شح الدولار الأميركي يحتجز أرباح الشركات الأجنبية داخل باكستان

"يونيليفر" و"نستله" وشركات أخرى توقفت عن تحويل أرباحها إلى بلادها.. وتواجه خسائر بسبب هبوط الروبية

time reading iconدقائق القراءة - 6
حركة المرور على طول الطريق السريع ويظهر مبنى سكني شاهق مشيد حديثاً في الخلفية في كراتشي في باكستان - المصدر: بلومبرغ
حركة المرور على طول الطريق السريع ويظهر مبنى سكني شاهق مشيد حديثاً في الخلفية في كراتشي في باكستان - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تواجه الشركات متعددة الجنسيات مشكلة في باكستان تتمثل في أنها لا تستطيع تحويل الأرباح إلى الوطن من بلد يعاني من شح الدولار الأميركي.

ظلت أرباح حققتها شركات منها "نستله" و"يونيليفر" و"فيليب موريس"، تتراوح قيمتها ما بين مليار وملياري دولار، عالقة لدى المصارف الباكستانية منذ 18 شهراً تقريباً، بحسب غرفة التجارة للشركات متعددة الجنسيات، ومقرها في كراتشي. كشفت بيانات البنك المركزي أن إعادة الأرباح إلى الوطن الأم وتوزيعات الأرباح انخفضت 88% إلى 331 مليون دولار خلال السنة المالية المنتهية في يونيو الماضي.

العقبات التي تكتنف عمليات تحويل الأموال إلى خارج باكستان، أضرت بشدة بقطاعات عديدة. تواجه شركات الطيران على سبيل المثال مشكلات في التدفقات النقدية. وعلى مدى العامين الماضيين، تراجعت قيمة الروبية الباكستانية 42%، مما يعني أن كل شركة تضطر إلى الإبقاء على أرباحها داخل البلاد، تتكبد خسائر فعلية.

مشكلة كبيرة

قال سليمان رفيق مانية، رئيس وحدة استشارات شركة الوساطة المالية "فيكتور سيكيوريتيز" (Vector Securities): "تعرضت باكستان لهذه المشكلة في الماضي، لكنها لم تكن مطلقاً بهذا الحجم".

أفلتت البلاد الواقعة في جنوب آسيا من التخلف عن سداد ديونها بفضل توصلها إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في يوليو الماضي، لكنها ما زالت تجد صعوبة في بلوغ التعافي. بدأت مصانع وقف نشاطها مؤقتاً لعدم توفّر دولارات لديها لاستيراد المواد الخام، ووصل معدل نمو الاقتصاد الباكستاني إلى أحد أدنى مستوياته منذ تأسيس الدولة خلال أربعينيات القرن الماضي. كما رفع بنك باكستان المركزي أسعار الفائدة إلى مستوى قياسي لكبح أسرع معدل للتضخم في آسيا.

باكستان تتخذ إجراءات صارمة ضد تداول الدولار بصورة غير قانونية بعد ضعف الروبية

قال علي يوسف، المدير المالي في "يونليفر باكستان" (Unilever Pakistan)، إن "الوضع غير مثالي مطلقاً"، مضيفاً أن الشركة التي يقع مقرها في المملكة المتحدة، بدأت مناقشات مع المسؤولين في باكستان حول قضية التدفقات المالية الخارجة.

في رسالة عبر البريد إلكتروني كتبها متحدث باسم شركة "نستله باكستان" (Nestlé Pakistan) الشهر الماضي، أشار إلى أن شركة الأغذية مستمرة أيضاً في "الحوار المنتظم مع أصحاب المصلحة ذوي الصلة".

لم يستجب البنك المركزي الباكستاني لطلبات التعليق على الموضوع.

تحسن طفيف

في الآونة الأخيرة، تحسنت الحالة بشكل طفيف مع تدفق 47 مليون دولار للخارج خلال أغسطس الماضي. أوضح فيليب جوه، نائب الرئيس الإقليمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في اتحاد النقل الجوي الدولي، أن قيمة الأموال التي تريد شركات الطيران الأجنبية على سبيل المثال تحويلها لخارج البلاد هبطت منذ بداية السنة الجارية، لكنها ما زالت مرتفعة تماماً عند 207 ملايين دولار أميركي.

تقول الشركات إنها حاولت التكيف مع أزمة شح الدولار عن طريق البحث عن المصارف القادرة على الوصول إلى العملة أو إعادة إدخال الأموال في عملياتها التشغيلية في باكستان. يسمح البنك المركزي أيضاً بالوقت الحالي للشركات باستثمار الأرباح في الأوراق المالية الحكومية حتى لا تبقى مكتوفة الأيدي، بحسب إحسان مالك، الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال الباكستاني. تحقق هذه الأوراق المالية عائدات قريبة من 22% سعر الفائدة القياسي.

باكستان ترفع سعر الفائدة إلى مستوى قياسي عند 22%

بين عبد العليم خان، أمين عام غرفة التجارة والصناعة للمستثمرين الأجانب: "لا يهتم جميع شركائنا الأجانب بالضرورة بالنقد لكن الأكثر أهمية هو التأكد من أنهم لا يخسرون أرباحهم".

أزمة دولار

اندلعت أزمة نقص الدولار في باكستان السنة الماضية بعد أن تفاقمت احتمالات التخلف عن السداد وتوقف خطوط التمويل المعتاد جراء التأخير في الحصول على أموال من برنامج صندوق النقد الدولي. خلال يناير الماضي، هبطت احتياطيات النقد الأجنبي المتراجعة لأدنى مستوياتها منذ عقد. على النقيض من أوقات ماضية، استمرت المشكلات المالية للبلاد حتى بعد حصولها بنهاية المطاف على دعم من صندوق النقد الدولي.

صندوق النقد يوافق نهائياً على حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار لباكستان

بحسب جوه من اتحاد النقل الجوي الدولي؛ فإن التقدم بطلب لإعادة العملة إلى الوطن في باكستان أمر شاق. تحتاج شركات الطيران إلى شهادة مدقق حسابات توضح المبلغ المطلوب تحويله، مما يُخضع شركات الطيران لعملية تدقيق شهرية وليست سنوية. يفاقم هذا الأمر تكلفة التشغيل في باكستان، ويزيد مدة عملية إعادة الأرباح للوطن ويدفع الشركات إلى إعادة النظر فيما إذا كانت ترغب باستمرار عملياتها التشغيلية.

كتب جوه عبر رسالة بالبريد الإلكتروني: "مع مرور الوقت، من المنطقي توقُع تفكير شركات الطيران في توزيع أصول طائراتها لاستخدامها بطريقة أفضل بمكان آخر إذا كانت الظروف المتواصلة في دولة ما تجعل اقتصاديات العمل فيها غير مستدامة".

ثقة المستثمرين

تحرص بشدة حكومة باكستان، التي تحاول جذب الاستثمار الأجنبي لخامس أكبر بلد على مستوى العالم من حيث تعداد السكان، على منع الشركات متعددة الجنسيات من سحب أنشطتها التجارية. وأسست مجلس استثمار جديداً يمنح إعفاءات ضريبية ويهدف إلى جمع 25 مليار دولار من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ينتظر السؤال حول ما إذا كانت هذه الإجراءت كافية الإجابة عليه، لكن شركات عديدة ما زالت ترى أن باكستان تستحق الرهان عليها، نظراً للتوسع الحضري السريع والطبيعة السكانية الشابة.

كتب متحدث باسم "فيليب موريس" (في باكستان) رسالة عبر البريد الإلكتروني: "يحدونا الأمل في أن الوضع سيتحسن على المدى البعيد لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب في باكستان".

تصنيفات

قصص قد تهمك