتملة، تماماً مثل التأمين الروتيني الذي نقوم به ضد أخطار مثل الفيضانات والهبوط الأرضي والحرائق.
ويذكرنا الموقع النووي القديم الذي غمرته المياه في فلوريدا والمعركة الدائرة حول سد في ألاسكا بأننا، في وضعنا الراهن، لا نستثمر دائماً ما يكفي من الوقت والمال في ضمان قدرة هذه البنية التحتية على التعامل مع ما تلقيه الطبيعة عليها على المدى الطويل. ولن يدفعنا تغير المناخ إلا إلى زيادة أخرى في أقساط التأمين.
هوامش
[i] "تحليل انهيار سد مخلفات منجم دونلين، مشروع دونلين للذهب، ألاسكا، الولايات المتحدة الأميركية"، أعدته شركة "لينكر" لصالح التحالف القبلي لكوسكوكويم الأم، 11 أبريل 2024.
[ii] قضية مجلس أوروتسارارميوت للسكان الأصليين وآخرين ضد سلاح المهندسين بالجيش الأميركي وآخرين وشركة "دونلين جولد" وآخرين. القضية رقم (3:23-cv-00071-SLG) في المحكمة الجزئية الفيدرالية بألاسكا.
باختصار
يناقش المقال تأثيرات إعصار هيلين على محطة كهرباء نووية خارج الخدمة في فلوريدا، حيث أدى الإعصار إلى فيضان أحد أحواض المخلفات الصناعية في المحطة، رغم تأكيد الشركة المشغلة أن المواد المشعة مؤمنة. هذا الحدث يسلط الضوء على التحديات المتعلقة بإدارة المخلفات الصناعية في ظل تغير المناخ المتزايد.
كما يتطرق المقال إلى مشروع منجم "دونلين" للذهب في ألاسكا، الذي يثير مخاوف بشأن احتمال انهيار سد المخلفات فيه، مما قد يؤدي إلى تلوث بيئي. المقال يشير إلى ضرورة تعزيز البنية التحتية لمواجهة التغيرات المناخية المتسارعة والظواهر الطبيعية المتطرفة.