بلومبرغ
قد يعود الجميع لمتابعة الأعداد اليومية لحالات الإصابة بفيروس كورونا في وقت يتفشى فيه بسرعة متحور "أوميكرون" في أنحاء أوروبا، غير أن سوق الطاقة تضع تركيزاً أكثر على مقياس تقليدي للقلق، وهو درجة الحرارة.
صعدت الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة خلال الأسبوع الجاري نتيجة التأثير الناجم عن الانقطاعات غير المتوقعة في مصادر الكهرباء النووية في فرنسا، والتراجع المثير للقلق في المخزونات بكل أنحاء القارة.
هبطت أسعار الغاز الطبيعي يوم الجمعة الماضي، في وقت قررت فيه روسيا ضخ إمدادات في السوق، لكنها لا تزال تسجل مستويات مرتفعة بطريقة مذهلة.
بات المشترون والبائعون في الوقت الحالي في حالة استعداد قصوى لبوادر البرد التي قد تؤدي بالأسعار إلى انهيار شامل، حسب ما ذكره جان بول هاريمان، الذي يعمل محللاً في شركة الأبحاث "إنابسياس" (Enappsys Ltd).
يزيد كل هذا النظرة غير المستقرة بالنسبة إلى الاقتصادات الأوروبية والمستهلكين في ظل تجدد تفشي الوباء مرة ثانية، كما تشعر الدول بالقلق بطريقة متنامية إزاء روسيا والجغرافيا السياسية.
ومع حلول منتصف شهر يناير المقبل سيكون تفشي فيروس "أوميكرون" المتحول على الأرجح سائداً في كل أنحاء أوروبا، وقد يسفر ذلك عن حدوث عمليات إغلاق يفرضها الأمر الواقع، في حين لا يتوافر لدى الشركات الموظفون اللازمون لمواصلة العمل كما هو معتاد.
سيسفر صعود أسعار الطاقة عن تعزيز التضخم وإجبار القطاعات المتعطشة إلى الغاز على خفض عمليات الإنتاج. وفي حال كان الطقس بارداً أيضاً فقد يصبح تدوير عمليات انقطاع التيار الكهربائي بمثابة المرحلة الأخيرة.
أكثر برودة
قالت شركة توقعات الطقس "ماكسار تكنولوجيز" (Maxar Technologies Inc) إنه من المنتظر أن تشهد الفترة المتبقية من شهر ديسمبر الجاري درجة برودة أكثر من المعتاد، وسيتواصل ذلك حتى شهر يناير، في ظل تسجيل الطقس لدرجات حرارة أقل من المتوسط خلال أول أسبوعين من الشهر.
شهدت الأسعار فعلاً ارتفاعات لمستويات قياسية في كل من فرنسا وألمانيا، فيما لا يمكن للطقس المعتدل إلى حد ما بجانب الطلب أن يختبرا حدود النظام. ومن المعتاد أن يشهد شهر يناير أو شهر فبراير مستويات الذروة من الاستهلاك، إذ يكون الطقس بارداً.
ويرى المحللون أن ذلك الأمر لا يحتاج إلى تكرار ما حدث مع العاصفة الجليدية التي المعروفة باسم "وحش من الشرق" خلال شهر فبراير 2018 لكي يحدث انهيار في السوق خلال العام الجاري، بل إن مجرد الانخفاض لدرجات قليلة عن المعدل الطبيعي سيكون كافياً لذلك.
معضلة الشتاء
بينما من المحتمل أن تكون في الوقت الحالي سعة إنتاجية كافية -وإن كان ذلك بأثمان باهظة- فإنه من المنتظر نضوب ذلك بسرعة أعلى مقارنة بالسنوات السابقة، حسب هانس كونيغ، رئيس المشروعات المكلف لدى شركة "أورورا إنيرجي ريسيرش" (Aurora Energy Research Ltd).
وتابع: "سيزداد استخدام الغاز لدينا، ومن الممكن أن يصبح ذلك بمثابة معضلة مع اقتراب نهاية فصل الشتاء عند نفاد المخزون من الغاز ".
من الممكن أن تسهم عمليات فرض القيود الخاصة بكوفيد-19 واسعة الانتشار، إذ يجري إغلاق الأعمال التجارية وشركات التصنيع، في التخفيف من العجز في الطاقة عبر الحد من استهلاك الكهرباء. وشهدت ذروة عمليات الإغلاق خلال سنة 2020 تراجعاً في الطلب على الكهرباء بنسبة بلغت نحو 20% في مناطق من أوروبا.
في هذه الأثناء بدأت القطاعات الصناعية تشعر بوجود ضغوط، إذ ستقف شركة "نيارستار" (Nyrstar)، وهي شركة رائدة عالمياً في مجال إنتاج الزنك ومملوكة لمجموعة "ترافيغورا" (Trafigura Group)، عمليات الإنتاج في مصهر في فرنسا خلال الأسبوع الأول من شهر يناير نتيجة صعود أسعار الكهرباء.
يُعَدّ ذلك الاتجاه مضراً بالقدرة التنافسية للشركات الفرنسية، حسب مجموعة "يونيدين" (Uniden) التجارية التي تمثل الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة.
يوجد أيضاً تأثير واسع لصعود أسعار الطاقة، إذ يتوقع البنك المركزي الأوروبي أن يصل معدل التضخم إلى نسبة 3.2% خلال سنة 2022 في ظل تحقيق ثلثي هذا الارتفاع بسبب الزيادة في أسعار الطاقة، وفي بريطانيا كان التضخم "الأكثر استقراراً" وراء صدور قرار زيادة أسعار الفائدة بطريقة مفاجئة لأول مرة منذ 3 أعوام في 16 ديسمبر الجاري.
سيجري وقف نحو ثلث الطاقة النووية الفرنسية مع مطلع شهر يناير المقبل. في المعتاد تصدر البلاد الكهرباء في أوقات الذروة إلى الدول المجاورة، لكنها في الوقت الحالي ستكون بحاجة إلى الاستيراد، وهو ما سيسفر عنه صعود في الأسعار في كل الأنحاء.
كذلك يؤدي تفشي الجائحة إلى تعطل أعمال الصيانة، كما سيجري إغلاق ثلاث محطات للطاقة النووية في ألمانيا بحلول نهاية العام الجاري، وبالتالي لن تكون متوافرة خلال الفترة الأكثر برودة من فصل الشتاء.
اقرأ أيضاً: "غولدمان ساكس": مخاطر انقطاع الكهرباء تعصف بمصانع أوروبا في الشتاء المقبل
عقد قادة الاتحاد الأوروبي خلال الأسبوع الجاري اجتماعهم في بروكسل من أجل مناقشة أزمة النقص في الطاقة، وسُبل تصدي التكتل الأوروبي للجائحة، وتدعيم روسيا قواتها بالقرب من حدود أوكرانيا، وهي دولة مهمة من أجل نقل إمدادات الغاز.
من المحتمل أن يسفر تصاعد التوترات بين كييف وموسكو إلى تدهور أزمة نقص الطاقة، مع وجود احتمالية لتقليص شحنات الغاز الروسي أو وقفها نهائياً في حالة حدوث الغزو. قد يسفر النزاع أيضاً عن تأجيل بدء تشغيل خط أنابيب "نورد ستريم2" المثير للجدل، الذي يربط بين روسيا وألمانيا، وعانى فعلياً جرّاء التأجيل مرات متكررة.
هبطت أسعار الغاز، الجمعة، بعد أن حجزت شركة "غازبروم" الروسية العملاقة مساحة من خط الأنابيب من خلال مزاد من أجل تسليم غاز الغرب عبر بولندا في اللحظة الأخيرة، بعد أن لمّحت في السابق إلى أنها لن تقوم بذلك. لكنّ المضاربين غير واثقين من استراتيجية التوريد الروسية التي ستتأثر بالتوترات السياسية.
فعلياً، ينصبّ الاهتمام على الشتاء القادم. في حال بقيت صادرات الغاز الروسي عند المستويات الراهنة فستنخفض المخزونات في مواقع التخزين في أوروبا بنحو 15% في نهاية شهر مارس القادم، وهو المستوى الأدنى على الإطلاق، حسب شركة الاستشارات "وود ماكينزي" (Wood Mackenzie Ltd) وذلك مع افتراض وجود أحوال جوية في حالتها الطبيعية.
قال ناثان بايبر، رئيس أبحاث النفط والغاز في شركة "إنفستيك بنك" (at Investec Bank Ltd) : "لدينا اعتقاد بأنه يوجد احتمال مرتفع لأسعار تمتد إلى زمن طويل وفي مستويات أعلى خلال فصل الشتاء، مع تأثيرات لاحقة قد تمتد إلى فترة زمنية في ما بعد العامين القادمين".