سباق "الأتمتة"..لماذا تخشى أمريكا التكنولوجيا؟

time reading iconدقائق القراءة - 6
بينما قامت الصين بأتمتة الكثير من العمالة في موانئها كانت الولايات المتحدة بطيئة في اتخاذ خطوة مماثلة - المصدر: بلومبرغ
بينما قامت الصين بأتمتة الكثير من العمالة في موانئها كانت الولايات المتحدة بطيئة في اتخاذ خطوة مماثلة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

كثيراً ما كانت الولايات المتحدة قائدة المتفائلين تجاه التكنولوجيا، على أنَّ هذه النظرة تتحوَّل إلى قاتمة بشأن مسيرة التقدُّم عندما يبدو العالم مستعداً لتسجيل طفرة إنتاجية مدفوعة بالتكنولوجيا، إذ تظهر مخاوف متزايدة من عدم تقاسم المنافع بين الجميع في الفوائد تؤدي بدورها إلى مقاومة تهدد بإعاقة البلاد.

ومن المؤكَّد أنَّ استعادة المواقف الجريئة التي سادت العام الماضي بحاجة لأكثر من العبارات الرنانة، فالأمر سيتطلَّب تغييرات سياسية شاملة.

ربما تظن أنَّ الوقت قد حان الآن للأميركيين للاشتراك في التملُّق المشترك للتكنولوجيا.

على كل حال، تعمل اللقاحات المبتكرة التي تستخدم تقنية ما يعرف بـ"الحمض النووي الريبوزي المرسال" (mRNA) على إنقاذ البلاد من أعظم وباء منذ قرن زماني، وإتاحة استئناف الحياة الطبيعية. وفي المستقبل، قد تستخدم التقنيات نفسها لهزيمة السرطان.

في الوقت نفسه، يعدُّ التقدُّم الهائل في ابتكارات الطاقة الشمسية والبطاريات واعداً بإجراء خفض كبير في تكاليف تفادي التغيُّرات المناخية. وفي غضون 10 أعوام؛ ستكون الطاقة الشمسية مصدر البلاد الرئيسي للطاقة الرخيصة، إذ يمكنها أن تشعل طفرة إنتاجية جديدة.

وكما أنَّ تقنيات العمل عن بُعد تتيح للكثيرين عيش حياة أكثر مرونة؛ تقدِّم التقنيات الناشئة الأخرى، مثل: اللحوم المصنَّعة، والذكاء الاصطناعي، و"كريسبر"، والبيولوجيا الاصطناعية، وعوداً بمزيد من العجائب في المستقبل القريب.

التفاؤل يتلاشى

ما يزال العديد من الأمريكيين متفائلين تجاه التكنولوجيا في بعض الأمور، فهي العامل الذي يرد ذكره بأنَّه ساهم في تحسين الحياة خلال نصف القرن الماضي. لكن يبدو أنَّ هذا التفاؤل قد تآكل تدريجياً في الأعوام الأخيرة، وقد حلَّ محلّه الشك والخوف بشكل جزئي.

بدلاً من احتفال الأمة بإمكانية قهر وباء كوفيد-19، كما حدث مع لقاح شلل الأطفال قبل عقود زمنية، حوَّل الأمريكيون اللقاح إلى حرب ثقافية، ورفض الكثير منهم الحصول عليه.

بشكل عام؛ ما تزال "أمازون"، و "غوغل" محبوبتين، لكنَّ شعبيتهما تراجعت بشكل كبير برغم حقيقة مساعدتهما معظم الأمريكيين على تجاوز الوباء.

في ذات الوقت، يظهر التشاؤم في عالم الفن؛ فقلَّةٌ من الفنانين فقط يهتمون بصياغة رؤى مستقبلية إيجابية كما فعلوا في الخمسينيات.

مع ذلك؛ فإنَّ الذكاء الاصطناعي هو التكنولوجيا التي يخشاها الأمريكيون بشكل أكثر من أيِّ شيء آخر، فمعظمهم يرى أنَّ "الأتمتة" ليست وسيلة لزيادة الكفاءة أو خلق وظائف أعلى أجراً، بل إنَّها وسيلة لتسريع اللامساواة.

كما دعا السياسيون البارزون، مثل عمدة مدينة نيويورك السابق بيل دي بلاسيو، إلى فرض ضرائب على الروبوتات. كما أنَّ مؤسس شركة "مايكروسوفت" بيل غيتس انضمَّ إليهم في مطالبهم هذه.

هذا التشاؤم التقني يهدد الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير. فسرعان ما فقدت البلاد حصَّتها السوقية في الصادرات المصنَّعة عالية التقنية.

لمواكبة هذا السباق، لا يمكن للولايات المتحدة الاعتماد على ميزة العمالة الرخيصة، بل سيتعيَّن عليها التحوُّل نحو الأتمتة. هذا الأمر تدركه جيداً النخب السياسية، ونخبة أوساط الأعمال في الدول الغنية الأخرى. فبرغم أنَّ سكان تلك الدول يخشون فقدان الوظائف، إلا أنَّ عدداً منهم لجأ لاستخدام روبوتات قادرة على التصنيع بشكل أكثر من الولايات المتحدة.

مخاوف داخلية

لم تستطع الصين مواكبة التحوُّل نحو الروبوتات بعد، لكنَّها تحاول. ومع ذلك؛ فإنَّ بعض موانئها "مؤتمتة" بالكامل، وهو ما يسمح لها بالتفوق سريعاً على الموانئ الأمريكية العتيقة. في حين أنَّ النقابات العمالية تخشى على وظائفها، لذا فإنَّها تقاوم التكنولوجيا الجديدة.

في الوقت نفسه، لن تستطيع الولايات المتحدة تحمُّل خسارة سباق الأتمتة، لكنَّه ليس السباق الوحيد الذي تشارك فيه. ففي سان فرانسيسكو، بؤرة أزمة الإسكان في البلاد، عارضت النقابات فكرة بناء المساكن النموذجية، وهي تكنولوجيا تعدُ بالمساعدة في خفض تكاليف البناء الباهظة بشكل مدمِّر.

يواجه تقدُّم الولايات المتحدة عرقلة ناتجة عن مخاوف ناشبة تجاه اللقاحات، والأتمتة، وبناء المساكن الحديثة. وهذه المخاوف تهدِّد أيضاً بتقويض القدرة التنافسية للبلاد، وخلق نقص في السلع الأساسية. وبالتالي؛ إذا كانت تعتزم الاستفادة من الطفرة التكنولوجية الناشئة في عقد 2020، فسيتعيَّن عليها التخلُّص من هذه المخاوف، واستعادة التفاؤل التكنولوجي الذي كانت تتمتَّع به في منتصف القرن العشرين.

لكن كيف يمكن فعل ذلك؟.. يحتاج الأمريكيون إلى أمرين على الأقل للشعور بالثقة تجاه قدرة التكنولوجيا على تحسين حياتهم، وهما:

الأمن، وهو الأمر الأول الذي يحتاجه الأمريكيون. ففي ظلِّ التأمين الصحي الوطني، والمساعدة في إيجاد فرص العمل، يمكن للأمريكيين أن يكونوا أقل قلقاً بشأن تغيير الوظائف. وهذا من شأنه السماح لهم بالنظر إلى الأتمتة باعتبارها فرصة، وليست مصدر تهديد.

توزيع الثروة

أما الأمر الثاني فيتمثَّل في حاجتهم لتوزيع الثروة على نطاق أوسع بين السكان. فقد تزامن التقدُّم الهائل في مجال تكنولوجيا المعلومات منذ الثمانينيات مع ارتفاع التفاوت الاقتصادي بشكل كبير.

وربما لم تكن التكنولوجيا السبب في كثير من التفاوت، لكن لا يمكن للناس تقديم يد العون في وجود الخلط بين الارتباط والعلاقة السببية.

علاوةً على ذلك؛ فإنَّ اللامساواة تعني أنَّ العديد من الأشخاص يفتقرون لشعور القدرة على تقاسم الفوائد التي توفِّرها التكنولوجيا. وبالتالي، حتى يتطلَّع الأمريكيون العاديون للمستقبل، علينا منحهم نصيباً أكبر فيه.

بالتأكيد، تعدُّ صياغة الرؤى المستقبلية الجميلة والتحدُّث علناً عن الإنجازات الحقيقية للعلماء والمهندسين أمراً صحيحاً وجيداً. فنحن بحاجة لفعل المزيد من ذلك. لكن بدون الأنظمة الاجتماعية التي تحيط الازدهار الذي تخلقه التكنولوجيا، سنواصل خوض معركة شاقة لإثارة حبِّ التكنولوجيا في نفوس الأفراد العاديين.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

California City

7 دقائق

8°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى /
20.4 كم/س
54%
الآراء الأكثر قراءة