بلومبرغ
غالباً ما تميل التكنولوجيا الجديدة إلى مفاجأة المستهلكين بشكل مُخيب. فعندما طُرحت أجهزة التلفزيون الملونة في خمسينيات القرن العشرين، على سبيل المثال، بدا إطلاقها غير ناجح أو واعد كما كان متوقعاً. حيث كانت الأجهزة باهظة الثمن، وكان من الصعب برمجتها، وبعد سنوات من طرحها في السوق، كان لدى عدد قليل من المنازل جهاز واحد. ثم تراجعت الأسعار بشكل مفاجئ، كما أعقب ذلك حرب تصنيفات، وفي غضون سنوات قليلة كانت معظم الأسر الأميركية تشاهد "ذا جتسونز" (The Jetsons) على شاشاتها المستقبلية.
تشهد السيارات الكهربائية تحولاً مماثلاً، وفقاً لتحليل "بلومبرغ غرين" لمعدلات انتشار السيارات الكهربائية في جميع أنحاء العالم. بحلول نهاية العام الماضي، اجتازت 31 دولة نقطة التحول المحورية للسيارات الكهربائية، وهي تخطي نسبة 5% من مبيعات السيارات الجديدة تعمل بالكهرباء بالكامل. تشير هذه العتبة أو نقطة التحول إلى بداية التبني واسع النطاق، عندما تتحول التفضيلات التكنولوجية بشكل سريع.
ارتفع هذا الرقم خلال العام الماضي، مع انتشار المركبات الكهربائية عبر أربع قارات. لأول مرة، عُثر على بعض الأسواق الأسرع نمواً في شرقي أوروبا وجنوب شرق آسيا. ويظهر المسار الذي حددته الدول التي تبنّت التكنولوجيا في مرحلة مبكرة، كيفية زيادة نسبة المركبات الكهربائية من مبيعات السيارات الجديدة من 5% إلى 25% خلال 4 سنوات فقط.
ما أهمية عتبة الـ5%؟
يتخذ تطور معدل الانتشار أو التبني، في معظم أجهزة التكنولوجيا الجديدة، بدءاً من أجهزة التلفزيون وصولاً إلى الساعات الذكية، مسار على شكل حرف "S". إذ تشهد المبيعات خلال مرحلة الاعتماد المبكرة ارتفاعاً بطيئاً، ثم تزيد المبيعات بسرعة فور انتشار التكنولوجيا الجديدة.
غالباً ما يتوقف الانتقال إلى السيارات الكهربائية على التغلب على العوائق الأولية مثل التكلفة ونقص بنية الشحن التحتية وتشكك المستهلكين. تشير نقطة التحول إلى إزالة هذه العوائق. كما تتفاوت الفترة التي تستغرقها كل دولة لبلوغ نسبة 5% بشكل كبير.
"بمجرد حدوث مبيعات كافية، يكون لديك نوع من دورة قوية"، وفق كوري كانتور، المحلل بقسم السيارات الكهربائية لدى "بلومبرغ إن إي أف". مُضيفاً: "يعني ظهور المزيد من المركبات الكهربائية أن المزيد من الناس يرونها على أنها سائدة، وأن الشركات المصنعة للسيارات أكثر استعداداً للاستثمار في السوق، وأن البنية التحتية المخصصة للشحن تتوسع في مسار جيد".
تايلندا وتركيا
تجاوزت عدة بلدان نقطة التحول خلال العام الماضي بشكل ملحوظ. برزت تايلندا كدولة رائدة في مجال السيارات الكهربائية في جنوب شرق آسيا، حيث تجاوزت عتبة 5% خلال الربع الأول من عام 2023 لترتفع مبيعاتها من السيارات الكهربائية إلى ما يقرب من 13% من مبيعات السيارات الجديدة بحلول الربع الأخير. وتلقى هذا الانتقال دعماً من افتتاح أول مصنع محلي للسيارات الكهربائية في تايلندا، مملوك لشركة "غريت وول موتور" Great Wall Motor (الصينية).
حدثت قصة مماثلة في تركيا، وهي دولة كانت بالكاد تعتمد المركبات الكهربائية قبل عام. حيث قلبت شركة السيارات التركية المعروفة باسم "توغ" (Togg) الموازين مع إطلاق أول سيارة تعمل بالبطارية "T10X" وهي سيارة رياضية متعددة الاستخدامات تتنافس بشكل مباشر مع طراز "موديل واي" (Model Y) من "تسلا". تجاوزت تركيا عتبة 5% خلال الربع الثالث، وبحلول الربع الرابع برزت تركيا كرابع أكبر سوق للسيارات الكهربائية في أوروبا.
%22 نمو المبيعات
على الرغم من أن نهج الحصة السوقية هذا لزيادة انتشار استخدام السيارات الكهربائية يظهر مدى سرعة الانتقال إلى السيارات الكهربائية، إلا أنه لا يمنع التباطؤ أو النكسات من عام إلى آخر بسبب اضطرابات سلاسل التوريد والانكماش الاقتصادي والإفلاس والعوامل السياسية. يتوقع المحللون في "بلومبرغ إن إي إف" ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية بالكامل والهجينة بنحو 22% هذا العام على مستوى العالم، متباطئةً بذلك عن السنوات العديدة الماضية، على الرغم من أنها لن تغير بشكل كبير التوقعات طويلة الأجل لانتشار استخدام المركبات الكهربائية.
تأخر الولايات المتحدة
لم تبلغ المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة نقطة التحول إلا في أواخر 2021، وهو موعد متأخر نسبياً لدولة لديها تلك القدرة على الإنفاق. يريد السائقون (الأميركيون) مدى (Range) أطول عما قدمته الطرازات الأولى، كما أن عملية تحويل شاحنات "بيك أب" والسيارات الرياضية متعددة الأغراض (SUV) الضخمة -والتي تشكل أكثر من نصف السوق الأميركية- لتعمل بالكهرباء، تسير ببطء نظراً إلى الاحتياجات الهائلة لبطاريات أكبر مما يمكن أن توفره سلاسل التوريد الوليدة.
بعد عامين من اجتياز نقطة التحول، لا تزال الولايات المتحدة متخلفة عن البلدان التي سبقتها في الاعتماد على السيارات الكهربائية. حيث شكلت مبيعات السيارات الكهربائية بالكامل 8.1% من مبيعات السيارات الأميركية خلال الربع الأخير، أقل بكثير من متوسط 18.1% لـ20 دولة في النقطة نفسها على منحنى الانتشار. كانت الدولة الوحيدة التي لديها حصة أصغر من المركبات الكهربائية بعد عامين هي كوريا الجنوبية، وهي دولة ينافس قلقها إزاء مدى السيارات قلق الولايات المتحدة من الأمر نفسه.
لم تستغرق أي دولة حتى الآن أكثر من ثلاث سنوات للانتقال من عتبة 5% إلى 15% من المركبات الكهربائية، ما يعني أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إما ستنفصلان عن هذا الاتجاه في 2024 أو ستتطلبان تسارعاً مفاجئاً في المبيعات للحاق بالركب.
في حين أن التحليل أعلاه يخص المركبات التي تعمل بالبطاريات فقط، إلا أن بعض الدول، في أوروبا بشكل أساسي، تبنّت المركبات الهجينة القابلة للشحن بوتيرة أسرع. بينما أغفلت الولايات المتحدة السيارات الهجينة، التي تحتوي على بطاريات أصغر حجماً يدعمها محرك يعمل بالبنزين. لكن الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية تتحول الآن إليها في إطار مواجهة حرب الأسعار التي تقودها الصين.
قد تكون المرحلة الأولى من تبني السيارات الهجينة أكثر تقلباً لأن هذه السيارات لا تتطلب المستوى نفسه من البنية التحتية أو التزام المستهلكين مثل السيارات الكهربائية بالكامل.
لا يتم الوصول إلى نقطة تحول ثابتة لهذه الفئة الأوسع من المركبات الكهربائية حتى تحتل السيارات الجديدة هجينة أو كهربائية بالكامل 10% من مبيعات السيارات الجديدة، وفقاً لتحليل "بلومبرغ غرين". لم تصل الولايات المتحدة بعد إلى هذه النسبة، إذ بلغت حصة هذه المركبات السوقية في أميركا 9.9% للنصف الثاني من 2023.
نقطة تحول للعالم
تمثل الدول التي اجتازت عتبة المركبات الكهربائية ثلثي مبيعات السيارات في العالم. ما يترك نسبة كبيرة من سكان العالم دون هذه النسبة. ومع ذلك، قد تقترب الهند وإندونيسيا وبولندا من نقطة التحول، وهي أسواق سيارات مهمة خاصة بعد ارتفاع نسبة انتشار المركبات الكهربائية فيها. يمكن أن تدفع شركة "بي واي دي" (BYD) الصينية بعد إطلاق سيارتها في البرازيل لتبني واسع النطاق للسيارات الكهربائية في أميركا الجنوبية.
بتطبيق ذلك الإطار على الكوكب ككل، فقد اجتاز العالم نقطة التحول البالغة 5% في مبيعات المركبات الكهربائية في 2021. في الربع الرابع من 2023، شكلت السيارات الكهربائية بالكامل ما يقرب من 12% من مبيعات السيارات الجديدة في جميع أنحاء العالم. حيث تستمر نفس العوامل التي دفعت العديد من مشتري السيارات إلى تجربة أول طراز كهربائي -وهي انخفاض أسعار البطاريات، والمزيد من أجهزة الشحن، والأداء الأفضل- مازالت تساهم في جعل المركبات الكهربائية قادرة على المنافسة في الأسواق الجديدة.
ملاحظة عن منهجية البحث: يبدأ التتبع عند تجاوز عتبة نقطة التحول لربع واحد. وقد تستبعد أي فترة عابرة تزيد عن 5% لاحقاً إذا ثبت أنها غير منطقية. تظهر أرقام الحصة السوقية الفصلية في أيسلندا متوسط 12 شهراً للتخفيف من التقلبات الواسعة في التقارير الفصلية.