هل توشك أكثر البلدان تسبباً بالتلوث أن تحسن أداءها البيئي؟ كان ذلك ما جاء في تعهد أعلنته الصين مطلع الشهر لدى اعتمادها خارطة طريق لخفض انبعاثات غاز الميثان، لكن المسودة الأولية للخارطة لا ترقى إلى المستوى المطلوب لتحقيق هدفها. غالباً ما يُهمَل الميثان، وصيغته الكيميائية (CH4)، في مناقشات المناخ التي تركز على ثاني أكسيد الكربون، غير أن الغاز ذا الجزيء الهيدروكربوني الأصغر يشكل أحد أكبر التهديدات البيئية لأنه يتسبب تقريباً بربع ما نعيشه من احترار.
إن الصين أكبر مُصدِر لانبعاثات غاز الميثان وأهم الممتنعين عن التوقيع على مبادرة "التعهد العالمي للميثان" المتفق عليها خلال محادثات قمة المناخ في غلاسكو عام 2021. بعيداً عن الأضرار الناجمة عن كل هذا التلوث، تخاطر الصين بأمنها القومي عبر التخلص من مادة يمكن أن توفر ثلث وارداتها من الغاز.
للأسف ما تزال الخطة التي أعلنتها الأسبوع الماضي أبعد ما تكون عن حل للمشكلة لسبب واحد هو أنها لم تحدد هدفاً شاملاً لمقدار خفض التلوث الحالي ومتى سيكون ذلك. إننا لا نعرف حتى ما هي نقطة البداية.
برغم إطلاق وعود بتحسين الإبلاغ عن كمية غاز الميثان التي تنبعث من البلاد، وهو أمر ينبغي أن يكون أسهل بكثير هذه الأيام نظراً لمدى فعالية الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية في الكشف عن تسربات غاز الميثان، فقد كان آخر إبلاغ رسمي صيني بهذا الصدد في 2014. كانت تلك حقبة مختلفة مقارنة مع تقدم وتيرة التنمية الاقتصادية، إذ بلغ حجم تعدين الفحم حينئذ نحو أربعة أخماس الحالي، وهذا القطاع هو الأكثر إنتاجاً للميثان في الصين.
نقطة انطلاق جيدة
قال مبعوث المناخ الأميركي، جون كيري، لتلفزيون "بلومبرغ" في مقابلة يوم 10 نوفمبر على هامش "منتدى بلومبرغ للاقتصاد الجديد" في سنغافورة: "إنها نقطة انطلاقٍ جيدةٍ، وعلينا أن نبدأ من نقطة ما. هل نعتقد أن هناك بعض المواضع التي يستطيعون أن يكونوا أقوى فيها؟ نحن نأمل ذلك".
يكتسب الميثان أهميةً كبيرةً لأنه غاز قوي جداً، حيث سيتسبب كل طن في احترار يعادل 28 ضعف ما يسببه طن واحد من ثاني أكسيد الكربون على مدى قرن مقبل. كما تؤدي الطريقة التي تتحلل بها الكيمياويات في الغلاف الجوي لأن يكون تأثير الميثان على مدى العقدين المقبلين أسوأ، حيث سيتجاوز الضرر الناجم عنه أكثر من 80 ضعف التلوث الناجم عن إطلاق ثاني أكسيد الكربون.
نظرياً، يُعد خفض انبعاثات غاز الميثان أمراً منطقياً من ناحية اقتصادية أيضاً. على سبيل المثال، تُعتبر أغلب مصادر الانبعاثات أن ثاني أكسيد الكربون مجرد نفايات، بينما يطابق الميثان من حيث الخواص الأساسية الغاز الطبيعي، وهو سلعة يسعى العالم جاهداً ليحصل عليها. كما يمكن القضاء على ما لا يقل عن نصف انبعاثات الميثان الناتجة عن قطاع النفط وتحقيق مكاسب عبر ذلك، ما يعني أن الملوثين يخسرون أموالاً بسبب فشلهم بتحسين أعمالهم، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
مع ذلك، لا تخلو خطة الصين من التزامات ملموسة، حيث تتضمن مقترحات بإعادة تدوير 80% من روث حيوانات المزارع و60% من القمامة في المناطق الحضرية بحلول 2025، كما تنطوي على التخلص من 90% من مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية بأمان. يأتي ذلك في إطار وعود باستخدام مزيد من نفايات غاز الميثان التي تنتجها كل هذه المواد لدى تحللها. غير أن الصين تستطيع تحقيق كل هدف من هذه الأهداف دون احتجاز غرام واحد من الميثان، فاقتراح تثبيت أجهزة لاستخلاص الوقود الحيوي لتوفير التدفئة والطاقة محلياً هو فقاعة فكر أكثر من كونه ضماناً.
فرصة للربح
قد تكون مثل هذه العمليات مربحةً نظرياً، فعادة ما تكون تكاليف نفايات الوقود الحيوي أقل من 10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية وهي التكلفة التي تدفعها الصين مقابل وارداتها من الميثان، كما أنها تتراجع مع زيادة الكمية، وهذا الوقود يمكن أن توفره المدن الصينية الضخمة. بيد أن هذه التعهدات ليست جديدة، بل هي نسخ منقحة من أهداف سبق طرحها.
تواجه بكين ضغوطاً شديدة للتوصل إلى اقتراح مناسب بشأن الميثان قبل انعقاد قمة المناخ (COP28)، التي ستنطلق فعالياتها في دبي هذا الشهر، ما يجعل خطة بكين أشبه بإصدار تقارير المسؤولية اللامعة والخالية من المحتوى التي اعتادت الشركات الكبرى نشرها قبل أن يبدأ المساهمون بالضغط عليها لتحسين معايير شفافية إفصاحاتها.
مع ذلك، يشوب الخطة قصورٌ بالغٌ فيما يتعلق بوضع خطة واضحة لخفض انبعاثات غاز الميثان من مناجم الفحم. وكما حاججنا، لا تهدد الانبعاثات الناجمة عن تعدين طبقات الفحم في الصين المناخ العالمي فحسب، بل أيضاً القوى العاملة في مجال التعدين وأمن الطاقة لديها. تشكل انبعاثات مناجم الفحم ما يقرب من خمسي غاز الميثان الذي تطلقه الصين وفقاً لتقديرات 2014، وهي النسبة التي ربما ارتفعت نظراً لزيادة إنتاج الفحم منذئذ بواقع 18%.
تعهد محدود
يتلخص التعهد الصيني هنا في احتجاز 6 مليارات متر مكعب من الميثان الناتج عن مناجم الفحم بحلول 2030. قد يبدو هذا رقماً كبيراً، إلى أن نأخذ في الاعتبار حجم المشكلة، إذ بلغ إجمالي التلوث الذي تنفثه المناجم 30 مليار متر مكعب تقريباً في 2014، وهو رقم ربما ارتفع الآن إلى 35 مليار متر مكعب على الأقل في ظل زيادة الإنتاج والانتقال إلى طبقات أعمق وأكثر إنتاجاً للغاز.
لو كانت الصين تستعيد غاز الميثان من مناجمها بنسبة 30% السائدة في الولايات المتحدة، أو نسبة 50% التي تعتقد وكالة الطاقة الدولية بإمكانية بلوغها، لاستطاعت تحديد هدف لاحتجاز الميثان يُقدر بضعفي أو ثلاثة أضعاف ما تعهدت به. نأمل أن يكون إنتاج الفحم في 2030 أقل كثيراً مقارنةً بالإنتاج الحالي، لكن يُرجح ألا يمس التعهد الصيني بقطاع التعدين الذي تتجاوز انبعاثاته من الميثان إجمالي التلوث الناجم عن الغازات الدفيئة التي تنفثها ألمانيا بأسرها، وهذا ليس جيداً بما يكفي.
ستكون الطرق الأخرى للحد من التلوث صعبة، حيث ينفث قطاعا رعي الماشية وزراعة الأرز في الصين حصة مماثلة من انبعاثات الميثان الناجمة عن تعدين الفحم، لكن تقنيات الحد من انبعاثات القطاعين سالفي الذكر تعتمد على ممارسات زراعية ما تزال غير منتشرة على نطاق واسع، بل ويبدو تنفيذها صعباً من الناحية السياسية. ربما كانت "ضريبة التجشؤ" المقترحة على تربية الأبقار، التي طرحتها نيوزيلندا، سبباً في هزيمة حكومتها في انتخابات الشهر الماضي.
بناءً على ما هو مقترح، قد يتمثل الأمل الوحيد في كبح انبعاثات الميثان في هذه المرحلة ببساطة في زيادة مصادر الطاقة المتجددة وتراجع عدد السكان، ما سيعني انخفاض معدلات تعدين الفحم واستهلاك كميات أقل من لحوم الأبقار. لكن ذلك لن يكون كافياً لتداني الصين مسار تحييد الانبعاثات بأي حال من الأحوال.