بعدما عايشنا كابوسا مروّعا طيلة العام الماضي بسبب "كوفيد - 19"، يبدو أن أحد الآثار الجانبية المترتبة على ذلك هو الاهتمام المتزايد بالاستثمار في الأصول المُخاطرة كالأسهم أو العملات المشفرة. وهي أنواع الاستثمارات التي تتطلب أن نكرّس لها وقتاً أكثر من أي شيء آخر، وذلك لضمان عوائدها.
وعلى سبيل المثال، ربما جنى بعض الأشخاص الكثير من الأموال خلال ثورة "غيم ستونك" (يشير المصطلح إلى أسهم شركة "غيم ستوب"، حيث تشير كلمة "ستونك" في العامية الإنجليزية إلى كلمة سهم "Stock"، كما أنها بنفس الوقت فعل يصف القصف بنيران المدفعية).
وتطلب الاستثمار بهذه الأنواع مؤخراً من المضاربين تفانيا لا ينضب. كما حتّم على المجازفين ضرورة التحلي بإيمان هائل بهذه الأصول التي يكرسون وقتهم وجهدهم لها.
وكتب جاريد ديليان، رحلته بتحقيق الأرباح من خلال المضاربة بعملة البتكوين، ونشر تغريدة على "تويتر" عن ذلك. وقد تعرض للهجوم عبر الإنترنت لأيام بعد تصريحاته. وهو ليس وحيداً في ذلك، إذ لم تعد بتكوين مجرد طريقة أخرى لشراء الممنوعات أو حتى البيتزا، ولم تعد تمثل مخزونا بديلا للأموال التقليدية فقط. أو كما وصفها أحدهم على "تويتر" بأنها مشروع يستهلك طاقة كتلك التي تحتاجها 400 شاحنة فورد قديمة ومعطلة منذ أحد عشر عاماً.
وكان جاريد قد كتب أن "بتكوين" أصبحت أسلوب حياة يتشارك العديد من السمات المميزة مع الطوائف الدينية، بما في ذلك تلك التي تعبد زعيما غامضا مثل ساتوشي ناكاموتو.
لاعبون جدد
وبالطبع، يمكن أن تصبح الطوائف الدينية أحياناً شرعية، وقد أصبح العديد من أبناء جيل طفرة المواليد في "وول ستريت" يحملون هذه الميول العقائدية المتطرفة. وهو الأمر الذي بات يزيد الضغط على هيئة الأوراق المالية، والبورصات الأمريكية للموافقة على صناديق مؤشرات البتكوين المتداولة، والتي ستكمل صعودها وتجذب اللاعبين الجدد. ومن المتوقع أن يظل لدى هؤلاء أموال متبقية للمضاربة بعد شرائهم للأسهم المدعومة بمنتديات ومنصات الإنترنت، أو أسهم الميم.
وقد كتب نير قيصر أن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية لديها سبب وجيه لمعارضة هذه التوجهات المتعلقة بمؤشرات البتكوين. وأضاف أنه كلمّا طال وقت هذه المعارضة كلما أصبح اتخاذها للقرار أكثر صعوبة. وتتساءل الكاتبة إيلاين أو، بدورها عما إذا كان تعميم تشريع البتكوين سيقوض بعض الميزات التي جذبت أبناء المتحيزين لها على شاكلة المنتمين للطوائف الدينية في المقام الأول، إلا أنه يمكن لهؤلاء الانضمام إلى التوجه العقائدي الجديد لمحبي العملات الرقمية، ألا وهو دوج كوين.
ترقب الفقاعة!
ويمكن القول إن سبب كل هذا الجنون بالعملات الرقمية والأسهم، قد يكون مجرد مؤشر على وجود الكثير من الأموال في السوق، والقليل جداً من السلع والخدمات ليتم إنفاقها عليها. فقد لاحظت ميشيل ليدر من موقع "Footnoted.org" أمراً آخراً، حيث باتت الشركات الخاصة المترددة تقفز مرة أخرى إلى الاكتتاب وطرح أسهمها بالسوق العامة بينما لاتزال الأرباح جيدة.
وحالياً، ما لم تتمكن من إقناع مجموعة بأكملها على "ريديت" للانضمام إليك لدعم بعض هذه الأسهم، فلتحذر أيها المشتري من مخاطر المضاربة.
ومن المفترض أن ينتهي كل هذا الهوس في وقت ما، غير أن هذا الوقت قد لا يكون قريباً جداً. وإذا ما تم تقييم الأسعار وفقاً لمعايير التقييم النموذجية، فالأسهم عادة ما تعد بمثابة برج هش من لعبة "جينغا" مكون من 30 طابقاً تم بناؤه من قبل طفل صغير.
ولكن حالياً، يلاحظ جون أوثرز أنه في حال تقييم أسعار الأسهم من خلال الأخذ بعين الاعتبار الكم الهائل من فائض الأموال المتاحة "السيولة"، فهي لم تعد تعطي نفس المبالغة الوهمية لقيمتها بما يساوي "الفقاعة" المتوقعة بقيمتها.
تغير المناخ وتعدين العملات الرقمية؟
يرسم كتاب ألان وايزمان، "العالم بدوننا"، صورة لمدى جودة وسرعة إصلاح البيئة لنفسها. وذلك إذا ابتعد البشر عن تلويثهم لها، وتخلوا عن قيادة السيارات وزيارة مدن الألعاب الكبرى، وتوقفوا عن تعدين البتكوين إلى الأبد. وقد أعطانا الوباء لمحة عن ذلك العام الماضي، عندما توقف النشاط الاقتصادي البشري بشكل مفاجئ، مما تسبب في انخفاض انبعاثات الكربون. ولكن لحسن حظنا نحن البشر الموجودون حالياً، أننا سنعود إلى القيادة، وإلى زيارة مدن الألعاب، ونحن لم نتوقف بالأصل عن تعدين البتكوين.
ولسوء حظ البشر في المستقبل، فقد عادت انبعاثات الكربون التي انخفضت لوقت قصير، مرة أخرى إلى الارتفاع، كما يشير ليام دينينج الذي كتب أن: "الاعتماد على انتشار الأوبئة في العالم وعمليات الإغلاق المجتمعي، والدمار الاقتصادي ليس الطريقة الأفضل للتعامل مع المشاكل البيئية". ولكن لحسن الحظ، استمر التوجه نحو خفض الانبعاثات بطرق أخرى خلال العام الماضي، حيث أصبحت مصادر الطاقة المتجددة أرخص وأكثر شعبية. ومن ثم، قد نتمكن في يوم من الأيام من اصطحاب أطفالنا إلى مدن الألعاب دون أن نهلك أحفادنا.