بماذا كانا يفكران؟ سؤال ستوجه لنفسك كثيراً إذا شاهدت الفيلم الوثائقي "ليفنغ نفرلاند" (Leaving Neverland) لشبكة "إتش بي أو" (HBO) التلفزيونية حول وايد روبسون (Wade Robson) وجيمس سايفتشك (James Safechuck) - وهما الرجلان اللذان زعما أن مايكل جاكسون استغلهما جنسيًا أثناء طفولتهما.
غالبًا سيُوجّه هذا السؤال لوالديّ الطفلين؛ لماذا قد تسمح لطفلك الصغير بأن ينام مع رجل بالغ؟ لماذا قد تحضر ابنك بعد الـ 1:30 صباحًا ليتشارك سرير أحدهم؟ والدتا الضحيتين المزعومتين جوي روبسون (Joy Robson) وستيفاني سايفتشك (Stephanie Safechuck) تحاولان تبرير موقفهما لوقت طويل أمام الكاميرا.
أوهام الشهرة واستغلال الفقر سبيلا السيطرة على الأطفال
يُمكن الاستنتاج من تبريرهما أنّ سُلطة الشهرة والجهل حول الاعتداء الجنسي على الأطفال مجتمعين يكون لهما تأثير قوي وخادع. بحسب روايتهما، لم يستدرج جاكسون الطفلين فقط بل وعائلتيهما أيضًا باعتبارهم ضعفاء ومن ثم بإغوائهم بوهم الشهرة والنجاح. كما حرص أيضًا على جعل العائلتين تعتمدان عليه ماديًا في أوقات معينة.
كانت كل أم تسأل طفلها في بعض الأوقات عما إذا حصل له أي شيء، وقد اعترف الرجلان بإصرارهما في ذلك الوقت على عدم حدوث أي شيء، لكنهما الآن كراشدين يصرّحان بأنهما كذبا بداعي الخوف والشعور بالذنب، وحتى بسبب نوع من الحب شعرا به تجاه المعتدي وما زالا يشعران به حتى الآن.
تقول الوالدتان إنهما صدقتا طفليهما آنذاك، أو ربما قد رغبتا في تصديقهما. إذ اعتقدتا أن الطفلين سيتحدثان إذا أُسيئت معاملتهما، وهو افتراض يقلل من شأن قدرة المعتدين جنسيًا على إقناع ضحاياهم بكتمان الأمر.
في المقابل، لم تكن أفعال الأهل وحدها ما يثير الغضب. إذ احتمى نجم البوب بحاشية هائلة من المتواطئين، بمن فيهم المحامون الذين دربوا الطفلين على أقوالهما بشأن ادعاءات الاعتداء على أطفال آخرين، بحسب روبسون (Robson) وسايفتشك (Safechuck). هذه التحصينات لا زالت قائمة، إذ ردت "مؤسسة ممتلكات جاكسون" (Jackson estate) على "ليفنغ نفرلاند" ( Leaving Neverland)، بأن الشابين قد اعترفا بخداعهما وحنثهما بالقسم في المحكمة، إذ قالا إنهما كذبا لحماية جاكسون (Jackson).
مع ذلك، لم يكن جميع المتواطئين يعملون لصالح العائلة.
مرافق السفر.. مصطلح أطلقه مذيع الأخبار على طفل ظهر مع جاكسون
يظهر الفيلم في جزء منه لقطات أخبار من بدايات تسعينيات القرن الماضي، حيث يظهر جاكسون (Jackson) من حافة سطح فندق يحيّي الجمهور في الأسفل. وكان هناك صبي أيضًا ينظر إلى المعجبين، كان قد أطلق عليه مذيع الأخبار في وقتها "مرافق السفر" الخاص بجاكسون كما لو أن جولاته مع صبيانه المفضلين تحت سن المراهقة هي من أكثر الأشياء طبيعية في العالم!.
عرف الجميع أن هناك أمراً ما حول علاقة جاكسون بالأولاد، بمعنى الجميع، فالمراهقون في كانساس سيتي في بداية التسعينيات عرفوا ذلك، يمكنني الجزم بهذا. حين تولت مجلة "سليت" (Slate) الدفاع عن جاكسون ضد اتهامات الاعتداء في 2005، كان ذلك في مقام إجراء متناقض.
وبسبب عدم ثبات الأدلة في المحكمة - سواء خلال الدعوى المدنية عام 1993 أو المحكمة الجنائية عام 2004/2005- فضّل الرأي العام ضمنيًا اعتبار جاكسون غريبًا أكثر من كونه مثيرًا للقلق.
اعتمد دفاع "سليت" (Slate) بدايةً على أنه لو كان جاكسون جانيًا، لحاول المزيد من الأطفال "أن يصبحوا أثرياء" بتوجّههم إلى الرأي العام. وكما هو حال الأمهات، اعتقد الكاتب في المجلة أنه يعرف سلوك الأطفال المعرضين للإساءة الجنسية، و-بغياب هذا السلوك- لم يصدق الاتهامات بالاعتداء.
يُظهر الفيلم الوثائقي مدى صعوبة اعتراف الضحايا بما حصل لهم. وبالنسبة لكلا الضحيتين روبسون (Robson) وسايفتشك (Safechuck)، كان إنجاب كل منهما ابنًا هو أكثر ما حرّضهما على الانطلاق برحلة تصفية الحساب.
هل على المقتنعين بأن جاكسون كان جانياً إعادة التفكير في علاقتهم بأعمالهم؟
بالكاد ذكر الوثائقي موسيقى جاكسون، لكن من يشاهد الفيلم ويغادر مقتنعًا بأن جاكسون كان جانيًا -وباعتقادي أغلب المشاهدين فعلوا ذلك- ربما عليهم إعادة التفكير بعلاقتهم مع أعمال جاكسون.
من الرقي القول إن الفن يجب فصله عن عيوب الفنان، إلا أن جاكسون لم يتماشَ مع هذا القول. الفيديوهات المصورة لأغنيات "بلاك أور وايت" (Black or White) و"سموذ كريمينال" (Smooth Criminal) و"مان إن ذا ميرور" (Man in the Mirror) جميعها استهلّت بلقطات لأطفال.
أما الأداء الثنائي اللافت له مع شقيقته "جانيت" عام 1995- في أغنية "سكريم" (Scream) -كان تعبيرًا عن الغضب جراء "الالتباس" و"الأكاذيب" التي طالته في دعوى الاعتداء عام 1993. لقد صور نفسه ضحية الأشخاص الذين لم يفهموه وأرادوا تحطيمه، وهذا تمامًا ما أراد أن يصدقه الأطفال الموجودون في سريره.
لقد استمعت إلى أغانيه مئات المرات، أظن أن ذلك يكفي.