منذ بدء استخدام الخلايا الكهروضوئية في الآلات الحاسبة المحمولة وعلى أسطح المباني قبل بضعة عقود، عانت الطاقة الشمسية من إشكالية رئيسية تتمثل في كونها تكنولوجيا جيدة، لكنها غير متوفرة بشكل كافٍ لإحداث فارق. لكن الوضع انقلب الآن وأصبح يشكل تحدياً أيضاً.
ارتفع إنتاج الألواح الشمسية بشكل هائل لدرجة تهدد بإثارة اضطرابات في الصناعة العالمية. ففي ظل التدفق الكبير لوحدات الطاقة الشمسية الصينية الرخيصة، يمكن للشركات المصنعة الأجنبية إما عزل نفسها خلف الحواجز الجمركية (كما في الهند والولايات المتحدة)، أو التوقف عن العمل كما حدث في أوروبا. وحتى أن الشركات الصينية، المتهمة بتسببها في تخمة المعروض الحالية، قلقة بشأن الوضع الآن.
اقرأ أيضاً: تحقيق أميركي: شركات الطاقة الشمسية بالصين تتحايل على الرسوم الجمركية
قال تشونغ باوشين، رئيس أكبر شركة لتصنيع الألواح الشمسية "لونجي غرين إنرجي تكنولوجي" (Longi Green Energy Technology)، الأسبوع الماضي، إن بكين بحاجة لوضع قواعد للعطاءات لمنع طرح منتجات منخفضة الجودة وبأسعار أقل من السوق.
كذلك، أوضح جاو جيفان، نظير تشونغ في شركة "ترينا سولار" (Trina Solar) صاحبة المركز الثالث، في قمة "بلومبرغ إن إي إف" التي انعقدت في نوفمبر الماضي، أن الأسعار تراجعت بشكل حاد للغاية لدرجة عدم تسجيل أي "ربح عبر سلسلة التوريد بأكملها".
هدف 2030 ربما يتحقق هذا العام
يبدو أن هذه مشكلة كبيرة في ظاهر الأمر. لكن من منظور التصنيع، فإن الجزء المتعلق باستخدام الطاقة الشمسية للتحول نحو الحياد الكربوني جرى حله بشكل كبير بالفعل. تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن العالم سيحتاج إلى تركيب وحدات طاقة شمسية بحوالي 650 غيغاواط سنوياً بحلول 2030 لتجنب تغير المناخ الكارثي. تمكنت الشركات المصنعة الكبرى بالفعل من بناء قدرة إنتاجية سنوية تقدر بنحو 783 غيغاواط، وبالتالي ربما نشهد هذا العام تحقيق هدف وكالة الطاقة الدولية لتركيب الألواح لعام 2030، وفقاً لـ"بلومبرغ إن إي إف".
هناك مشكلة وحيدة تظهر في هذه العملية وهي أن ربط الألواح الشمسية معاً أصعب بكثير من صنعها. كما تواجه شركات المرافق العامة وحتى الأسر تحديات تنظيمية وسياسية ولوجستية للانضمام إلى شبكة الكهرباء. ونتيجة لذلك، تتوقع "بلومبرغ إن إي إف" أن تظل أكثر من نصف القدرة التصنيعية دون استخدام خلال العامين الجاري والمقبل. وانخفضت تكاليف وحدة الطاقة الشمسية بالفعل بأكثر من النصف خلال العامين الماضيين. كما يشير الفائض الحالي إلى تراجع أكبر في الأسعار القادمة، وهي أنباء عظيمة للمستهلكين، لكنها سيئة بالنسبة إلى الشركات المصنعة.
منافسة شرسة
ربما تعتقد أن هذه علامة على أن الصناعة بأكملها تتجه نحو الانهيار، لكن ثورات التكنولوجيا المتقدمة السابقة توفر أسباباً للتفاؤل. تتبع الألواح الشمسية مساراً مشابهاً لأشباه الموصلات في النهاية، فهي لديها أوجه تشابه كثيرة مع صناعة الرقائق الرئيسية.
كما أن الإنفاق الرأسمالي على الصناعة هائل، لكنه سرعان ما يتقادم مع التطور التكنولوجي، خصوصاً أن المنتج يعتبر سلعة شديدة التنافسية، مما يترك قليلاً من الفرص للتميز. يعد نمو الطلب على الطاقة الشمسية هائلاً، مما يغري المصنعين للهيمنة دون وضع الربح بعين الاعتبار. وبدون اتخاذ إجراءات رادعة، فإن المنافسة تصبح شرسة للغاية لدرجة تراجع الأسعار بشكل كبير.
اقرأ أيضاً: الصين تحقق رقماً قياسياً جديداً في إنتاج الطاقة الشمسية
يعتبر تحديد الأسعار واحداً من سُبل الخروج من هذا الوضع. وهذا حدث مع ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية "دي آر إيه إم" (DRAM)، وهو نوع من رقائق الذاكرة عالية السرعة، خلال عقد 2000. وكانت النتيجة سلسلة من الدعاوى القضائية وسوق أصبحت الآن احتكارية تديرها شركات مثل "سامسونغ إلكترونيكس" (Samsung Electronics) و"إس كيه هاينكس" (SK Hynix) و"ميكرون تكنولوجي" (Micron Technology).
في 2010، فرض الاتحاد الأوروبي غرامة قدرها 648 مليون يورو (859 مليون دولار) على "سامسونغ" و"إل جي ديسبلاي" (LG Display) ومجموعة من الشركات التايوانية، بسبب تفعيل كارتل الأسعار في شاشات التلفزيون "إل سي دي" وشاشات العرض.
من الواضح أن الضوابط التي فرضتها الحكومة على الأسعار هي الطريقة المثالية للخروج من هذه المعضلة. فقد كان انتشار التكنولوجيا النظيفة صينية الصنع، بدءاً من الألواح الشمسية إلى السيارات الكهربائية إلى بطاريات الليثيوم أيون وحتى مكونات توربينات الرياح، يثير الغضب بين الشركاء التجاريين للبلاد، الذين يخشون سيطرة أحد المنافسين الجيوسياسيين على سلسلة التوريد الخضراء. وربما يساعد تدخل بكين في الشركات المصنعة الصينية على استعادة الربحية مع تخفيف الانكماش الذي يثير الخوف والكراهية في بروكسل وواشنطن ونيودلهي.
ازدهار صناعة الطاقة الشمسية
مع ذلك، كان هذا النهج خاطئاً. فعلى الرغم من تذمر الشركاء التجاريين بشأن الإعانات الحكومية، ازدهرت صناعة الطاقة الشمسية في الصين بسبب سوق حرة (على نحو مرعب) وشديدة التنافسية، وليست نتاج السياسة الصناعية الموجهة من الدولة. أثبتت الشركات المصنعة مرونتها أيضاً، فعندما أصدرت الولايات المتحدة قانوناً في عام 2021 يحظر بيع المنتجات التي تصنعها العمالة القسرية في الإيغور، سارعت الشركات إلى إنشاء سلسلة توريد بديلة بعيدة عن منطقة شينجيانغ، رغم احتمالية استمرار تسلل بعض البضائع المصنوعة بأيدي تلك العمالة إلى السوق الأميركية.
اقرأ أيضاً: تشريع أميركي لمناهضة العمل القسري يعيق انتعاش ألواح الطاقة الشمسية الصينية
تمر الصناعات السلعية كثيفة رأس المال، مثل رقائق الكمبيوتر والتعدين والنفط والطيران، من حين لآخر بدورات ازدهار وكساد. وعادةً ما تنتج عن كل هذه المنافسة الشرسة سوق أكثر تركيزاً، حيث تُوقف الشركات الصغيرة أعمالها، فيما تستحوذ الشركات المصنعة الأكثر كفاءة على حصة سوقية أكبر إلى حين ظهور ابتكارات تحويلية تالية.
هذا هو السبب وراء تجاهل بكين دعوات الصناعة لإصلاح الأزمة الحالية. فقطاع الطاقة الشمسية في الصين، والعالم الذي يحتاج بشدة إلى طاقة متجددة رخيصة ووفيرة، ولا يحتاج حالياً إلى التدخل الحكومي لدعم أسعار الألواح الشمسية، بل إتاحة الفرصة لانخفاضها أكثر وأكثر.