ربما نرى الآن أطول إغلاق عرضي على الإطلاق لقناة السويس، التي تعدُّ الرابط التجاري الحيوي من منطقة الشرق الأوسط وآسيا، إلى أوروبا وأميركا الشمالية، إلا أنَّ هذا الأمر لم يحرِّك أسواق النفط.
وعلقت سريعاً سفينة الحاويات "إيفرغيفن" التي يبلغ طولها 440 متراً، وعرضها 59 متراً، وعمقها 15.7متر في الماء، مما أدَّى إلى انحناء قوسها في الضفة الشرقية للقناة، ومؤخرتها في الضفة الغربية. وتشير الصور، التي تظهر وضع قوس السفينة عند حافة القناة، إلى جنوح حوالي 50 متراً منها. وبلا شك، فإنَّ إنقاذ السفينة ليس أمراً سهلاً، وقد يستغرق عدَّة أيام أخرى.
رد فعل السوق
وبرغم ذلك، كان لردِّ فعل سوق النفط الصامت ما يبرره، فعندما ظهرت المشكلة جلياً يوم الأربعاء، استعاد النفط الخام بعضاً من خسائره في اليوم السابق، لكنَّ الأسعار بدأت في الضعف مرة أخرى.
وفعلياً، تأقلمت السوق مع التباطؤ الثاني في ظلِّ تفشي الوباء مرة أخرى في أجزاء من العالم. وأدَّت عمليات الإغلاق المتجددة في فرنسا وإيطاليا إلى إضعاف التوقُّعات الفورية بشأن استهلاك النفط الأوروبي، فيما حذَّر السياسيون البريطانيون المواطنين من أنَّ التفكير في قضاء العطلات بجنوب أوروبا المشمس أمر سابق لأوانه، مما قوَّض الآمال في انتعاش السفر الجوي.
ولا يعدُّ تذبذب الطلب السبب الوحيد وراء عدم تأثُّر أسواق النفط الخام إلى حدٍّ كبير بإغلاق قناة السويس. لا شكَّ في أنَّ الإغلاق الطويل سيؤدي إلى مشكلات لجميع أنواع التجارة، ولكنَّ الممر المائي لم يعد كما كان سابقاً بالنسبة لحركة مرور النفط.
وأدَّت عملية إعادة التنظيم الطويلة الأمد لتدفُّقات النفط الخام العالمية إلى تعثُّر الشحنات المتجهة غرباً من قبل كبار منتجي دول الخليج العربي. فوفقاً لبيانات "بي بي" (BP Plc)، تراجعت شحنات النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا إلى 2.1 مليون برميل يومياً في عام 2019، من 3.8 مليون برميل يومياً قبل 20 عاماً. كما تراجعت بشكل أكبر في العام الماضي، بحوالي 10 ملايين برميل يومياً، بعد خفض إنتاج الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدِّرة للبترول "أوبك" وحلفائها، بما في ذلك روسيا.
بدائل القناة
وتوضِّح بيانات تتبُّع السفن التي رصدتها "بلومبرغ"، أنَّ متوسط التدفُّقات المباشرة للخام المصدر من دول الخليج العربي، وتحديداً السعودية، والعراق، والكويت، إلى أوروبا وكندا، بلغ ما يزيد قليلاً عن 460 ألف برميل يومياً منذ تنفيذ خفض الإنتاج في شهر مايو. كما لا تُظهر في هذه الأرقام الكميات الإضافية لخام الشرق الأوسط الذي يتمُّ ضخه من صهاريج التخزين على ساحل البحر المتوسط في مصر.
ولدى هذه الدول بدائل لقناة السويس أيضاً إذا رغبت في استخدامها، إذ تمتلك السعودية، والكويت، والإمارات، وقطر، ومصر، خطَّ أنابيب "سوميد"، الذي يمكنه ضخ 2.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط عبر مصر. لقد تباطأت التدفُّقات على طول خط أنابيب "سوميد" إلى حدٍّ كبير بعد دخول خفض إنتاج "أوبك+" حيز التنفيذ، لكنَّه يتمتَّع بقدرة كبيرة على تعزيزها الآن، مما سيساعد على تجنُّب أي اختناق في قناة السويس.
ويتدفَّق الكثير من النفط أيضاً في الاتجاه الآخر من أوروبا إلى آسيا، وعادة يتمُّ شحن النفط الخام من بحر الشمال إلى الأسواق الآسيوية في ناقلات كبيرة للغاية لا يمكنها عبور القناة. و تقوم تلك الناقلات برحلة مسافتها 17 ألف ميل إلى الصين حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، لذلك لم تتأثَّر تلك الإمدادات بإغلاق القناة.
ومع ذلك، ستتأثَّر شحنات النفط الخام المتجهة شرقاً من منطقة بحر قزوين، وروسيا، وشمال أفريقيا. ويمكن استخدام خط الأنابيب عبر إسرائيل، الذي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، إلا أنَّ تدفُّقه من الغرب إلى الشرق يقتصر على حوالي 30 مليون طن سنوياً، أي ما يعادل 600 ألف برميل يومياً.
جدار المخزونات الواقي
كما تعدُّ مخزونات النفط العالمية الوفيرة، التي تراكمت أثناء الوباء إلى مستويات فوق العادية، جداراً وقائياً كبيراً، فقد ارتفعت مخزونات النفط الخام الأوروبية في نهاية شهر يناير إلى مستويات فاقت العام السابق عند 17 مليون برميل (5%)، في حين ارتفع الحجم الإجمالي للمنتجات المكررة المخزَّنة بحوالي 37 مليون برميل (6.5%)، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
ومع هذا لم يُفقد النفط الخام والمكرر الناتج عن انسداد قناة السويس، بل تأخَّر حالياً، وتتوفَّر المخزونات الكبيرة التي يمكنها التغلُّب على هذا التأخير.
وإذا استغرق إنقاذ "إيفر غيفن" عدَّة أسابيع مثلما يقول بعض خبراء الإنقاذ، فإنَّ التأثير الأكبر سيكون على تجارة النفط؛ فكلما طالت فترة الإغلاق، زاد الاضطراب في عقود التوريد، مما سيجبر السفن على الوجود في أماكن بعيدة عن وجهتها التي سيتمُّ فيها تسليم الشحنات اللاحقة. وقد يظهر تأثير انسداد قناة السويس على تكلفة استئجار سفن نقل النفط أولاً، وليس على أسعار النفط نفسها.
وبرغم أنَّ هذه تعدُّ أخباراً سيئة لمصافي التكرير والشركات التجارية، لكنَّها لا تزال غير مهمة نسبياً لسوق النفط بشكل عام، لأنَّ الوباء واتفاقيات الإنتاج الخاصة بـ"أوبك+" هي التي تدفع أسعار النفط الخام بشكل حقيقي.