لا تزال سوق العمل تعاني شحاً كبيراً في العمالة رغم المخاوف من حدوث تباطؤ. فمعظم الشركات لا تسرّح الموظفين، وإنما يزداد الاهتمام بالاحتفاظ بهم، ولكن كيف؟
تعني الضغوط التضخمية أن الموظفين يريدون زيادات في الأجور، لكن قد لا يرغب أصحاب العمل في منح رواتب أعلى في ظل اقتصاد تكتنفه حالة من عدم اليقين.
غير أنه في كثير من الأحيان تتجاهل الشركات طريقة أخرى لتعزيز الاحتفاظ بالموظفين ورفع روحهم المعنوية. يعتبر تحسين الامتيازات أقل تكلفة من الزيادات الشاملة للرواتب، وعادة ما تكون هناك أيضاً مزايا ضريبية لكل من الموظفين وأرباب العمل. ويعمل القائمون على إقناع العمال بالبقاء على زيادة ما يسميه الأكاديميون بـ"دمج الموظف".
بعبارة أخرى، فإنهم يُوقعُون الموظف في "شباك" المؤسسة بطريقة تجعل من الصعب عليه الهروب أو الاستقالة، ولا تترك أمامه خياراً سوى البقاء. وفي حين حظيت مقصورات النوم واليوغا في موقع العمل والطعام المجاني باهتمام كبير خلال فترة الازدهار التكنولوجي، فإن امتيازات من هذا القبيل ربما تكون أفضل لإثارة إعجاب الموظفين المحتملين وليس للاحتفاظ بالحاليين. هناك مجموعة من المزايا الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، وتكون عملية وواقعية بصورة أكبر أيضاً، وهي: إجازة مدفوعة الأجر، وتأمين صحي، وحساب تقاعد.
مميزات عملية
المزايا العملية والقيّمة هي ما تركز الشركات الآن على تحسينه. فقبل بضعة أسابيع، أعلنت شركة التأمين "ماس ميوتشوال" (MassMutual) عن سياسة إجازة ممتدة لمقدمي الرعاية، عارضةً ثمانية أسابيع من الإجازة المدفوعة للموظفين الذين يحتاجون إلى رعاية شخص عزيز عليهم، وليس فقط أحد أفراد الأسرة المباشرين.
في الخريف الماضي، أعلن "بنك أوف أميركا" عن برنامج تفرغ. كما يتجه عدد متزايد من المطارات الأميركية إلى فتح مراكز للرعاية النهارية لمساعدة العاملين في رعاية الأطفال، وهو أمر من المحتمل أن يكون بصدد التحقق لموظفي شركات صناعة الرقائق.
بالطبع، في أعقاب الحكم بقضية "دوبس ضد جاكسون" والذي ألغى حكم قضية "رو ضد ويد" الخاص بالحق في الإجهاض، أعلن العديد من الشركات الأميركية دفع تكاليف السفر للموظفات اللواتي يرغبن في عبور حدود الولاية للحصول على رعاية الإجهاض.
لماذا لا تعد الإجازات المفتوحة فكرة رائعة؟
تهدف بعض التحسينات على ظروف العمل وأجوائه مباشرةً إلى زيادة الاحتفاظ بالعاملين من خلال مكافحة "الإنهاك الشديد في العمل" الذي يشعر به العديد منهم في الوقت الحالي. وهناك مجموعة من الشركات الأصغر أعلنت في الآونة الأخيرة عن تفويضات بإجازة لمدة أسبوعين، وبرامج ترحال رقمي لمدة 60 يوماً، وأسبوع عمل لمدة أربعة أيام على الأقل في المملكة المتحدة.
شركات تقلص مزايا العاملين
على النقيض من ذلك، هناك أمثلة على الشركات التي ذهبت في الاتجاه الآخر. فشركة "هولو" (Hulu)، على سبيل المثال، خفضت برنامج إجازة الأبوة والأمومة المدفوعة الأجر من 20 أسبوعاً إلى ثمانية فقط. (الولايات المتحدة ليست لديها إجازة مدفوعة الأجر مضمونة فيدرالياً). ومع ذلك، فإن شركات مثل "هولو" هي الاستثناء لا القاعدة.
استعادت شركات أخرى امتيازات تعود إلى حقبة كوفيد، مثل الغداء المجاني للعاملين في المكاتب، ومواقف السيارات المدعومة، والأكثر إثارة للجدل، المرونة بشأن عدد مرات العمل من المكتب. لكن حتى خطط العودة الصارمة إلى المكتب، والتي دفعت باتجاهها بعض شركات "وول ستريت" تعتبر شاذة.
تشير بيانات من خبراء الاقتصاد خوسيه ماريا باريرو ونيكولاس بلوم وستيفن جيه ديفيس إلى أنه اعتباراً من أول يناير 2023، كان ما يقرب من 20% من الموظفين القادرين على العمل من المنزل لا يزالون يعملون عن بعد بشكل كامل.
البرلمان الهولندي يوافق على تشريع يجعل العمل من المنزل حقاً قانونياً
بشكل عام، يضيف المزيد من الشركات مزايا أكثر مما يتم تقليصه على ما يبدو، لكن بالنسبة إلى أصحاب العمل، فإن هذا يثير تحدياً، وهو: كيف تتميّز عن الآخرين؟
أحد الخيارات المطروحة هو النظر في إضافة ميزة أقل شيوعاً مثل إجازة الأبوة أو الأمومة المدفوعة، وأيام الصحة العقلية بأجر، ورعاية الأطفال في الموقع أو برنامج تفرغ.
ثم إن هناك "قيمة الجهد والعمل". فمزايا التقاعد ليست نادرة، بل إنها ذات قيمة مالية كبيرة للموظفين. وعلى العكس من ذلك، لا أعتقد أن موظفاً ينضم إلى شركة من أجل خطة تأمين صحي تشمل الأسنان، أو أن ميزة مثل توصيل الملابس إلى المنزل بعد غسلها غسلاً جافاً لن تمنع أي شخص من مغادرة شركة.
امتيازات تمنع "الإنهاك"
لا تزال فرصة الحصول على إجازة تفرغ –سواء مدفوعة أو بدون أجر- غير معتادة إلى حد بعيد، لكن العديد من الموظفين الذين خدموا لفترة طويلة يعتبرون أن "الاستراحة الوظيفية" لا تقدر بثمن. فعندما أجرى كل من كيرا شابرام ومات بلوم ودي جيه ديدونا مقابلات مع 50 موظفاً أخذوا إجازة مهنية، لم يندم أحد على ذلك. (وجدت الأبحاث أيضاً فوائد للمؤسسة؛ عندما يأخذ كبار القادة استراحة وظيفية، يمكن أن يمنح ذلك فرصة للمزيد من الموظفين المبتدئين، للنمو في وظائفهم).
لا تكلف الميزة الممنوحة للموظف صاحب العمل الكثير من المال دائماً. وهنا يأتي دور المرونة. ففي الشركات التي يكون فيها الموظفون "تحت الطلب" بشكل أو بآخر -كما تعلمون، ما يسمى بفئة الكمبيوتر المحمول- لن تتكلف الشركات الكثير لمنح العمال حرية التصرف بشأن متى وأين يعملون.
"ياهو" لموظفيها في اليابان: اعملوا من أي مكان وتنقلوا بالطائرة
يرتبط العمل المرن بانخفاض معدلات "الإنهاك" وزيادة الرغبة في البقاء. ويمكن للعمال توفير أموال حقيقية عندما يكون لديهم المزيد من التحكم في تفاصيل جدولهم الزمني، ولا يضطرون إلى تحمل تكاليف التنقل أو وجبات الغداء أو الرسوم التي تفرضها دور الرعاية النهارية على الساعات الإضافية التي تعتني فيها بالأطفال لحين عودة آبائهم من العمل في وقت متأخر.
من غير المفاجئ إذاً أنه رغم حديث بعض الرؤساء التنفيذيين عن ضرورة العودة للعمل من المكتب، فإن معظم الشركات لا تعارض نهج العمل الهجين (الذي يمزج بين نظامين مثل السماح للموظف بالعمل من المكتب والعمل عن بعد) على ما يبدو.
وعندما لا يمكنك منح الموظفين زيادة 6% على رواتبهم لمواكبة تضخم بالنسبة نفسها، فإن المزايا والامتيازات هي من بين أفضل الطرق لإقناع الموظفين المتميزين بالبقاء.