يقال، إنَّ لعاب متداولي "جي بي مورغان" "يسيل على الـ"بتكوين". ومن السهل معرفة السبب، فقد تجاوز سعر العملة المشفرة 50000 دولار، أي ضعف ما كانت عليه في يوم عيد الميلاد، مما خلق قوة مركزية طاردة من الإثارة - وأموالاً حقيقية بأرباح 20%، وفقاً لمنصة العملات المشفرة "كوينباس" (Coinbase Inc).
لا تهتم بأنَّ عيوب "بتكوين" المستمرة، سواء تمثَّلت في سرعة المعاملات البطيئة نسبياً أو التقلُّبات الشديدة في الأسعار، تجعل من هذه العملة مخزناً ضعيفاً للقيمة أو أداة تبادل ضعيفة، فإنَّ الوعد بالثروة، التي تغيِّر مجرى الحياة أثناء عمليات الإغلاق الناتجة عن كورونا، بمثابة عامل جذب قوي للمضاربين المتحمِّسين.
وبعيداً عن مضاربي "الميم"، فإنَّ المموِّلين الأثرياء، وأصحاب المليارات ينخرطون بصوت عالٍ في هذا الذهب الرقمي، مما يغرق أي أصوات متشككة. فقد استثمرت شركة "تسلا" التابعة لـ"إيلون مسك" مبلغ 1.5 مليار دولار في "بتكوين"، وينضمُّ إليها ممولو التحوُّط الأثرياء، مثل "بول تودرو جونز"، و"ستانلي دروكنميلر".
هل تتكرر الفقاعة الهولندية؟
ومن الصعب الالتفات إلى تحذيرات المنذرين بحدوث "فقاعة"، التي تقارن هذا الجنون بهوس التوليب الهولندي في القرن السابع عشر، عندما تقوم شخصية من أمثال "كاثي وود" من شركة "أيه أر كيه لإدارة الإستثمار"(ARK Investment Management ) بِحثِّ الشركات على شراء هذه العملة.
ولا عجب في أنَّ عالم تمويل الشركات "الموروث" يسيل لعابه، إذ يعكس المزاج السائد تصوُّر "تشاك برينس"، الرئيس السابق لشركة "سيتي غروب"، ذروة فقاعة القروض العقارية عالية المخاطر عند قوله: "بما أنَّ الموسيقى تعزف، عليك أن تنهض وترقص". في الوقت الحاضر، يبدو أنَّ الجميع يضيفون العملات المشفرة إلى بطاقة الرقص الخاصة بهم.
وكانت كلٌّ من شركة "ماستركارد"، و"بنك نيويورك ميلون"Bank of New York Mellon Corp) ) قد أعلنتا عن خطط بخصوص العملات المشفرة، في حين قال "دانيال بينتو" وهو الرئيس المشارك لـ"جي بي مورغان"، إنَّ بنكه "سيشارك" في نهاية المطاف. ويقول بعض المستثمرين، إنَّهم اشتروا العملات المشفرة، في حين يكرهون كل دقيقة منها - وهو بالضبط تعريف شعور "الخوف من أن يفوِّت المرء شيئاً عن نفسه".
قواعد تنظيمية
وعلى الرغم من صعوبة مقاومة هذا الشعور فيما يتعلَّق بالـ"بتكوين"، لكنَّه لا يزال من المفيد التفكير في قواعد المشاركة، واتخاذ نهج حذر. وقد يكون أحد هذه المبادئ هو تذكير الشركات بواجبها الائتماني تجاه المساهمين؛ فإنَّ مجرد لصق "بتكوين" في الميزانية العمومية مثل ما فعلت "تسلا" يعدُّ تحوُّطاً ضعيفاً، لأنَّ هذا التحوُّط ينخفض سعره في أوقات ضغوط السوق.
وبالإضافة إلى ذلك، فهي ليست وسيلة تبادل شائعة، لأنَّ عدد التجار وصل إلى ما يقدر بنحو 1% من معاملات العملات المشفرة بين منتصف عام 2019، ومنتصف عام 2020.
كما أنَّ معظم الشركات التي لديها قاعدة تكلفة بعملة الدولار تبيع سلعاً بخلاف السيارات الفاخرة، لذلك ليس لديها حاجة حقيقية للاحتفاظ بكومة من العملات المشفرة. إنَّ تقليد "إيلون مسك" من أجل الشجاعة فحسب - هو أمر يعمل فقط إذا استمر السعر في الارتفاع.
يجب أن تلتزم الشركات بمسارها المالي، وليس الانحراف نحو مسار "تسلا"، لأنَّ معظم المستثمرين يفضِّلون إعادة استثمار النقود الفائضة في العمليات، أو إعادتها، أو إدارتها بشكل مناسب.
نصائح للبنوك
وأما بالنسبة للمصرفيين، يمكن أن يتناسب العمل كوسيط لعملاء العملات المشفرة مع الوصف الوظيفي الخاص بهم. ومع ذلك، هناك ما يبرر بعض الحذر في هذا الأمر أيضاً. إذ يعتقد "جان ديرمين"، وهو أستاذ الخدمات المصرفية في "إنسياد" (Insead)، أنَّ "بتكوين" يمس مخاطر في مجالات متعددة: كالمخاطر التشغيلية، مثل تحديد هوية العميل، واحتمال الاحتيال؛ ثم مخاطر تتعلَّق بالشق القانوني، خاصة مع وجود أصول عالمية لامركزية؛ بالإضافة إلى المخاطر التنظيمية، بالنظر إلى تاريخ الدعاوى القضائية، والقمع الحكومي في هذا القطاع. ومن ثمَّ هناك حاجة لحماية المستهلكين أيضاً.
لذا، في حين أنَّ تداول "بتكوين" قد يكون منطقياً من الناحية التجارية، فإنَّ المخاطر يجب أن تجعل من القيام بهذا التداول أمراً مكلفاً، في ظل المستويات العالية من رأس المال الممتص للخسائر المخصص لدعمها. فسويسرا، على سبيل المثال، قيل إنَّها وجَّهت نحو وزن مخاطر البنك الثابتة بما يعادل 800% لـ"بتكوين". ويساعد ذلك في تفسير سبب حفاظ البنوك على خطوة بعيداً عن هذا الأصل، سواء عبر العقود الآجلة أو عبر تعاملهم مع بورصات العملات الرقمية كعملاء.
وأثناء التعامل بحذر مع "بتكوين"، من الأفضل للبنوك اتباع نهج أكثر استراتيجية في مشهد العملات المشفرة بأكمله؛ إذ لم يتم تحديد مستقبل المال بعد، وقد يكون التمويل "القديم" مجهَّزاً بشكل أفضل لاستمالة مثل هذه الأصول أو التنافس معها أكثر مما يعتقد الناس.
لقد كانت البنوك تعمل جاهدة في مشاريع ملكية سلاسل الكتل "بلوكتشين"، مثلما فعلت "جي بي مورغان كوين" (JPM Coin) التابعة لـ"جي بي مورغان"، مما من شأنه أن يوفِّر المال على المدفوعات، فهم شركاء طبيعيون للعملات الرقمية المخطط لها من قبل البنوك المركزية، مثل اليورو الرقمي.
توازن من أجل السيطرة
أخيراً، فإنَّ هناك مبدأ أمام المنظمين، يجب أن يتخذوا نهجاً متوازناً للابتكار المالي دون السماح للمخاطر النظامية بالخروج عن السيطرة، لكي يتمَّ تنظيم بورصات العملات المشفرة بشكل أفضل مما كانت عليه من قبل، ويتمُّ إصدار تحذيرات للمستهلك بشكل متكرر.
ولكن إذا أصبحت "بتكوين" مترسِّخة بعمق في النظام المالي العالمي، فسيظهر السؤال حتماً حول ما يجب فعله إذا تحطَّم أحد الأصول غير المدعوم من قبل أي حكومة.
فعندما توقَّفت "الموسيقى" لـِ"سيتي غروب" وآخرين في الأزمة المالية 2007-2008، تضافرت جهود البنوك المركزية لوضع العديد من شرايين الحياة في النظام المالي - مما ساعد على تحفيز إنشاء "بتكوين" نفسه، وسيكون من الغريب جداً أن يتمَّ إنقاذ أرستقراطية الـ"بتكوين" من قبل عدوِّها اللدود، النقود الورقية للبنك المركزي.
إنَّ "بتكوين" تعزف نغمة لا تقاوم، ولكن بالنسبة للكثيرين في عالم تمويل الشركات، فإنَّ أفضل رقصة الآن يجب أن تكون رقصة ذات خطوات صغيرة.