متى كانت آخر مرة زرت فيها محطة وقود تبيع فقط البنزين؟ إذا كانت إجابتك "لم يحدث أبداً"، فهذا يسلط الضوء على إحدى المشكلات الرئيسية التي تعرقل انتشار السيارات الكهربائية.
في الآونة الأخيرة، توالت أخبار سلبية تتعلق بوعود التحول السريع نحو استخدام السيارات الكهربائية في الدول الديمقراطية الغنية.
كانت شركة "فولفو كار" (Volvo Car) قد عرضت مشروعاً من أكثر المشروعات جسارة بتحويل أسطولها بالكامل إلى السيارات الكهربائية بحلول عام 2030. ومع ذلك، أعلنت الشركة الأسبوع الماضي أنها ستسعى بدلاً من ذلك إلى تقليص نسبة السيارات التقليدية إلى أقل من 10% من إجمالي إنتاجها، على أن تتألف النسبة المتبقية التي تبلغ 90% من سيارات هجينة تجمع بين محركات البنزين والبطاريات.
بعد ساعات من إعلان "فولفو"، كشفت شركة "تشارج بوينت هولدينغز" (ChargePoint Holdings)، التي تدير أكبر شبكة لشحن السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، عن تخفيض قوتها العاملة بنسبة 15%، وهي المرة الثالثة التي تقوم فيها الشركة بتقليص عدد الموظفين خلال العام الماضي.
تفوق الصين في مجال الشحن الكهربائي
يمكن ربط العديد من هذه التحديات بمسألة شحن البطاريات. فمن غير المفاجئ أن تكون الصين، التي تمتلك 70% من محطات الشحن العامة للسيارات الكهربائية في العالم، قد استحوذت على 60% من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية العالمية في عام 2023.
نجاح السيارات الهجينة مقارنة بالسيارات الكهربائية بالكامل هو أيضاً مؤشر على وجود شريحة واسعة من المستهلكين الذين يفضلون الانتقال إلى الوسائل الكهربائية، لكنهم لم يصلوا بعد إلى القناعة الكاملة بإمكانية الاستغناء عن السيارات التي تعمل بالبنزين تماماً. ولحل هذه المعضلة، يجب علينا إعادة النظر في نموذج الأعمال المتعلق بشحن السيارات الكهربائية وتحسينه.
تحديات اقتصادية تواجه محطات الشحن الكهربائي
هنا تصبح الأقوال أسهل من الأفعال. فمنذ ظهور السيارات، كان الاعتماد فقط على بيع الوقود يعتبر نشاطاً صعباً. فأسعار السلع الأساسية، مثل الوقود، عادة ما تتحدد من خلال المنافسة، مما يؤدي إلى هوامش ربح ضئيلة، رغم ارتفاع التكاليف غير المباشرة. بناء وإدارة مستودعات لتخزين المواد الكيميائية يتطلب استثمارات كبيرة، خاصة في مناطق ذات قيمة عقارية مرتفعة.
على مدى عقود، بات من الشائع أن يطلق على هذه الأماكن "محطات خدمة" بدلاً من "محطات بنزين"، لأن السيارات في بداياتها لم تكن متطورة بما يكفي، مما جعل أصحاب هذه المحطات يحققون أرباحاً أكبر من إصلاح السيارات بدلاً من بيع الوقود بالتجزئة.
تم إضافة المتاجر الصغيرة والمطاعم تدريجياً إلى مصادر الدخل في محطات الوقود، لكن هذا النموذج ظل دائماً هشاً، يعتمد بشكل كبير على دعم شركات النفط بهدف تعزيز انتشار السيارات. لم تتغير الحقائق الأساسية كثيراً؛ فعلى سبيل المثال، في سلسلة المتاجر الكندية "أليمونتاسيون كوش تار" (Alimentation Couche-Tard)، يمثل الوقود ثلاثة أرباع إجمالي المبيعات، لكنه يساهم بأقل من نصف أرباح الشركة. بالمقابل، الأرباح التي تحققها من بيع سلع التجزئة تفوق أرباح الوقود بثلاثة أضعاف. في هذا السياق، تدرس السلسلة حالياً تقديم عرض للاستحواذ على شركة "سفن أند آي هولدينغز" (Seven & i Holdings) التي تدير متاجر "7-إليفين" (7-Eleven).
التحول إلى الكهرباء يفاقم التحديات
مع التحول إلى الكهرباء، تتفاقم التحديات. فشواحن التيار المباشر السريعة، القادرة على شحن سيارة كهربائية في غضون ساعة أو أقل، تُعد البديل العملي الوحيد لنموذج محطة الخدمة التقليدية، لكنها أكثر تكلفة وتعقيداً مقارنة بالشواحن المنزلية أو شواحن أماكن العمل التي تستغرق ساعات طويلة للشحن على مدار اليوم أو الليل.
بعض هذه الشواحن السريعة تولد كمية كبيرة من الطاقة لدرجة أنها تحتاج إلى أنظمة تبريد في كابلاتها لتجنب ارتفاع درجة حرارة الأسلاك بشكل مفرط. بالإضافة إلى ذلك، تتطلب معظم هذه الشواحن عمليات معقدة مثل حفر خنادق، تركيب محولات، وإجراء فحوصات مكلفة، مما يزيد من التحديات المالية والتقنية.
المشاركة مع المتاجر الصغيرة لتعويض الخسائر
في ولاية كاليفورنيا، يصل سعر شاحن التيار المستمر السريع إلى 1999 دولاراً لكل كيلوواط، قبل الخصم الحكومي الذي يقلل التكلفة بنحو الثلثين. وعلى هذا الأساس، فإن السعر الكامل لمحطة بقدرة 350 كيلوواط والتي تستطيع إعادة شحن سيارة بسرعة مضخة البنزين يقترب من 700 ألف دولار. وهذه النفقات الرأسمالية الهائلة يلزم ضخها في سوق لا تتنافس فيه مع سلاسل التجزئة الأخرى فحسب، بل مع أجهزة الشحن في أماكن العمل والمنزل حيث الكهرباء أرخص بكثير.
هذا الوضع يشير إلى أن الحكومات قد قللت من تقدير حجم العمل المطلوب لدعم بنية الشحن السريع، وهو عنصر أساسي لتحقيق أهدافها في تحويل أسطول السيارات للعمل بالكهرباء. في العام الماضي، قدرت دراسة أن تنفيذ نصف مليون محطة شحن كما وعد قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة سيكلف 74 مليار دولار، مع الأخذ في الاعتبار الشواحن السريعة، وهو ما يعادل نحو 10 أضعاف التمويل المخصص في القانون. دراسة أخرى صدرت الشهر الماضي أظهرت أن مشغلاً في مدينة إل باسو، تكساس، سيخسر إلا إذا تعاون مع شريك في قطاع المتاجر الصغيرة أو حصل على تمويل حكومي.
في أبريل، كتب المحلل ريان فيشر من "بلومبرغ إن إي إف" أن أياً من الشركات المدرجة في قطاع الشحن لم تحقق أرباحاً حتى الآن، حيث ما زال المشغلون في مرحلة التجريب في محاولة للوصول إلى نموذج عمل ناجح.
الحلول الممكنة وتوجهات السوق
الخبر السار هو أن هذه التحديات ليست مستعصية على الحل. في الواقع، شركات بيع الوقود بالتجزئة مهدت الطريق بالفعل، والحكومة تدرك التحديات وتقدم خصومات لتخفيف العبء المالي. سلاسل تجارة التجزئة التي تستهدف مالكي السيارات الكهربائية، مثل "كارفور" التي تخطط لإنشاء 5000 محطة شحن، و"وول مارت" التي تهدف إلى إنشاء 10000 محطة بحلول عام 2030، تشارك بنشاط في هذه التجارب.
يبدو أن مستقبل الشحن السريع يتجه نحو كونه مشروعاً قد لا يحقق أرباحاً مباشرة، لكنه يجذب المتسوقين لشراء سلع أخرى تساهم في الربح. على الرغم من أن هذا ليس مقترحاً جذاباً تماماً، إلا أنه يعكس النموذج الذي قامت عليه صناعة النفط والغاز التي تبلغ قيمتها 4.2 تريليون دولار. لقد تمكّن العالم من حل مشكلة بيع الوقود بالتجزئة في الماضي، ومن المحتمل أن يجد حلاً لمشكلة شحن السيارات الكهربائية أيضاً في المستقبل.
باختصار
يتناول المقال تحديات انتشار السيارات الكهربائية، وتحديداً مسألة شحن البطاريات. أحد أبرز الأسباب التي تعيق انتشار السيارات الكهربائية هو غياب بنية تحتية فعّالة لشحنها، خاصة مقارنة بالصين التي تتفوق بوجود 70% من محطات الشحن العالمية.
تطرّق المقال إلى تخفيض شركة "فولفو" لطموحاتها بتحويل كامل أسطولها إلى كهربائي، والاعتماد بدلاً من ذلك على السيارات الهجينة. كما تناولت مشاكل مالية تواجه شركات شحن السيارات الكهربائية، مثل "تشارج بوينت".
الخلاصة، تكاليف إنشاء محطات شحن كهربائية عالية والأرباح ضعيفة، ما يدفع للتفكير في شراكات مع المتاجر لتعويض الخسائر، على غرار تجربة محطات الوقود التقليدية.