يبدو أن المقولة المعتادة التي تؤكد أنه "لا شيء يسمى الدعاية السيئة" أثبتت صحتها في سوق الصناديق المتداولة في البورصة، فهنا تُعتبر المنتجات وفيرة، لكن الاهتمام والسيولة نادران، خصوصاً بالنسبة إلى الصناديق غير الرخيصة، التي تقدم شكلاً من أشكال الاستراتيجية "النشطة". لذا فإن أي شيء (في حدود المعقول) يمكن أن يجذب الانتباه وحجم تداول إلى صندوق متداول بالبورصة، يُعَدّ أمراً جيداً عموماً لقوة البقاء على المدى الطويل.
هذا هو بالضبط ما سيفعله الصندوق المتداول بالبورصة الجديد المقترح، والمصمم خصيصاً من أجل المراهنة مباشرة ضدّ صندوق مؤسسة "أرك إينوفيشن" (Ark Innovation) المتداول بالبورصة، والتابع لكاثي وود، ويتّسم بأنه رائج وناجح ومثير للجدل. ويمكن القول إن صندوق "شورت أركك المتداول بالبورصة" (Short ARKK ETF) مفيد لكل من كارهي كاثي وود، وكاثي وود نفسها.
نقّاد كثر
نظرة سريعة على موقع تويتر تكشف أنه لا نقص في عدد من ينتقدون استراتيجية "أرك" بقوة، التي تميل نحو الرهان بكثرة على شركات "تسلا" (Tesla)، و"زووم فيديو كوميونيكيشنز" (Zoom Video Communications) و"كوين بيس غلوبال" (Coinbase Global) وغيرها من أسهم التكنولوجيا المرتفعة بشدة. ويوجد استياء عميق من حقيقة أن عائدات وود كانت جيدة جداً (أكثر من 40% في العام الأخير كما في الأعوام الثلاثة وحتى الخمسة الأخيرة)، وأن عائلة "أرك" للصناديق تمكنت من جذب 35 مليار دولار على شكل سيولة نقدية جديدة على مدى العامين الماضيين، في الوقت الذي سجلت فيه كل الصناديق الأخرى -التي تنتقي الأسهم بدلاً من الاعتماد على تتبع بعض المؤشرات- خسائر مجمعة بلغت 808 مليارات دولار في الفترة ذاتها.
على الرغم من أن نقاد "أرك" يمكنهم المراهنة ضد كاثي وود أو أي من الصناديق المتداولة بالبورصة الخاصة بها باستخدام المشتقات أو بيع الأموال على المكشوف، فإن ذلك قد يكون أمراً شاقّاً ومكلّفاً. وتبلغ التكلفة الحالية لاقتراض أسهم "أرك" نحو 5% سنوياً، وفقاً لبيانات السوق من شركة "آي إتش إس" (IHS)، ومن شأن صندوق "أركك" المتداول بالبورصة الجديد أن يجعل من الأسهل والأرخص اتخاذ وجهة نظر معارضة.. فقط اشترِ الأسهم!
لكن حتى بعد إرضاء أولئك الذين يعانون "متلازمة تشويش أرك"، قد يجذب الصندوق المتداول بالبورصة الجديد المستثمرين ذوي الدافع الأساسي، الذين يشعرون كأن صندوق وود على وشك الدخول إلى منطقة التصحيح (التراجع)، أو أن الأسهم عموماً مُبالَغ في قيمتها، أو أنها عرضة لارتفاع أسعار الفائدة. ووجهات النظر المتعارضة هي التي تصنع السوق.
سيكون صندوق "أرك" المتداول بالبورصة الجديد مفيداً أيضاً لشركة "أرك" لأنه سيجلب الفائدة وحجم التداول لنظام "أرك" البيئي، إذ لا يمكن الحصول على الحجم أو شراؤه مثل الأصول، بل يمكن أن يحدث بشكل طبيعي فقط من خلال العرض والطلب. لكن بمجرد حدوث ذلك، يمكن أن يتحول إلى ما يشبه الخندق حول الصندوق المتداول بالبورصة، مما يمنحه طول العمر وقوة التسعير، وهذا يعني ضغطاً أقلّ لخفض الرسوم. ويحدث ذلك في اللحظة التي يتحول فيها الصندوق المتداول بالبورصة إلى صندوق وعقد مستقبلي، يخدم كلاً من المستثمرين والمتداولين على حد سواء.
ما عليك سوى إلقاء نظرة على صناديق "إس بي دي آر من ستاندرد آند بورز 500" (SPDR S&P 500) الشهيرة وصناديق "آي شيرز إم إس سي آي إيمرجينغ ماركتس" (iShares MSCI Emerging Markets) المتداولة بالبورصة، وكلاهما تَعرَّض لمنافسة من الرسوم المنخفضة التي يقدمها المنافسون لمدة عقد من الزمان، لكنهما لا يزالان يحتفظان بجمهور كبير، بسبب السيولة والنظام البيئي المحيط بهما. بالتالي، كلما زاد عدد الأشخاص الذين يراهنون على صعود "أرك" -أو انخفاضه- وكلما زاد حجم التداول حول الصندوق، كان ذلك أفضل لـ"أرك" على المدى الطويل.
تداولات نشطة
هذا لا يعني أن "أرك" تحتاج إلى كثير من المساعدة في ما يخصّ الحجم والانتباه، إذ تشهد صناديق "أرك" المتداولة بالبورصة حجم تداول يبلغ نحو 30 مليار دولار شهرياً، على غرار شركة "نتفلكس". بالإضافة إلى ذلك، ترتبط سوق خيارات متنامية بصناديق الاستثمار المتداولة التابعة لـ"أرك"، مما يساعد الشركة على جذب المستثمرين المؤسسيين. لذلك فمن الطبيعي أن يكون بالبورصة الآن صندوق متداول على المكشوف من "أرك"، حتى إن بعض البنوك يقدّم ملاحظات مهيكلة مصممة خصوصاً ومرتبطة بصندوق "أرك" المتداول بالبورصة الرائد. وكلما زاد الحجم والاهتمام المضافان إلى صندوق "أرك شورت" المتداول بالبورصة، سيضيف هذا فقط إلى قوة البقاء لدى "أرك".
أيضاً، يجب أن تصبّ الطبيعة المتغيرة لصناعة الصناديق المتداولة بالبورصة في مصلحة شركة "أرك" وكاثي وود، لأن جوهر المحافظ الاستثمارية لمعظم المستثمرين يتركز في بعض صناديق المؤشرات العريضة، وبالتالي فهم يبحثون عن شيء مختلف تماماً ليصعدوا إلى القمة. وهذا هو السبب في أن "أرك"، وبعض "الأفكار" والعملات المشفرة تحظى بشعبية كبيرة (إلى حد ما)، ومرنة في عمليات البيع. وتُظهِر بيانات تدفُّق الأموال أن ضخّ السيولة في الصناديق اليوم يبدو مثل لوح أثقال حديد، إذ يذهب نحو 75% من التدفقات الواردة إلى الصناديق المملة ولكن رخيصة الثمن جداً التي تشبه المؤشرات، ونسبة 25% تذهب إلى "الأشياء اللامعة"، أو الصناديق ذات المحافظ الاستثمارية المركزة. وهذا يختلف تماماً عما كان موجوداً في العقود الماضية، عندما كان من المحتمَل أن يكون الصندوق النشط ملكية أساسية. لذلك، عندما بدأت عائدات الصناديق تتخلف إلى الوراء، كان المستثمرون يتوترون ويهربون. وينظر عديد من المستثمرين اليوم إلى "أرك" من خلال عدسة حقبة التسعينيات، وهو أمر ثبت خطؤه.
هذا هو السبب في أن المستثمرين في "أرك" أكثر ثباتاً أو ولاءً مما يعتقده كثير من الناس. ومع صناديق المؤشرات المملّة بشكل شبه كامل التي تشكّل جوهر المحافظ، يمكن للمستثمرين أن يكونوا أكثر صبراً وتسامحاً مع عمليات السحب في العمليات المحمومة. ويساعد هذا على تفسير سبب عدم حصول "أرك" فعلياً على تدفقات خارجية صافية في أي من عمليات السحب التي تبلغ 30% أو نحو ذلك.
لذا، وفي تطور مثير للسخرية، يمكن القول إن رائد صندوق المؤشرات الأسطوري جاك بوغل ساعد على إنشاء المسار الذي تزدهر فيه كاثي وود الآن، فعلامتها التجارية النشطة أكثر ملاءمة للقرن الحادي والعشرين، أو بالأحرى مستقبل صناديق "فانغارد"، وحقيقة أن المتداولين يمكنهم الآن المراهنة ضدها، تضيف فقط إلى قوة البقاء هذه.