بحلول هذا الوقت من العام الماضي، ارتفعت أسواق الأسهم بشكل تجاوز حتى أكثر التوقعات تفاؤلاً، وكان خبراء "وول ستريت" مقتنعين بأن هذا الزخم لن يتمكن من الاستمرار بنفس الوتيرة.
عندما أصدر خبراء استراتيجيون من "بنك أوف أميركا" و"دويتشه بنك" و"غولدمان ساكس غروب" وبنوك كبرى أخرى توقعاتهم لعام 2024 حينها، كان هناك إجماع على أن مؤشر "إس آند بي 500"، بعد ارتفاعه بأكثر من 20% بفعل الطفرة في أسهم التكنولوجيا نتيجة الاختراقات في مجال الذكاء الاصطناعي واستمرار الاقتصاد في تحدي المتشائمين، سيحقق مكاسب متواضعة فقط. ومع تحول بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة، كان يُنظر إلى السندات الأميركية على أنها ستنافس الأسهم بقوة.
لكن ما حدث بعد ذلك شكل مفاجأة أخرى لتوقعات "وول ستريت" التي ظلت تتفاجأ بتحولات السوق منذ نهاية وباء كورونا.
استمرار زخم الأسهم الأميركية
بدلاً من فقدان الزخم، واصلت أسعار الأسهم الارتفاع. وبحلول أواخر يناير الماضي، تجاوز مؤشر "إس آند بي 500" بالفعل متوسط الهدف السنوي الذي حدده خبراء استراتيجيون. واستمر في تسجيل مستويات قياسية جديدة واحداً تلو الآخر، وهو في طريقه لتحقيق مكاسب بنسبة 25% خلال 2024، ما يمثل أقوى أداء سنوي متتال منذ انهيار فقاعة الإنترنت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
قال جوليان إيمانويل، كبير الخبراء الاستراتيجيين في الأسهم والتداول الكمي في "إفركور آي إس آي" (Evercore ISI)، والذي تخلى في منتصف العام عن توقعاته بانخفاض طفيف في مؤشر "إس آند بي 500" وكان الأول من بين كبار الخبراء الاستراتيجيين الذين توقعوا هدفاً سنوياً للمؤشر عند 6 آلاف نقطة: "هناك جانب يبدو أشبه بالإعجاز في الأمر. يمكن للاتجاهات أن تستمر لفترة أطول وتذهب أبعد مما يمكن لأي شخص أن يتخيله".
قوة الاقتصاد الأميركي
يعكس استمرار هذا الاتجاه مدى صعوبة توقعات الاقتصاد الأميركي بعد الوباء، إذ استمر في التوسع بثبات رغم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى منذ أكثر من عقدين.
مع اقتراب نهاية 2023، وبينما كانت السندات تشهد ارتفاعاً قوياً بسبب التكهنات بأن البنك المركزي الأميركي سيضطر إلى تيسير سياسته النقدية بصورة كبيرة، توقع خبراء استراتيجيون في الدخل الثابت أن ينخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى حوالي 3.8% بحلول نهاية العام الحالي. لكنه ارتفع ليتجاوز 4.6% بدلاً من ذلك.
أسهمت قوة الاقتصاد الأميركي في دعم ارتفاع سوق الأسهم، إذ انعكس ذلك على أرباح الشركات. في الوقت نفسه، استمر الحماس بشأن الذكاء الاصطناعي في دفع أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "ألفابت" و"أمازون دوت كوم" و"أبل" و"ميتا بلاتفورمز" و"إنفيديا" إلى الأعلى. وحصلت موجة الارتفاع على دفعة إضافية بعد فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية، حيث وعد بتخفيضات ضريبية وتبني سياسات داعمة للشركات.
أسفر ذلك عن تراجع كبير في التشاؤم في "وول ستريت" ودفع بعض الخبراء الاستراتيجيين إلى التخلي عن توقعاتهم السلبية.
تحول مايك ويلسون من "مورغان ستانلي" –الذي حذر خلال 2023 كثيراً من أن الأسهم ستشهد انخفاضاً– إلى التفاؤل بشأن الأسهم بحلول مايو الماضي. أما ماركو كولانوفيتش من" جيه بي مورغان تشيس آند كو"، الذي توقع أن يتراجع مؤشر "إس آند بي 500" 12% بحلول ديسمبر 2024، فغادر البنك في منتصف 2024 بعد عقدين من العمل فيه.
وفي أواخر نوفمبر، أسقط دوبرافكو لاكوس بوجاس، الذي يرأس الآن فريق أبحاث السوق في "جيه بي مورغان"، الهدف المتشائم سابقاً وتوقع استمرار ارتفاع مؤشر "إس آند بي 500" العام المقبل.
أسهم شركات التكنولوجيا
أوضح لاكوس بوجاس أن بعض الأخطاء التي وقع فيها الفريق تعكس صعوبة توقع الارتفاع الكبير في أسهم شركات التكنولوجيا من العظماء السبعة، التي تشكل جزءاً كبيراً من مكاسب مؤشر "إس آند بي 500". لكنه أشار إلى أسباب قوية للتفاؤل مستشهداً بتخفيف سياسة التشديد النقدي من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والتغيير في السلطة في واشنطن، ووجود حكومة صينية حريصة على الحفاظ على نمو اقتصادها.
ذكر لاكوس بوجاس: "تملك عملياً 3 شبكات أمان" متاحة الآن، متوقعاً ارتفاع مؤشر "إس آند بي 500" إلى 6500 خلال 2025، بزيادة حوالي 9% عن مستوى الجمعة الماضي. وأضاف: "هذا الأمر غيّر طريقة تفكيرنا فيما يتعلق بالأصول الخطرة والأسهم".
لم يكن المتشائمون وحدهم من فوجئوا. فقد رفع تقريباً كل كبار الخبراء الاستراتيجيين الذين تتابعهم "بلومبرغ" أهدافهم لمؤشر "إس آند بي 500" مرة واحدة على الأقل خلال 2024 بعد أن تجاوز المؤشر تلك التوقعات.
عندما نُشرت التوقعات لأول مرة في أواخر خلال 2023، حتى أكثر المحللين تفاؤلاً في ذلك الوقت –وعلى رأسهم توم لي من "فندسترات" (Fundstrat) وجون ستولتزفوس" من أوبنهايمر"– توقعوا أن يرتفع مؤشر "إس آند بي 500" 9% فقط ليصل إلى 5200 نقطة، وهو مستوى تجاوزه في أقل من 3 شهور.
المؤشر يتغلب على لحظات التراجع
كانت هناك لحظات بدا فيها أن سوق الأسهم على وشك الانعكاس، لكنها كانت قصيرة الأجل. فرغم تراجع مؤشر "إس آند بي 500" من منتصف يوليو وحتى أوائل أغسطس الماضيين، سرعان ما استأنف مسيرته الصعودية مع تلاشي المخاوف بشأن أرباح شركات التكنولوجيا. كما أن موجة الهبوط التي أثارها رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول بلهجته المتشددة في ديسمبر انعكست بسرعة.
أدى هذا الارتفاع الحاد بطبيعة الحال إلى إثارة بعض المخاوف بشأن التضخم في الولايات المتحدة التقييمات. وتُعد هذه المخاوف أكثر حدة بالنسبة للشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، نظراً لحالة عدم اليقين بشأن ما إذا كانت هذه التكنولوجيا ستحقق وعودها. كما أن تجاهل السوق للمخاطر المرتبطة بفوز ترمب، مثل خططه لفرض رسوم جمركية وتخفيض الضرائب، ربما يعيد تأجيج التضخم ويعرقل التجارة العالمية.
توقعات "إس آند بي 500" في 2025
هناك قلة قليلة فقط تتوقع انتهاء موجة الصعود. في الواقع، لا يتوقع أي من الخبراء الاستراتيجيين الـ19 الذين تتابعهم "بلومبرغ" أن ينخفض مؤشر "إس آند بي 500" العام المقبل. وحتى أدنى التوقعات تشير إلى ثبات المؤشر، بينما تشير أكثر التوقعات تفاؤلاً إلى ارتفاع المؤشر 19% عند 7100 نقطة.
كان بينكي تشادا، كبير الخبراء الاستراتيجيين في الأسهم الأميركية والاستراتيجيات العالمية في "دويتشه بنك"، من بين الفئة المتفائلة في "وول ستريت" خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ يتوقع للمؤشر خلال 2025 بلوغ 7 آلاف نقطة وهو من بين الأكثر تفاؤلاً، وهو انعكاس لتوقعاته لاستمرار النمو الاقتصادي وانخفاض البطالة في الولايات المتحدة. وأكد أنه لا يشعر بالقلق من احتمال أن تكون توقعاته خاطئة.
اختتم تشادا بأن التنبؤ بحركة الأسواق يعني التعامل مع الأمر "عاماً بعد عام. ففي السنة العادية، تتراجع الأسهم بنسبة 3% إلى 5% كل شهرين إلى 3 أشهر". وتساءل: "لكن هل يعني ذلك أنه لا ينبغي عليك شراء الأسهم؟ لا، عليك شراءها لأنها سترتفع مجدداً".