بلومبرغ
تمت الإشادة بأول شركة "يونيكورن" من قطاع التكنولوجيا في دولة الإمارات العربية المتحدة، عندما تم طرحها للتداول في بورصة نيويورك، فقد تم وصفها بأنَّها "كلوب هاوس الشرق الأوسط".
لكن، ربما تكتسب "مجموعة يلا المحدودة "، الشركة الناشئة العاملة في مجال الدردشة الصوتية، ويقع مقرّها في دبي، خلال تلك الفترة وصفاً أقل جاذبية مع تحطمها في سوق الأسهم.
في أعقاب صعودها بمقدار خمسة أضعاف خلال الأشهر التالية لطرحها العام الأولي خلال العام الماضي؛ تخلت شركة "يلا"- وهي شبكة تواصل اجتماعي مموَّلة من الصين- عن مكاسبها، ثم خسرت جزءاً منها. بعد أن بلغ سهم الشركة ذروته عند مستوى 40 دولاراً في شهر فبراير الماضي، كما خسرت شركة "يلا" ما يزيد عن 80% من قيمتها السوقية. وهبطت إيصالات الإيداع الأمريكية الخاصة بها التي طرحت للتداول بسعر 7.5 دولارات للسهم، لتتداول بانتظام تحت مستوى 7 دولارات، وسجلت أدنى مستوياتها على الإطلاق عند 6.26 دولاراً خلال الأسبوع الماضي.
يعتبر ذلك سقوطاً مدوياً لشركة دخلت في مقارنات مع الشركة المنتمية لوادي السيليكون الناشئة التي أحدثت ضجيجاً "كلوب هاوس"، لدرجة أنَّها حصلت على حصة تمويلية صغيرة من قبل صندوق تحوط تابع للملياردير ستيف كوهين، و بعد أن ساد الهدوء في مساحة غرفة للدردشة الحية- والتي كانت ذات يوم متوهجة- بات النمو الهائل للشركة موضع مراجعة.
تطويق البيع على المكشوف
على مدى الأشهر الأخيرة، استهدف البائعون على المكشوف، وهم شركة: "سوان ستريت" (Swan Street)، و"غوثام سيتي ريسيرش" (Gotham City Research)، شركة "يلا" في ظل شكوكهم حول أرقام أعداد مستخدمي تطبيق التواصل الاجتماعي.
وفي أعقاب اليوم التالي للإعلان عن نتائج ربع سنوية لشركة "يلا" في شهر أغسطس الماضي، والذي أسفر عن هبوط الأسهم 19%؛ رفع المساهمون دعوى قضائية تزعم تقديم شركة "يلا" ورئيسها التنفيذي تاو يانغ لـ "بيانات مغلوطة ومضللة".
من جهته، قال نيرغونان تيروتشيلفام، رئيس قسم أبحاث الأسهم لقطاع المستهلكين في شركة "تيليمير" (Tellimer) من سنغافورة: " أنذرنا المستثمرين أنَّ عليهم أن يكونوا على حذر من المخاطر المرتبطة بشركة يلا". في الوقت الذي لم تصدر فيه توصية رسمية من قبل "تيروتشيلفام" ترتبط بسهم الشركة؛ كتب في رسالة له في 16 سبتمبر الماضي أنَّ الادعاءات تشير إلى "خطر وضع الثقة في مقاييس غير مالية".
قال في رسالة عبر البريد الإلكتروني لـ "بلومبرغ نيوز": "ذلك لا يعني أنَّ كل ادعاءات شركتي البيع على المكشوف صحيحة". "بيد أنَّ ذلك يعني أنَّه يوجد الكثير من الشكوك".
ورفض المتحدث باسم شركة "يلا"، كيري غاو، ادعاءات شركتي البيع على المكشوف، وقال في بيان صدر في شهر مايو الماضي، إنَّ تقاريرهما "تنطوي على أخطاء عديدة، ومزاعم مشوهة ومضللة، وغير مدعومة بأدلة". وفي معرض ردِّها على أسئلة استيضاحية من قبل "بلومبرغ نيوز"، تمسكت الشركة بموقفها. اعتبر غاو أيضاً الدعوى الجماعية المرفوعة مؤخراً من قبل مساهمين "في أغلبها هي تكرار لمزاعم مغلوطة " من قبل شركتي البيع على المكشوف.
تابع غاو: "لدينا اعتقاد أنَّ هذه الشكوى عارية عن الصحة، وغير جديرة بالنظر فيها".
نهاية الضجيج
عندما تم طرح شركة "يلا" في البورصة الرئيسية في نيويورك في شهر سبتمبر 2020، كان في الإمكان أن تصبح الأمور مختلفة بشكل أكبر، فالمساهمون الكبار من الصين، بالإضافة إلى المديرين والمسؤولين التنفيذيين، إلى جانب وجود هيكل ملكية يتسم بالتعقيد، ويعتمد على كيانات خارجية عديدة، بيد أنَّ العمليات التشغيلية كانت تتم من داخل الإمارات العربية المتحدة.
تضاعف سعر إيصالات الإيداع الأمريكية الخاصة بالشركة مع حلول شهر ديسمبر بدعم من بلوغ تقييمها مليار دولار أمريكي إلى جانب الحماس لتقنية الدردشة الصوتية، والذي سيتمثل بعد فترة ممتدة من الزمن في الهوس بتطبيق "كلوب هاوس". مرة أخرى، تضاعفت قيمتها بعد مرور شهرين لتصعد إلى 41.35 دولاراً في 11 فبراير الماضي لتقفز بالقيمة السوقية لشركة "يلا" إلى نحو 6 مليارات دولار تقريباً.
ثم بدأت حظوظ شركة "يلا" في سوق الأسهم في التبدل. تلاشت ضجة البداية، وأخذت المنافسة بين تطبيقات الدردشة الصوتية تشتعل في ظل دخول شركات على غرار "تويتر" إلى المضمار. لم تقدِّم حملة الإجراءات الصارمة التنظيمية من قبل الصين والتي استهدفت شركاتها المدرجة في بورصات الولايات المتحدة المساعدة أيضاً. مع حلول شهر مايو الماضي، كانت شركة "يلا" قد هبطت فعلياً 50% تقريباً من أعلى مستوى حققته عندما كشفت شركة "سوان ستريت"، و شركة"غوثام سيتي" عن أنَّهما كانتا تقومان بعمليات بيع على المشكوف لسهم شركة "يلا".
قالت شركة "سوان ستريت"، المؤسسة من قبل محلل مجهول في "وول ستريت" خلال العام الجاري، بحسب موقعها الإلكتروني، في تقريرها المكوَّن من 31 صفحة، إنَّ أرقام شركة "يلا" لا تتماشى مع "مراجعات القناة" الخاصة بها، فضلاً عن أنَّ مقاييس الاستخدام مثل متوسط عدد المستخدمين الشهري تم تضخيمها من خلال استعمال الروبوتات.
على حسابها على موقع "تويتر"، شبهت "جوثام سيتي" شركة "يلا" بـ"لوكين كوفي" (Luckin Coffee) – وهي شركة صينية تم طرحها للتداول في البورصة وسط ضجة عارمة- بيد أنَّها رفعت دعوى لطلب الحماية من الإفلاس في الولايات المتحدة بعد قولها، إنَّ ما يزيد عن ربع قيمة شركتها من المحتمل أن تكون مختلقة. كتب مؤسس الشركة دانيال يو في رسالة عبر البريد الإلكتروني أنَّ شركة "جوثام سيتي" مستمرة في عملية البيع على المكشوف لسهم شركة "يلا".
(رفضت شركة سوان ستريت الرد على العديد من طلبات التعليق على ما ورد من تصريحات).
ردت شركة "يلا" بقولها، إنَّها "لم تجلب أي روبوتات لأي من غرفها للدردشة، أو قامت بالتلاعب في بيانات عدد المستخدمين النشطين شهرياً بأي وسيلة أخرى أو غيرها من بيانات التشغيل أو البيانات المالية" كما أعلنت عن عملية إعادة شراء لأسهم تصل قيمتها إلى 150 مليون دولار – وهو مبلغ يفوق بصعوبة ما جمعته عبر الاكتتاب العام.
أرقام محل جدل
قالت شركة "يلا" في بيان الإعلان عن نتائج أعمالها لشهر أغسطس الماضي، إنَّ متوسط عدد مستخدميها النشطين شهرياً بلغ مستوى قياسياً يقدَّر بـ 22.1 مليون مستخدم مع نهاية الربع الثاني من العام الجاري. وفي حين ارتفعت الإيرادات بما يزيد عن الضعف لتسجل 66.6 مليون دولار عن العام الماضي، جاء هذا الرقم موافقاً للحد الأدنى للدليل التوجيهي الاسترشادي الخاص بشركة "يلا"، وهو ما أدى إلى تفاقم هبوط سعر إيصالات الإيداع الأمريكية.
كشف تحليل قام به تطبيق بحوث "أبتوبيا" (Apptopia)، المتخصص في الأجهزة لصالح بلومبرغ، عن أنَّ متوسط عدد المستخدمين الشهري لدى كل تطبيقات شركة "يلا" مجتمعة يبلغ 5.41 مليون مستخدم مع نهاية شهر يونيو الماضي، أي ما يقترب من ربع الرقم الذي أعلنته الشركة. يقوم تطبيق "أبتوبيا" بجمع البيانات لوضع تقييم لأداء التطبيقات، ومن بين العملاء، هناك شركات"غوغل"، و"مايكروسوفت"، و "فيسبوك"، و "أندريسن هوروويتز" (Andreessen Horowitz).
وعلى الرغم من الزيادة المعلنة في عدد المستخدمين، لم تكن هناك زيادة مقابلة في عمليات البحث على الإنترنت لكلمات "يلا تشات" (Yalla chat)، (سواء باللغة الإنجليزية أو العربية) أو عبر تطبيق "يلا"، استناداً إلى مقاييس بحث "غوغل تريندز".
وقال ديفيد تافلي، محاضر أول في الأخلاقيات التطبيقية والأمن السيبراني في جامعة غريفيث في كوينزلاند في أستراليا، إنَّ أرقام "يلا" "تعكس شيئاً مشابهاً لظاهرة النمو التي حظيت بها "كلوب هاوس" في أول عام لها أثناء اختبار بيتا.. لكَّنني متشكك بالأمر".
بعد أربعة أيام من إعلان "يلا" عن أرباح الربع الثاني، رفع جيفري كراس، وهو مستثمر تجزئة تمثله "سكوت بلس سكوت أتورنيز أت لو" (Scott + Scott Attorneys at Law)، وهي شركة محاماة لدعاوى الاحتيال على المساهمين، دعوى على "يلا" ورئيسها التنفيذي، مدعياً أنَّهم ضللوا المستثمرين بشأن مقاييسها المالية، وفشلوا في الإفصاح عن أنَّ الشركة بالغت في مقاييس المستخدم والإيرادات، وقدَّم سبعة مستثمرين آخرين طلبات للمحكمة كي يكونوا مدَّعين رئيسيين في الدعوى، ولتمثيل فئة من المساهمين في وضع مماثل؛ فقد تكبدوا خسائر من شهادات الإيداع الأمريكية الخاصة بشركة "يلا".
قالت غاو، إنَّ تقديرات شركة تحليلات التنافسية "أبتوبيا" (Apptopia) "لا تتماشى مع البيانات المالية والتشغيلية التي جمعناها من عمليات أعمالنا، وراجعها مدقق الحسابات من خاصتنا"، وأضافت أنَّ مقاييس "غوغل تريندز" لا تعكس بدقة نمو الشركة وشعبيتها، وقالت غاو، إنَّ ثقافة المجتمع التفاعلية في "يلا" خلقت تأثيراً قوياً للتسويق الشفهي، واستفاد نموها من صعود الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت أثناء الوباء، بجانب الإعلانات على "فيسبوك"، وأكدت مجدداً أنَّ الدعوى لا أساس لها.
أسئلة المستخدمين
مهما كان الأمر، فقد قرر بعض المستثمرين بالفعل التخلي عن الشركة، وباعت شركة "بوينت 72 أسيت مانجمنت" التابعة لكوهين، جميع شهادات الإيداع الأمريكية التي يبلغ عددها 520 ألفاً، بحسب ما أظهر إيداع تنظيمي في 30 يونيو، ورفضت الشركة التعليق على الأمر.
أغلقت شهادات الإيداع الأمريكية دون سعر الطرح العام لـ 20 جلسة متتالية، ومنذ أن بلغت "يلا" ذروتها في فبراير الماضي، قضى التراجع على ما يناهز 5 مليارات دولار من قيمتها، وقلص قيمتها السوقية إلى أقل من 930 مليون دولار.
في 17 أكتوبر، خفَّض محللو "مورغان ستانلي"، بقيادة عمر شيخ، السعر المستهدف لشهادات الإيداع الأمريكية للشركة إلى 7 دولارات من 16 دولاراً، وكتب في مذكرة بحثية أنَّ استطلاع "ألفا وايز" الذي يجريه البنك لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية- وهي واحدة من أكبر أسواق "يلا"- يشير إلى "انخفاض الوعي، وتراجع استخدام تطبيقات "يلا"، مما يقلل من ثقتنا في قدرة الشركة على تحقيق مستويات عالية من الاختراق على المدى الطويل".
أظهرت زيارة حديثة للتطبيق أنَّ المستخدمين يتحدثون في الوقت الفعلي في غرف صوتية مختلفة، ومع ذلك من الصعب معرفة هويتهم أو، كما اقترح البائعون على المكشوف، ما إذا كان هناك أشخاص حقيقيون وراء كل هذه الحسابات أم لا، تواصلت "بلومبرغ" مع عدد من الأشخاص على صفحة "يلا" على "فيسبوك" الذين يلعبون لعبتها الشهيرة على الإنترنت المسماة "Ludo"، والتي تشبه "Parcheesi"، وقالوا، إنَّهم يستخدمون تطبيق "يلا" بشكل أساسي للدردشة أثناء لعب الألعاب، مثل: الدومينو، أو لودو.
وقالت غاو، إنَّ موقع "يلا" يتعاون مع عدد من المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لمنصته، بالإضافة إلى المذيعين التلفزيونيين: لطفي الزعبي، وفاديا الطويل، وقال الزعبي، إنَّه يقدم فقرة رياضية يومية تُذاع على منصة "يلا"، وكانت زوجته سالي أسعد تعمل في "يلا"، لكنَّها لم تعد تعمل هناك، وفقاً لملفها الشخصي على "لينكد إن"، ولم ترد الطويل على طلبات التعليق.
ومع ذلك، لم يكن من السهل العثور بشكل مستقل على أشخاص بارزين يستخدمون خدمات "يلا" أو على دراية بها، وتحدَّثت "بلومبرغ نيوز" مع أكثر من 15 من رواد الأعمال والمتخصصين والمؤثرين في مجال التكنولوجيا في الإمارات العربية المتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية، علماً أنَّهم لم يستخدموا تطبيقات "يلا"، كما لم يتم التعرف على أي شخص يستخدمها، و لم يسمع به الكثير من قبل.
ومن بين من تحدَّثت معهم الوكالة كانت لانا البيك، وهي عارضة تبلغ من العمر 26 عاماً، وهي مؤثرة مشهورة على وسائل التواصل الاجتماعي تعيش في دبي، ولديها 56600 متابع على "إنستغرام"، واستخدمت تطبيق الدردشة الصوتية "كلوب هاوس" عندما انطلق لأول مرة، وأثناء سعيها للحصول على درجة الماجستير في الاتصالات، قالت البيك، إنَّها أجرت قدراً كبيراً من الأبحاث حول الشركات الناشئة المحلية كجزء من دراستها، ولم تظهر "يلا" أبداً.
وقالت: "تحدَّثنا مع الناس من خلال تطبيقات لاعبين كبار مثل "غوغل".. وكنا نتحدَّث عن تلك الشركات طوال الوقت، لكن لم أسمع أبداً بـ "يلا" ".