تغير المناخ سيقتل السيادة الوطنية كما نعرفها

time reading iconدقائق القراءة - 7
المراهقون أكثر وعيا بقضايا التغير المناخي - المصدر: بلومبرغ
المراهقون أكثر وعيا بقضايا التغير المناخي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

مع اقترابنا جميعاً من عصر تغير المناخ، ستتغير العلاقات الدولية كما عرفناها منذ ما يقرب من أربعة قرون إلى درجة لا يمكن التعرف عليها. لربما سيكون هذا التحول حتمياً، وربما هو ضروري أيضاً. لكنه سيسبب أيضاً صراعات جديدة، وبالتالي حرباً ومعاناة.

منذ صلح "وستفاليا" عام 1648، كان الدبلوماسيون - في زمن السلم والحرب على حد سواء - يؤيدون في الغالب مبدأ السيادة الوطنية. هذه الفكرة، المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على أن الدول الأجنبية ليس لها الحق في "التدخل في الأمور التي تقع أساساً ضمن السلطة القضائية المحلية لأي دولة".

في قمة "جلاسكو".. زعماء العالم يسعون إلى تفادي كارثة مناخية

شأن داخلي

ولد هذا المفهوم، إلى جانب نظام الدول الحديثة بأكمله، من الأنقاض الجسدية والنفسية التي خلفتها حرب الثلاثين عاماً. ابتداءً من عام 1618، تدخلت القوى الأوروبية في أراضي بعضها البعض بشكل شبه تلقائي. وخلفت جولة تلو الأخرى من الحرب قتيل واحد من بين كل ثلاثة في وسط أوروبا. في تلك المقبرة القارية، أقر رجال الدولة (كانوا جميعاً رجالاً) على أنه من الأفضل أن تهتم كل دولة من الآن فصاعداً بشؤونها الخاصة فقط.

لم ينخدع أحد في صلح "وستفاليا" بما يكفي للاعتقاد بأن هذه الفكرة الواقعية ستنهي الحرب في حد ذاتها. فبعد كل شيء، من خلال الاعتراف بالسيادة، وافق النظام على أن تسعى الدول إلى تحقيق مصالحها الوطنية، التي تميل إلى الصدام. لكن أتاح الإجماع الجديد، على الأقل، الفرصة لمنع الإراقة العشوائية لدماء أخرى.

حتى في ذلك الوقت، لم يكن مبدأ السيادة مطلقاً أو غير مثير للجدل. فلفترة طويلة، كانت أفضل حجة مثالية مضادة هي الحجة الإنسانية - أن الدول ليس لديها فقط الحق، ولكن من واجبها التدخل في الدول الأخرى، على سبيل المثال، إذا كانت تلك الدول ترتكب فظائع مثل الإبادة الجماعية.

لكن الآن، هناك حجة أقوى ضد السيادة، طرحها مفكرون مثل ستيوارت باتريك في مجلس العلاقات الخارجية. إنه في عالم تواجه فيه كل البلدان بشكل جماعي حالة طواريء الكوكب من الاحتباس الحراري، فإن السيادة ببساطة لم تعد مفهوماً يمكن الدفاع عنه.

رئة العالم

ربما تكون هذه البصيرة قد بزغت أيضاً لدى العديد من المندوبين في "مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021" المنعقد الآن في جلاسكو. ما هو على المحك في تلك المفاوضات ليس مصلحة "وطنية" لأي بلد في حد ذاته، إلا بقدر ما هي حصة هذا البلد من المصلحة الجماعية لجنسنا البشري في الحفاظ على المشاعات العالمية: الغلاف الجوي والمحيط الحيوي. وعلى الرغم من أن منظمي الطيران قد يختلفون في الرأي، إلا أن الحدود حول الولايات القضائية الإقليمية لا تمتد في الهواء.

إن جُزيئية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الصين أو الولايات المتحدة أو الهند ستنتقل من يعرف إلى أين، وستسرع تغير المناخ في كل مكان. وستغرق المدن في ألمانيا، وتحرق الغابات في أستراليا، وتجوع الناس في أفريقيا، وتغرق الجزر في المحيط الهادئ. لذلك، فإن لجميع شعوب العالم مصلحة مشروعة في غازات الاحتباس الحراري المنبعثة في أي سلطة قضائية معينة.

بسبب قلَّة النتائج.. حملة إنقاذ غابات الأمازون تغيّر خططها

كان العرض المأساوي الهزلي المبكر لهذا التحول في العلاقات الدولية هو الجدال الذي دار في عام 2019 بين الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون. كان بولسونارو، بمثابة إحدى شعلات الشعبويين، إذ كان يسمح للحرائق بإلتهام مساحات شاسعة من غابات الأمازون المطيرة. تلك التي تصادف أن تكون هي "الرئة" أو "بالوعة الكربون" الأساسية في العالم، حيث تسحب الغازات الدفيئة من الغلاف الجوي وتخزنها في الأشجار. لكن الآن، بات الأمازون يقذف الكربون مرة أخرى في الهواء.

الإبادة البيئية

وفي حديثه نيابة عن الكثيرين، اتهم الرئيس الفرنسي نظيره البرازيلي بالتحريض على "الإبادة البيئية" (تبدو كالإبادة الجماعية الجديدة، أليس كذلك؟)، رد بولسونارو بالقول إن ماكرون هو استعماري جديد، وتبع ذلك بسخرية تستهدف زوجة الرئيس الفرنسي.

كانت القضية الأساسية هي السيادة: هل الغابة المطيرة الموجودة في البرازيل هي شأن برازيلي أم تخص العالم؟ في سيناريو مستقبلي افتراضي، هل سيكون من ضمن حقوق تحالف تقوده فرنسا إعلان الحرب على البرازيل لمنع الإبادة البيئية، وبالتالي لمنع انتحار البشرية؟ (لحسن الحظ، تعهدت 100 دولة من بينها البرازيل هذا الأسبوع بالتعاون في التخلص التدريجي من إزالة الغابات).

دول مجموعة العشرين تتفق على حصر الاحتباس الحراري بـ1.5 درجة مئوية

هذا يفتح خطاً جديداً في التفكير حول الشؤون الدولية. إن صانعي السياسات غارقون بالفعل في تحليلات الأنواع الجديدة من الصراعات التي ستسببها ظاهرة الاحتباس الحراري داخل البلدان وفيما بينها. ويشمل ذلك حروب للوصول إلى المياه العذبة، واختفاء الأراضي الصالحة للزراعة أو الهجرات الجماعية.

لكن سيتسبب الزوال الزاحف للسيادة (الوستفالية)، كنظام تشغيل للعلاقات الدولية، في مزيد من الاضطرابات. ويبدو هذا أمر لا مفر منه. ستفكر بعض القوى أو التحالفات في المستقبل في التدخلات العسكرية بدول أخرى لإنهاء ما ستقوم بتعريفه على أنه إبادة بيئية. قد يذهب آخرون إلى الحرب إذا كانوا يعتقدون أن الدول المنافسة تتخذ إجراءات أحادية الجانب ضد تغير المناخ الذي يهدد مصالحهم الخاصة.

على سبيل المثال، فكر "مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي" فيما يمكن أن يحدث إذا قامت دولة ما برش كميات ضخمة من الهباء الجوي في الغلاف الجوي الطبقي (الستراتوسفير). قد تعكس مثل هذه الهندسة الجيولوجية ضوء الشمس وتبرد الكوكب، كما يفعل الرماد بعد ثوران بركاني كبير. لكنها قد تغير أيضاً أنماط الطقس وتسلب مصادر رزق البلدان الأخرى. من في هذا السيناريو سيكون صاحب السيادة على ماذا؟

لقد حان وقت التفكير في زوال السيادة. ربما سنحتاج إلى معادل بيئي لما تعنيه "منظمة التجارة العالمية" للتجارة: هيئة دولية جديدة توضح اللغز وتحاول الحفاظ على النظام. وحتى إذا حصل ذلك، من المحتمل أن يصبح العالم أكثر اضطراباً وخطورة، ليس فقط من الناحية البيئية ولكن أيضاً من الناحية الجيوسياسية. كلنا نخاف من حصول كارثة بيئية مهلكة، لكننا لا نريد حرباً أخرى لمدة ثلاثين عاماً أيضاً.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان