مثّل انتعاش أسهم النمو الأميركية إحدى المفاجآت الكبرى في 2023. وتفوق مؤشر "إس آند بي 500" للنمو، الحافل بشركات التكنولوجيا، على مؤشر القيمة المُناظر بمقدار 7.82 نقاط مئوية في العام الماضي، بما يتضمن الأرباح، بعد أن تبع مساره لينخفض بشدة في 2022.
إلا أن حدوث ذلك في ظل ارتفاع أسعار الفائدة لم يكن متوقعاً، على الأقل ليس بحسب نظرية رائجة مفادها أن أسعار الفائدة المرتفعة تؤثر سلباً على الأسهم، وتضر أسهم النمو بوجه خاص. الفكرة أن أسعار الأسهم تعكس القيمة الحالية للأرباح المستقبلية، وهي عملية حسابية تعتمد جزئياً على أسعار الفائدة لحساب قيمة الأرباح المستقبلية في الوقت الراهن. ووفقاً لهذه العملية، كلما ارتفعت أسعار الفائدة، انخفضت القيمة الحالية للأرباح المستقبلية، والعكس صحيح.
إذا صح ذلك، قد تتكبد أسهم النمو خسارة أكبر من أسهم القيمة بسبب أسعار الفائدة المرتفعة، لأن أكثر أرباحها متوقعة في المستقبل. لكن الأمور سارت بشكل مختلف في العام الماضي، ما طرح هذا السؤال، هل مثّل تفوق أداء أسهم النمو في مواجهة أسعار الفائدة المرتفعة استثناءً لقواعد موثوقة أخرى؟
إنه سؤال مطروح في الوقت المناسب؛ إذ يُنتظر على نطاق واسع أن تنخفض أسعار الفائدة هذا العام، ما يشير إلى عام آخر من زيادة النمو مقارنة بارتفاع القيمة، من الناحية النظرية.
تفوق القيمة إبان التشديد النقدي
لأكتشف الحقيقة، فحصت أداء أسهم النمو والقيمة خلال دورات التشديد النقدي السابقة. وحللت دورات الذروة والقاع المتغيرة في الفائدة على الأموال الفيدرالية منذ 1954 بوجه خاص، وهو أطول سجل متاح. أحصيت 12 فترة كانت أسعار الفائدة مرتفعة فيها، من بينها المدة التي شهدناها لتوّنا، و11 فترة من أسعار الفائدة المنخفضة. وبينما لا تحدد الفائدة على الأموال الفيدرالية أسعار الفائدة طويلة الأجل، والتي تستعمل عادة لتخفيض الأرباح، إلا أنهما مرتبطان بشكل وثيق من الناحية التاريخية.
اقرأ أيضاً: كيف أخطأت توقعات مخضرمي "وول ستريت" بشأن الأسهم في 2023؟
تثبُت صحة النظرية خلال فترات أسعار الفائدة المرتفعة. وبمقارنة الأرباح الإجمالية لنسبة 30% من الأسهم الأميركية الأقل سعراً، مُصنفة حسب نسبة السعر السوقي إلى القيمة الدفترية وبذات الوزن الترجيحي، بنسبة 30% من الأسهم الأعلى سعراً، تفوقت القيمة على النمو في 10 مرات من الاثنتي عشرة فترة التي كانت فيها أسعار الفائدة مرتفعة. أما الاستثناءان، فحدث الأول في أواخر العقد الثاني من الألفية، عندما دفعت السوق الصاعدة في أسهم التكنولوجيا النمو إلى تجاوز القيمة رغم أسعار الفائدة المرتفعة، ووقع الثاني منذ بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي التشديد النقدي في مارس 2022.
تغير أسعار الفائدة ليس السبب
لكن إذا كانت النظرية صحيحة، يجب أن يكون العكس صحيحاً أيضاً، وهو أن النمو يُفترض أن يفوز في ظل أسعار الفائدة المنخفضة، وهنا تتداعى الحجة.
المذهل أن أسهم القيمة تفوقت على أسهم النمو في 9 مرات من الإحدى عشرة فترة التي تراجعت فيها أسعار الفائدة. كان الاستثناءان هما فترة امتدت 20 شهراً بدأت في نهاية 1959، ومدة انخفضت فيها أسعار الفائدة واستمرت على هذا المنوال بعد الأزمة المالية في 2008، وتزامنت مع صعود أسهم التكنولوجيا في أواخر العقد الثاني من الألفية الذي أشرت إليه سابقاً.
اقرأ أيضاً: الأسهم الأميركية مرشحة لالتقاط أنفاسها قبيل موسم نتائج الأعمال
بصيغة أخرى، لا تفسر التغيرات في أسعار الفائدة أداء أسهم النمو مقابل أسهم القيمة. هناك تفسير أفضل وأبسط أيضاً، أن أسهم القيمة تتفوق في معظم الوقت بغض النظر عن اتجاه أسعار الفائدة، فحقيقةً، تفوقت أسهم القيمة في 19 مرة من الفترات الثلاث وعشرين التي فحصتها، أي 83% من الوقت.
ميزة كبيرة لأسهم القيمة
هذه ليست مصادفة، فهي تتوافق مع نسبة التفوق التاريخية لأسهم القيمة خلال فترات المقارنة المتعاقبة. كان متوسط فترة ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاضها في البيانات التي فحصتها 37 شهراً، أي أكثر قليلاً من 3 أعوام.
في أطول سجل متاح، منذ 1926، تفوقت القيمة على النمو في 83% من الوقت خلال فترة الثلاث سنوات المتعاقبة، بما يتوافق مع نسبة تفوقها خلال الفترات المتغيرة بين أسعار الفائدة والمنخفضة منذ 1954.
اقرأ أيضاً: الأسهم الأميركية تختتم 2023 بأطول مكاسب أسبوعية منذ 2004
لم يتضح تماماً سبب هيمنة أسهم القيمة، لكن الأرجح أنه مرتبط بحقيقة أن أسهم القيمة أقل تقلباً وأكثر رتابة من أسهم النمو، ما يضر بجاذبيتها. على سبيل المثال، قد يفضل أغلب الناس امتلاك أسهم "إنفيديا" و"تسلا" عوضاً عن "جيه بي مورغان تشيس" و"ولمارت".
مع ذلك، فإن تراجع الاهتمام بأسهم القيمة يعد ميزة كبيرة. هناك 3 مصادر أساسية لأرباح الأسهم؛ عائد الربح الموزع، وزيادة الأرباح، والتغير في التقييم. تحصل أسهم القيمة بطبيعتها على تقييمات منخفضة وعائدات أرباح أعلى، لذلك لديها ميزة ضمنية مقارنة بالنمو في عاملين من العوامل الثلاثة للأرباح. فمن الناحية التاريخية، لم يحقق النمو زيادة في الأرباح تكفي للتفوق على مزايا القيمة، ويُعزى هذا إلى حد كبير إلى أن شركات النمو لا تفي بوعودها أبداً.
أرباح النمو لا تكفي
سيتذكر المستثمرون في حقبة ما أن مقابل كل شركة مثل "مايكروسوفت" و"ألفابت"، أخفق عدد مقارب من الشركات، مثل "بيتس دوت كوم" (Pets.com) و"ورلدكوم" (WorldCom). أما في الفترة الحالية، فالاختيار ما بين سهمي "تسلا"، الذي لا يوزع أرباحاً ويُتداول بمكرر ربحية 80 مرة، و"جونسون آند جونسون" الذي يوزع أرباحاً بنسبة 3% مقابل مكرر ربحية معقول يساوي 15 مرة. لتتفوق "تسلا"، لا بد أن تحقق زيادة كبيرة في الأرباح، وقد تفعل، إلا أن أسهم النمو ككل نادراً ما تولد أرباحاً تكفي للتفوق على القيمة.
ذلك لا يعني أن أسهم النمو لن تشهد عاماً موفقاً آخر في 2024، فأي شيء قد يحدث خلال عام. لكن إذا حدث ذلك، فلن يكون الأمر مرتبطاً بأسعار الفائدة.