هل يساعد الركود الاقتصادي في إنقاذ الأرواح؟

الركود العظيم تسبب بشقاء لا يوصف لكن الأبحاث الجديدة تؤكد أنه ساعد في إطالة عمر الأميركيين

time reading iconدقائق القراءة - 6
بعض الأشخاص يصطفون أمام المركز المجتمعي للتوظيف في باسادينا إبان الركود العظيم في أكتوبر 2009 - المصدر: بلومبرغ
بعض الأشخاص يصطفون أمام المركز المجتمعي للتوظيف في باسادينا إبان الركود العظيم في أكتوبر 2009 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

وثّقت الأبحاث السابقة الخسائر البشرية والاقتصادية العميقة التي خلفتها فترات الركود الاقتصادي بشكل جيد. لكنها ربما انطوت أيضاً على فوائد صحية حقيقية، نادراً ما وصف بوضوح، كما استنتجت دراسة جديدة صادرة عن منظمة المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية غير الربحية، حيث وجدت أن الركود العظيم قد ساهم في زيادة متوسط العمر سنة إضافية لكل واحد من كل خمسة وعشرين فرداً تجاوزوا سن الخامسة والخمسين بسنة إضافية.

يمثل ذلك ببساطة مئات الآلاف من الأميركيين. تشير الدراسة، بوجه عام، إلى أن معدل الوفيات المعدل حسب السن في الولايات المتحدة انخفض بنسبة 2.3% خلال فترة الركود العظيم.

توافقت النتائج، التي خلص إليها أساتذة في "معهد ماساتشوستس للتقنية" وجامعتي "شيكاغو" و"ماكماسترز"، مع أبحاث سابقة أظهرت أن معدلات الوفيات ترتفع في أوقات الرخاء وتنخفض خلال الفترات العصيبة.

كيف يمكن أن يكون هذا صحيحاً؟

تتعلق إحدى الإجابات بتلوث الهواء، الذي يقل خلال فترات الركود عادةً بسبب تراجع النشاط الاقتصادي. ويقدر الباحثون أن فوائد انخفاض مستويات التلوث تستمر طويلاً بعد الركود بنحو عشر سنوات على الأقل، حيث يعزى ثلث التراجع في معدلات الوفيات إبان الركود العظيم إلى الحد من تلوث الهواء.

قد تساعدنا فترات الركود على العيش لفترة أطول بطرق أخرى. على سبيل المثال، ربما يتمكن بعض الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم من قضاء المزيد من الوقت في ممارسة الرياضة، أو الاهتمام بأنفسهم بشكل عام. بينما قد تكون لدى البعض الآخر أموال أقل لإنفاقها على الكحول أو المخدرات. بالتالي، ربما تتحسن جودة الرعاية الصحية بشكل عام نظراً لقدرة الصناعة على جذب قوة عاملة أكثر تعليماً.

مع ذلك، تظل هذه كلها فرضيات غير مؤكدة. كما تبقى الإجابة على السؤال "لماذا يمكن أن تجعل فترات الركود الناس أصح؟" لغزاً إلى حد كبير.

ما هو السبيل لكسر حلقة الركود العظيم؟

توفر البيانات بعض الأدلة الإضافية. على سبيل المثال، تراجعت جميع الأسباب الرئيسية للوفيات خلال فترة الركود العظيم باستثناء السرطان. كما يعزى نصف التراجع في معدلات الوفيات خلال تلك الفترة إلى الانخفاض في الوفيات المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية. علاوة على ذلك، تركز التحسن في المعدلات سالفة الذكر بين الأميركيين الذين لا يحملون شهادات جامعية. قد تعتقد أن بعض هذه النتائج الصحية المحسنة كانت بسبب فقدان الأشخاص لوظائفهم المجهدة متدنية الأجور، لكن البطالة يمكن أن تكون مرهقة للغاية أيضاً.

فوائد صحية للركود الاقتصادي

تقدر الدراسة أن فوائد تحسن معدل الوفيات قد عوضت الأشخاص البالغة أعمارهم 55 عاماً ربع الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الركود العظيم. بالتالي، لا تزال حقبة الركود الشهيرة حدثاً سيئاً للغاية، ولكن أقل سوءاً مما كنا نعتقد. ينطبق هذا بشكل خاص على الأميركيين الأقل تعليماً، الذين تضرروا بشدة بسبب البطالة، لكنهم حصدوا أيضاً مكاسب تحسن معدلات الوفيات.

لم يتضرر الأميركيون المتقدمون في العمر (من 65 عاماً أو أكثر) كثيراً جراء الركود العظيم. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن غالبيتهم كانوا متقاعدين بالفعل أو يعملون بدوام جزئي فقط، حيث استقروا في بعض الحالات في وظائف لن يفقدوها. ويقدر الباحثون أن صافي الدخل للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً ارتفع بعد الركود العظيم.

يعد ذلك أمراً مقلقاً في بلد يصوت كبار السن (بالانتخابات) بمعدلات أعلى بكثير مقارنةً بالشباب، ما ينذر باحتمالية فشل النظام السياسي في إعطاء الأولوية لتجنب الركود التالي، خاصة في ظل الشيخوخة السكانية في الولايات المتحدة.

لاحظ أن كل هذه الاستنتاجات قد تبخس تقدير الفوائد الصحية. لقد حدث الركود العظيم قبل 15 عاماً تقريباً، وربما تكون هناك فوائد لتحسن معدلات الوفيات لم تظهر في البيانات بعد.

قد ترغب الولايات المتحدة في تنظيم لوائح أكثر صرامة بشأن تلوث الهواء كأحد الدروس المستفادة من هذه الدراسة. إذا كان انخفاض تلوث الهواء يمكن أن يساعد في تفسير معدلات الوفيات الأفضل خلال فترات الركود، فمن المنطقي أنه يجب خفضه خلال الأوقات الاقتصادية الجيدة أيضاً.

مكتب الإحصاء: عدد سكان أميركا سيبدأ بالانكماش في 2100

كما يتمثل الدرس الآخر في أن فترات الركود قد تصبح أسوأ كثيراً بمرور الوقت، من حيث القيمة الصافية لرفاه الإنسان. يشكل ذلك نوعاً من المفارقة في ظل انتشار الطاقة الخضراء وتحول جزء أكبر من الاقتصاد من القطاع الصناعي إلى قطاع الخدمات، بحيث لن تكون هناك مستويات مرتفعة من تلوث الهواء لتقللها فترات الركود. بالتالي، ستزداد أهمية وضع السياسات النقدية والمالية المناسبة للحد من الركود.

سيكون مفيداً أيضاً معرفة كيف يمكن أن تؤدي فترات الركود إلى تقليل معدلات الوفيات، إلى جانب تقليل التلوث. ربما تكون هناك طرق لجني مكاسب تراجع الوفيات هذه دون الاضطرار إلى المرور بمرحلة الركود. ستكون تلك المكاسب موضع ترحيب بشكل خاص في وقت انخفض فيه متوسط العمر المتوقع بالولايات المتحدة، حتى بعد التعديل تبعاً للوفيات بسبب "كوفيد".

من ناحية أخرى، تُعَد هذه الدراسة بمثابة تذكير جيد بمدى ضآلة ما نعرفه عن فترات الركود والعوامل المحركة للوفيات البشرية. يقول المثل إن ثمة أمرين مؤكدين فقط في هذا العالم: الموت والضرائب. ربما يضيف خبراء الاقتصاد الكلي حالات الركود إلى تلك القائمة. قد يستحيل تجنب ثلاثتهم، لكن ربما يمكننا جعلهم أقل سوءاً وحسب.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

واشنطن

4 دقائق

8°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى /10°
24.1 كم/س
65%
الآراء الأكثر قراءة