قام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بعملٍ جيد للغاية، وذلك بتمرير بعض الأخبار السيئة للأسواق في اجتماعه الأسبوع الماضي دون الكثير من التداعيات.
لم تشهد أسواق الأسهم عمليات بيع بشكلٍ جوهري، على الرغم من إشارة البنك المركزي إلى بدء رفع أسعار الفائدة في وقتٍ مبكر عن المتوقع، وظلت أسواق الائتمان ذات المخاطر العالية مفتوحة على مصراعيها.
توقعات التضخم
لكن بعض التحركات أشارت إلى وجود مشكلة، ومن الواضح أنها حظيت باهتمام رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، وتشمل توقعات التضخم على المدى الطويل، والتي تراجعت بعد إعادة تقييم البنك المركزي، يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي.
انخفض سعر التعادل لأجل 10 سنوات إلى أدنى مستوى منذ مارس، بحلول يوم الجمعة الماضي. عبَّر منحنى العائد المسطح عن شيء مشابه، حيث تراجع الهامش بين عوائد سندات الخزانة لأجل خمس سنوات و30 عاماً إلى أقل مستوى منذ سبتمبر 2020 بحلول يوم الجمعة.
قال جان بويفين، رئيس "معهد بلاك روك للاستثمار"، إن استجابة السوق للتضخم بمثابة "رد فعل مقلق" و"أخبار سيئة للغاية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي".
تضخم مؤقت
وضع محافظو البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة في عام 2023 على الطاولة بسبب ارتفاع توقعات التضخم على المدى الطويل.
إذا تلاشت هذه التوقعات، فإنها تقوض سبب رغبة البنك المركزي في زيادة تكاليف الاقتراض القياسية (أسعار الفائدة) في المقام الأول.
قال "بويفين" في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" يوم الإثنين، "أتوقع أن يحاول مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع التراجع عن ذلك لأنها أخبار سيئة للغاية بالنسبة لهم".
بدا الأمر كما لو أن هذا هو ما كان "باول" يحاول فعله في شهادته يوم الثلاثاء أمام اللجنة الفرعية بشأن أزمة فيروس كورونا بمجلس النواب الأمريكي.
لقد أكد "باول" على وجهة نظره القائلة إن التضخم مؤقت، قائلا: "يأتي جزء كبير جداً أو ربما كل الارتفاع في التضخم من الفئات التي تتأثر بشكل مباشر بإعادة فتح الاقتصاد".
وأضاف أن بيانات الأسعار (التضخم) كانت محيرة أو مثيرة للارتباك.
قال: "يتوجب علينا أن نتحلى بالتواضع للغاية بشأن قدرتنا على محاولة استخلاص إشارة منها.. قد يتطلب الأمر بعض الصبر لرؤية ما يحدث حقا".
المركزي يحاصر نفسه
قد يؤدي التحول إلى منحنى العائد المسطح بشكل عام، وانخفاض توقعات التضخم على المدى الطويل، إلى منع "الاحتياطي الفيدرالي" من القيام فعلياً بتخفيض مشتريات السندات شهرياً، البالغة 120 مليار دولار على المدى القريب، ناهيك عن رفع أسعار الفائدة في أقرب وقت في أواخر العام المقبل أو أوائل عام 2023.
في بعض النواحي، حاصر بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه في زاوية ضيقة سيثبت أنه من الصعب الخروج منها بنجاح.
إن الفيدرالي يريد أن يرتفع التضخم، ومع ذلك فإن كل خطوة لها تداعيات غير مسبوقة على عالم غارق في الديون.
في حال ارتفاع التضخم بقوة، فسوف يشعر المتداولون بالقلق من جولة سريعة من التشديد النقدي، من شأنها أن تنسف النمو وحدوث اضطرابات في تقييمات أسعار الأصول.
إذا قام محافظو البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة في وقت أقرب، فسوف يقوم المتداولون بحساب التوسع الأبطأ والأهدأ عندما يتخذون قراراتهم الاستثمارية.
سوق حساسة للغاية
قال راي داليو، مؤسس "بريدجووتر أسوشيتس"، أكبر صندوق تحوط في العالم، في منتدى قطر الاقتصادي الذي تنظمه بالتعاون مع وكالة "بلومبرغ": "من السهل القول إن بنك الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يشدد السياسة النقدية، وأعتقد أنه ينبغي عليه ذلك".
أضاف "ولكن أعتقد أنكم سترون سوقاً حساسة جداً، واقتصاداً حساساً جداً، إذ أصبح أمد الأصول طويلاً جداً جداً".
بدأ أعضاء بنك الاحتياطي الفيدرالي أنفسهم في الانقسام حول فهمهم لتفويضهم الشامل.
بدأ البعض، بما في ذلك جيمس بولارد، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، وروبرت كابلان، رئيس الفيدرالي في دالاس، في الإعراب عن مخاوفهما بشأن التضخم الأسرع من المتوقع.
لكن قيادة بنك الاحتياطي الفيدرالي، وبالتحديد "باول"، ورئيس الفيدرالي في نيويورك، "جون ويليامز"، يحاولان الحفاظ على الوضع الراهن، ولا يزالان يقولان إنه من السابق لأوانه إلغاء السياسة النقدية التيسيرية.
هذه النغمة الأكثر مسالمة هي الرسالة ذات الأهمية الأكبر. في نهاية المطاف، تستمر توقعات التضخم التي تحددها السوق في تأكيد وجهة نظرهم، ولا تزال تظهر ميلاً أكبر للتسعير في خفض التضخم أكثر من الزيادات المتسارعة في الأسعار.