
بلومبرغ
يزداد ارتفاع أسعار سندات الأسواق الناشئة بالعملة المحلية تفرداً، حيث يسعى المستثمرون إلى حماية أنفسهم من المخاطر الناجمة عن (سياسات) الولايات المتحدة من خلال تكثيف الاستثمارات في دول واعدة أقل شهرة.
أسواق غير تقليدية
اشترت "ويليام بلير" (William Blair) (شركة خدمات مالية واستثمارية أميركية مقرها في شيكاغو) سندات مقومة بالدولار الجامايكي وبيزو جمهورية الدومينيكان والروبية الباكستانية والكواشا الزامبية. في غضون ذلك، تحتفظ شركة "إيه إكس إيه إنفستمنتس" (AXA Investment) بسندات مقومة بالتنغي الكازاخستاني، وتدرس "ناينتي وان" (Ninety One) الاستثمار في سندات بالشلن الأوغندي، فيما تقيّم "باينبريدج" (Pinebridge ) سندات مقومة بالسوم الأوزبكي، وأضافت "بلاك روك" سندات مقومة بالدينار الصربي إلى محفظتها الاستثمارية.
يتجه مديرو الاستثمار بشكل متزايد إلى تخصيص الاستثمارات خارج المؤشرات القياسية، مما يعني أنهم لا يحمون أنفسهم من تقلبات أسعار الصرف، بهدف تحقيق أفضل عوائد في سوق الدخل الثابت. كما يستهدفون أسواقاً معزولة نسبياً عن الاقتصاد العالمي، حيث تقود فرص الاستثمار محركات محلية مثل النمو والإصلاحات أو أسعار الفائدة المرتفعة.
قال مارسيلو أسالين، رئيس فريق ديون الأسواق الناشئة في "ويليام بلير": "لدينا مزيج من العملات التي نراها مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، مع عوائد فائدة مرتفعة للغاية وأسعار فائدة جذابة". و"تميل هذه العملات إلى عدم الارتباط بالأسواق العالمية، وهذه هي ميزتها".
المخاطر المحلية مقابل المخاطر العالمية
في الماضي، كان المستثمرون الذين يسعون إلى التنويع في الأسواق الواعدة يشترون عادةً السندات السيادية المقومة بالدولار لتجنب مخاطر سعر الصرف، ويركزون على الأصول المدرجة في المؤشرات القياسية.
هذا الوضع آخذ في التغير، إذ يتجه المستثمرون بشكل متزايد إلى أسواق غير تقليدية سعياً وراء عوائد مرتفعة وحماية من الاضطرابات العالمية. لكن هناك مقايضة، فهم يستبدلون المخاطر العالمية، مثل سياسات ترمب المتقلبة بشأن التعريفات الجمركية، بتحديات ومخاطر محلية.
تتميز هذه الأسواق غير البارزة عادةً بسيولة منخفضة، مما قد يعيق خروج المستثمرين في حالات التراجع المفاجئ. كما أن الأحداث السياسية والاقتصادية غير المتوقعة قد تحول المكاسب إلى خسائر بين عشية وضحاها، في حين يحدّ صغر حجمها من نطاق الفرص الاستثمارية.
قالت أوريلي مارتن، الخبيرة الاقتصادية ومحللة الاستثمار لدى "ناينتي وان" في لندن: "يجب أن تكون انتقائياً وتجري أبحاثك بعناية، لأن هذه الأسواق أقل شهرة وتحظى بتغطية أضعف".
تنويع أصول المحفظة الاستثمارية
للتوضيح، فإن مديري الصناديق الذين يراهنون على هذه الفرص غير التقليدية لا يتخلون عن الأسواق الناشئة الرئيسية. في الواقع، تتصدر الدول الكبرى مكاسب السندات بالعملة المحلية حتى الآن هذا العام. فقد سجلت البرازيل والمكسيك وتشيلي عوائد تتجاوز 10%، مما دفع المؤشر القياسي لبلومبرغ لهذه الفئة من الأصول إلى أفضل بداية له منذ عام 2023. تجذب الدول التي تقدم عوائد مرتفعة، مثل مصر، حيث تتجاوز أسعار الفائدة 20%، المتعاملين وفق استراتيجية تجارة الفائدة.
بالمقارنة، كانت العوائد في الأسواق الواعدة الأقل شهرة متواضعة. فقد ارتفع الصندوق المتداول "آي شيرز جيه بي مورغان لسندات الأسواق الناشئة بالعملات المحلية"، الذي تضم محفظته أوراقاً مالية من دول أصغر ضمن أكبر 10 مراكز استثمارية، بنسبة 4.3% منذ بداية عام 2025.
يمثل ذلك أكثر من ضعف المكاسب التي حققها "مؤشر بلومبرغ للسندات الحكومية بالعملة المحلية في الأسواق الناشئة"، لكنه يظل أقل بكثير من البرازيل، حيث حقق المستثمرون عوائد بلغت 16%.
ومع ذلك، فإن الحافز الأساسي للخروج عن المسار المألوف يكمن في التنويع، حسب ماجدة برانيت، رئيسة قسم الأسواق الناشئة والدخل الثابت في آسيا لدى "إيه إكس إيه إنفستمنت مانجرز يو كيه" (AXA Investment Managers UK).
أسواق بمعزل عن الاقتصاد العالمي
نظراً لضعف ارتباطها بالأسواق العالمية، يمكن للدول الواعدة تفادي انتقال العدوى المالية- وهي ميزة محتملة في ظل توقعات المستثمرين بارتفاع التقلبات خلال الأشهر المقبلة.
قالت برانيت: "عندما تستثمر في الأسواق الواعدة، فأنت لا تراهن حقاً على ضعف الدولار عالمياً" و"يجب أن تؤمن بقوة العملة قبل الدخول في الصفقة". وأضافت برانيت، التي يحتفظ صندوقها بسندات التنغي في كازاخستان، أنها لم تتحوط ضد مخاطر العملة، لأن ذلك كان سيقلص عوائد الفائدة.
حالياً، تحقق الأسواق الكبرى مثل البرازيل أداءً متفوقاً بفضل ضعف الدولار. لكن إذا ارتفع الدولار مجدداً، فقد يؤدي ذلك إلى تدفقات رأسمالية خارجة كبيرة. في المقابل، تتوقع الصناديق تحقيق عوائد مرتفعة في الأسواق الواعدة، ما قد يعوض أي خسائر محتملة في العملة مع الاستمرار في تحقيق الأرباح.
عوائد مجزية
على سبيل المثال، تمنح أوزبكستان قسيمة فائدة بنسبة 17% على سنداتها المقومة بالسوم والمستحقة في سبتمبر 2034، بينما يبلغ العائد على سندات باكستان لأجل 10 سنوات 10.5%.
تبلغ الفائدة على سندات كازاخستان المستحقة السداد في مارس 2035، 10.25%، بينما توفر سندات جامايكا لأجل خمس سنوات عائداً قدره 11.875% سنوياً.
قال جوزيف كوثبرتسون محلل الديون السيادية في "باينبريدج إنفستمنتس" (PineBridge Investments): "نشهد زخماً في الإصلاحات وتحسناً في أساسيات الائتمان"، في إشارة إلى أوزبكستان. و"العملة مستقرة نسبياً كونها مرتبطة بسعر صرف زاحف يحظى بالثقة وعوائد السندات تظل جذابة حتى بعد احتساب أي انخفاض محتمل في سعر الصرف".
مع ذلك، يظل خطر انخفاض مفاجئ وكبير في قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية قائماً. وقد أبرزت الاضطرابات السياسية في تركيا الأسبوع الماضي كيف يمكن أن تنهار حتى أكثر الفرص الاستثمارية المدروسة بعناية في الأسواق الناشئة الرئيسية.
قالت برانيت من "إيه إكس إيه إنفستمنتس": "الأمر (الاستثمارات في الأسواق الواعدة الأقل شهرة) يتطلب قدراً أكبر من الانضباط ووضوح الرؤية مقارنة بالمعتاد".