بلومبرغ
يسجل قطاع طاقة الرياح، معدلات نمو أسرع من أي أشكال الطاقة الأخرى، خاصة مع اقتراب الجيل القادم من التوربينات العملاقة الموجودة قبالة الشواطئ الأوروبية والتي تضاهي برج إيفل في طوله الهائل.
ويبقى الأهم من ذلك توقف الدعم المالي الحكومي للعديد من التوربينات الهوائية التي سيجري بنائها عما قريب، حيث لم تعد هذه التوربينات بحاجة إلى التمويل بعد انخفاض تكلفة طاقة الرياح إلى حدٍ كبير، لتصبح مصدر الطاقة الجديد الأقل تكلفة بالعالم، وبات منتجوها في دول مثل الدنمارك وألمانيا وولايات أمريكية مثل تكساس وغيرها يواجهون مشكلة في تصريف فائض الطاقة التي ينتجونها.
وفي سياق متصل، وقّعت عشرات الشركات الكبرى مثل "بنك أوف أمريكا" (Bank of America) و"جنرال موتورز" (General Motors) و"غوغل" (Google) التابعة لشركة "ألفابت" (Alphabet) عقودًا طويلة الأجل مع مزارع الرياح والطاقة، في وقت لا يزال فيه شخص واحد ألا وهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشكك في جدوى طاقة الرياح ولاسيما العائمة منها دون أن تعبأ قوى السوق على ما يبدو بآرائه المعارضة.
الوضع الحالي لطاقة الرياح
ترامب أخذ على عاتقه تعزيز قطاع الوقود الأحفوري، ولا سيما الفحم، دون أن يغير مقترح ميزانيته الأول شيئا بخصوص الإعفاءات الضريبية المتعلقة بطاقة الرياح. أما ألمانيا فوافقت في شهر أبريل 2018 على مناقصات أول مشروع لمزارع الرياح يُقام في مياهها الإقليمية مبشرًا بتوفير الطاقة الكهربائية بأسعار السوق دون الاعتماد على أي دعم حكومي.
وتعمل بعض الشركات المصنّعة بقيادة شركة "سيمنز إيه جي" (Siemens AG) على رفع الطاقة الاستيعابية للتوربينات إلى الضعف تقريبًا، والتي تزيد المسافة بين أجنحتها أصلًا عن المسافة بين جناحَيّ طائرة ضخمة، حيث بلغت القدرة الإنتاجية لطاقة الرياح العالمية 487 غيغاواط عام 2016.
وشملت المزارع المحدثة منها 54 غيغاواط بما يعادل تقريبًا إجمالي ما تنتجه تركيا من الطاقة الكهربائية، علمًا بأن أكثر من نصف هذه المزارع أنشئت في الصين التي تملك أكبر مزارع الرياح في العالم، على الرغم من أنها تُضيع عُشر طاقتها على الأقل دون جدوى نتيجةً لعجز شبكتها عن توصيلها للمستهلكين.
خلفية الموضوع
منذ القرن السادس عشر اكتشف الفُرس إمكانية استخدام الرياح في تحريك الماء وريّ المحاصيل، فأخذت شفرات أولى طواحين الهواء تدور باتجاه حركة الأرض في تصميم أثبت فائدته في طحن الحبوب أسفل حجرٍ يدور ببطء؛ ليأتي الأوروبيون بعد ذلك ويطورون كفاءة طواحين الهواء بتغيير محورها إلى محور أفقي سمح للشفرات المصنوعة من القماش بامتصاص الطاقة باستمرار.
وفي عام 1888، بنى الأمريكي تشارلز برش أول توربين هوائي كامل لتوليد الكهرباء في كليفلاند بطول يقترب من 18 مترًا وبقدرة إنتاجية تصل إلى 12 كيلوواط كحد أقصى، بينما يزيد طول أبراج الرياح اليوم عن 121 مترًا ويصل إنتاجها إلى حوالي 8 آلاف كيلوواط.
وكثفت ناسا تركيزها على أبحاث التوربينات الهوائية بعد أزمة النفط عام 1973، ووافق الكونجرس الأمريكي على أول تخفيض ضريبي لها عام 1992، ثم نجح بعد ذلك المهندسون الأمريكيون والهولنديون في الوصول إلى ابتكار خفض من تكاليف التوربينات، حيث دفع نجاحها على اليابسة عددًا من الشركات المصنعة إلى بناء أكبر منها في البحر حيث الرياح أقوى وأكثر انتظامًا، حتى شكلت الرياح عام 2016 قرابة 8 بالمئة من الطاقة في الولايات المتحدة وحوالي 5 بالمئة حول العالم.
الجدل الدائر حول الدعم الحكومي لمزارع الرياح
سخِر ترامب من مزارع الرياح العائمة متعمدا في حديثه، وعلى وجه الخصوص من مشروعًا يُزمع إنشاؤه بالقرب من منتجع الجولف الأسكتلندي الذي يمتلكه، وذلك في معرض حديثه مستخفًا بـ"طواحين الهواء" بشكل عام لتسببها في موت الطيور وحاجتها لقدر "هائل" من الدعم الحكومي.
ويرى معارضو التخفيضات الضريبية الأمريكية المقرر انتهاؤها عام 2021 تبذيرًا للأموال يعود بخسائر جمة على السوق، بينما يعتبر مناصروها أن الدعم الحكومي أمر لا يزال يستحق المجازفة نظرًا لكون مزارع الرياح الطريقة الأسرع لتحقيق أهداف الطاقة المتجددة التي وضعتها 43 ولاية؛ حيث أن بناءها لا يستغرق سوى 6 أشهر، بما يقل عن نصف الوقت اللازم لبناء محطة للفحم أو الغاز الطبيعي.
أما في أوروبا، فيتمثل المعوق الأكبر لنمو قطاع طاقة الرياح في افتقارها إلى الأراضي الخالية، ما جعلها أكثر اهتمامًا ببناء مزارع الرياح العائمة التي تتناقص تكاليف بنائها على نحوٍ سريع.
ويمكن للتوربينات الهوائية اليوم أن توفر طاقة أكبر مما يوفره الفحم لأوروبا، وأكبر مما تنتجه السدود الكهرومائية لأمريكا، غير أن تجربة الصين تظهر أن استطاعة الرياح لا يمكن أن تنمو لوحدها بل تتطلب استثمارات كبيرة في شبكة الطاقة، وإلا فلن تضيء الأنوار حيث يحتاج الناس إليها حتى وإن كانت التروبينات تدور حيثما تهب الرياح.