تعلمون أن سياسة الكهرباء مآلها إلى الإفلاس عندما يبدأ مؤيدوها الترويج لمميزات احتجاز الكربون وتخزينه.
بعد مرور عقود من الترويج للتكنولوجيا، المعروفة أيضاً باسم "سي سي إس" (CCS)-التي تهدف إلى تنقية ثاني أكسيد الكربون من المداخن وطمر الملوثات في أعماق الأرض-لم تنتج هذه الحقبة أكثر من عدد محدود من المحطات العاملة. لذا فإن الخطط التي وضعتها مؤسسة "نيتي أيوج" (Niti Aayog) البحثية التابعة للحكومة الهندية لالتقاط ما يصل إلى 70% من الانبعاثات الناتجة عن قطاع الطاقة في البلاد لابد أن يتم التعامل معها باعتبارها مجرد أمنيات في أحسن الأحوال، وتوصف في أسوأ حالاتها على أنها قصر نظر خطير.
قال راجناث رام، وهو مستشار الطاقة في المؤسسة، لـ"بلومبرغ نيوز": "لدينا وفرة من الفحم، ونريد استخدامها بطريقة مستدامة".
يبدو هذا مشابهاً إلى حد كبير مع اللغة التي استخدمتها الصين في تخطيطها للطاقة قبل 15 عاماً، لكن الثورة التكنولوجية منذ ذلك الحين فتحت خيارات جديدة أرخص وأكثر نظافة. من الأجدر للهند أن تتبع هذا المسار نفسه.
شرطان لتكنولوجيا "سي سي إس"
لو كان لتكنولوجيا "ٍسي سي إس" أن تعمل في أي مكان، فلا بد من أن تستوفي شرطين صعبين. أولاً، لابد أن تكون هناك خزانات كافية تحت الأرض لتخزين غاز النفايات الناتج. ثانياً، لابد أن تكون تكلفة الطاقة الأحفورية بالإضافة إلى تكلفة احتجاز وتخزين الكربون نفسها أقل من أي تكنولوجيا بديلة. والهند أخفقت في كلا الشرطين.
لنأخذ شرط الخزانات أولاً. أكثر من 80% من ثاني أكسيد الكربون الذي يُضخ في باطن الأرض على نطاق تجاري على مستوى العالم يُستخدم في حقول النفط. يُعَد ضخ الغاز في الرواسب النفطية تقنية متبعة منذ زمن طويل بهدف سحب المزيد من النفط الخام إلى السطح، وهو ما يحقق تدفقاً للإيرادات للمساعدة في توفير التكاليف الكبيرة للاحتجاز والتخزين (فضلاً عن التسبب في زيادة إضافية في الانبعاثات).
مع ذلك، للأسف تعاني الهند من نقص شديد في حقول النفط المحلية. ويوجد 2.6 مليار طن متري فقط من سعة تخزين الكربون المقدرة بـ359 مليار طن في خزانات النفط-وهو ما يكفي لتخزين عام واحد فقط من انبعاثات البلاد.
سعر الكربون
ينقلنا هذا إلى الشرط الثاني الصعب بالنسبة إلى احتجاز وتخزين الكربون، وهو التكلفة. تأتي الشريحة الأكثر قابلية للتطبيق من هذه القدرة البالغة 359 مليار طن من حقن الكربون في رواسب المياه المالحة في أعماق الأرض. ولا تعمل هذه التكنولوجيا إلا في ظل وجود سعر للكربون جدير بالثقة، ويتم تطبيقه بصرامة. ليس هناك ما يشير إلى أن الهند تعِد بأي شيء من هذا القبيل.
الرابح في هذا السباق هي التقنيات التي ظلت بكين تروج لها بقوة منذ ما يقرب من جيل كامل. تعتبر طاقة الرياح والطاقة الشمسية أرخص بالفعل من توليد الفحم الجديد في الهند، وحتى إضافة بطارية مدتها أربع ساعات لضمان توفر الطاقة بعد غروب الشمس يجعلها أقل تكلفة من الفحم مع احتجاز الكربون، وفقاً لـ"بلومبرغ إن إي إف".
طاقة المياه
تعد الطاقة الكهرومائية مورداً آخر غير مستغل بالقدر الكافي. فالهند، شأنها في ذلك شأن الصين، تستفيد من قربها من مياه جبال الهيمالايا سريعة التدفق، والتي تشكل أغنى مصدر للطاقة النهرية على هذا الكوكب. ففي الوقت الذي كانت فيه الصين مشغولة للغاية بتطوير هذا المورد، حتى أن بناء السدود يقترب الآن من حدوده الجيولوجية، فقد أهملت الهند هذا القطاع.
تخلت عن مشاريع تبلغ طاقتها الإنتاجية أكثر من 17 غيغاواطاً بسبب التعقيدات البيروقراطية والمعارضة المحلية. تستغل البلاد حوالي 29% فقط من قدرتها على الطاقة الكهرومائية، فضلاً عن نسبة 10% أخرى قيد الإنشاء. زيادة هذه النسبة من شأنها أن توفر تيراواط/ساعة من الكهرباء للمدن الهندية، فضلاً عن السيطرة على مياه الفيضانات التي تدمر المناطق الريفية بشكل دوري.
يتشابه هذا الوضع مع الطاقة الذرية، حيث تخطط الحكومة لزيادة قدرة التوليد ثلاث مرات تقريباً بحلول عام 2031. ومن غير المرجح أن تحقق أكثر من حوالي ثلثي هذا الهدف، بعد أن ربطت مفاعلين فقط في العقد الماضي، مقارنة بـ35 مفاعلاً في الصين.
تزايد استهلاك الطاقة بوتيرة مذهلة
المشكلة التي تحاول مؤسسة "نيتي أيوغ" حلها حقيقة، تكمن في أن استهلاك الطاقة بالهند يتزايد بوتيرة مذهلة، حيث ارتفعت مستويات الذروة من 130 غيغاواطاً في عام 2014 (بما يعادل مستوى قدرة التوليد في إسبانيا تقريباً) لتصل إلى 230 غيغاواطاً في العام الماضي، وما يصل إلى 400 غيغاواط في عام 2030-أي ما يعادل تشغيل جميع محطات الطاقة في كلٍ من اليابان وتايوان مجتمعتين.
لكن الحل يتلخص في أن نكون واقعيين في التعامل مع المزايا التي تتمتع بها الهند فضلاً عن عيوبها. فالبلاد تحظى بوفرة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، واللتين تؤخذ إمكانياتهما في الحسبان بالفعل ضمن سياسات نيودلهي طويلة المدى.
خطة عشرية
بموجب خطتها العشرية الأخيرة التي صدرت الشهر الماضي، تتوقع الهيئة الوطنية للكهرباء في الهند أن ينمو التوليد السنوي الذي يعمل بالوقود الأحفوري خلال العقد المقبل بنحو 162 تيراواطاً/ساعة، وهي الزيادة نفسها تقريباً التي شهدتها خلال العامين الماضيين وحدهما. وهذا من شأنه أن يجعل انبعاثات قطاع الطاقة يمكن أن تصل للذروة بما يسمح بالتراجع لاحقاً بالمستوى الذي يحتاجه الكوكب وسكان الهند بشدة.
مع ذلك، فإن تحقيق هذه الغاية يعتمد على إنجاز أهداف الطاقة الخالية من الكربون، والتي لم تحققها البلاد مراراً وتكراراً. وإذا فشلت إمدادات الطاقة المتجددة، فإن الفحم سوف يعوض الفارق، إما باستخدام تقنية احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، أو على الأرجح بدونها.
بدلاً من الاعتماد على تكنولوجيا جديدة غير واقعية وغير مثبتة لمنع التلوث، يتعين على الهند أن تمنح المطورين الذين لا يستخدمون الكربون على الإطلاق الثقة والدعم السياسي للحيلولة دون احتراق كل هذا الكربون في المقام الأول. أفضل طريقة لإزالة الكربون من قطاع الفحم ليست دفن انبعاثاته، بل التخلص من الصناعة برمتها.