شهد الجيش الأمريكي، خلال الأعوام القليلة الماضية، ارتفاعًا فيما يُسمّى بالـ "الظواهر الجوية غير المفسرة"، والتي يعرفها الكثير منا باسم أكثر شيوعًا وهو "الأجسام الطائرة المجهولة" (unidentified flying object)، وعلينا جميعًا أن نأخذ هذه المشاهدات على محمل الجد كما تفعل البحرية الأمريكية.
ادّعى طيّارون عسكريون أحيانًا، وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post)، أنّهم "شاهدوا أجسامًا صغيرة كروية طائرة تحلّق ضمن تشكيل معيّن، فيما زعم آخرون أنّهم شاهدوا مركبات بيضاء في شكل حلوى الـ تيك تاك (Tic Tac).
تعتمد جميع المحركات، باستثناء الطائرات بدون طيّار، على احتراق الوقود لتوليد الطاقة، لكن لم يوجد في هذه المركبات أي مدخل هواء، وليس لها عوادم ولا تترك خلفها تيارات هواء، ويبدو أن هذه الأجسام تفوق جميع الطائرات المعروفة سرعةً، ووصفها مسؤول دفاع سابق بأنّها تجسّد "تطوّرًا تكنولوجيًّا ثوريًّا".
هل هناك قوة فضائية تتابع المهمات العسكرية؟
اقترح "آفي لويب" (Avi Loeb)، رئيس قسم علوم الفلك في جامعة "هارفارد" (Harvard)، مؤخّرًا أن الجسم الذي أسماه "أومواموا" (Oumuamua)، رُصد أثناء عبوره لنظامنا الشمسي، قد يكون سفينة تعمل على الطاقة الشمسية من حضارة فضائية متقدمة نظرًا للتحركّات الغريبة للجسم.
لا أعتقد أن "الرجال الصغار خُضر اللون"، كما يقول المثل، قد جاؤوا إلى الأرض. لكنك قد تتساءل عن احتمالية قيامهم بزيارة الأرض، مهما كانت هذه الاحتمالية صغيرة، أو ربما تقول على الأقل إن علينا تجاوز وصمة العار التي قد تصيب أي شخص، خاصة من أفراد الجيش، يناقش احتمالية وجود "الأجسام الطائرة المجهولة" أو يروي مشاهدته لإحداها.
قد تتساءل أيضًا عن الظاهرة غير الفضائية التي قد تُسبب هذه المشاهدات الغريبة، فماذا لو كانت هناك قوة فضائية تتابع مهماتنا العسكرية عبر سلاح سري جديد؟ أو ماذا لو كانت تقارير شهود العيان من أفراد الجيش غير موثوقة وماذا لو كانت موثوقة دائمًا؟ لا شك أن ذلك سيكون أمرًا مشوّقًا.
دعونا أوّلًا نفهم السبب الذي يجعل احتمالية زيارة الفضائيين للأرض ممكنة.
توجد معضلة مشهورة تُعرف بـاسم "مفارقة فيرمي" (Fermi paradox)، والتي تتساءل عن السبب الذي يعود إليه انعدام أي دليل على وجود زيارات من مخلوقات فضائية أو أي نوع من التواصل معهم إلى اليوم، ويسعى العلماء دائمًا إلى التعرف على كواكب صالحة للحياة، والتي يُرجِّحون أن يكون عددها كبير جدًا في مجرتنا، وليس من الخطأ أن نعتقد أن بعضًا من المخلوقات الذكية على أي كوكب، مهما كانت احتمالية وجود هذه المخلوقات ضئيلة، قد طوّرت حضارات متقدمة تكنولوجيًّا قادرة على إرسال رسائل إلينا.
ليس ضروريًّا أن ترسل أية حضارة فضائية مبعوثيها إلينا، إذ بإمكانها أن تبني بضعة مسابير فضائية ذاتية النسخ كالتي اقترحها العالم "فون نيومان" (Von Neumann)، وتعمل بالطاقة الشمسية أو النووية وتكون مزودة بأنظمة الذكاء الاصطناعي؛ حيث قد تتوقع في زمن من الأزمان أن نجد هذه المسابير على شواطئنا أو أن نتلقّى رسائل منها.
قد تكون النسب الفعلية لاحتمالية حدوث اتصال مع الفضائيين قابلة للجدل، لكن على أساس نظري بحت، ليست هذه الاحتمالية بعيدة إلى هذا الحد، وتأتي الأدلة المؤيدة للرأي القائل بوجود زيارات من مخلوقات فضائية من شهادات طيارين عسكريين ونظريات بحتة، فمع أنني أعتقد أنها ليست أدلة كافية تثبت وقوع هذه الزيارات، إلا أنّها تبقى ذات أهمية.
أساطير عصور الفايكنغ
لا تنس أيضًا تاريخ العالم الجديد قبل وصول الحملات الأوروبية، إذ رَوَت أساطير تعود في أصلها على الأرجح إلى عصور "الفايكنغ" (Vikings) وحملاتهم الاستكشافية عن زوّار فضائيين شاحبي البشرة، وقد أصبح هذا التواصل مع المخلوقات الفضائية في وقت من الأوقات واقعيًّا بدرجة كبيرة، خاصة بعد اكتشافات المستكشفين من أمثال "كولومبوس" (Columbus) و"كورتيس" (Cortés) وغيرهم. تُعد إحدى أكثر المواضيع شيوعًا في التاريخ البشري هي الجهل بوجود حضارة أخرى لمدة طويلة، ثم اكتشافها فجأة، ولا ندري فلعل التاريخ يعيد نفسه.
تبقى الأدلة المقدمة ضد وجود زيارات من مخلوقات فضائية قوية، ويؤيدها المنطق، وغياب أي دليل صريح يثبت خلاف ذلك، كما يدعمها كل من التصور العام القائل إن التغيرّات الهائلة في طريقة فهمنا للعالم نادرة الحدوث، والفكرة القائلة أيضًا إنه في حال وجود مخلوقات فضائية متطورة في مكان ما، فهي إمّا مختفية تمامًا، أو مرئية بالنسبة إلينا بشكل أكبر مما هي عليه الآن.
إذا تمعّنت رغم ذلك في جميع الأدلة، المؤيدة والمعارضة، لوجود زيارات لفضائيين، أليس من الممكن أن توجد فرصة لوقوع هذه الزيارات، ولو بمقدار جزء واحد من الألف؟ يستحق هذا الحدث المناقشة، مهما كانت فرص وقوعه ضئيلة. أمّا بالنسبة لهؤلاء الذي يجرؤون على مناقشة هذه المواضيع، أتسمحون لي أن أرفع نسبة وقوع هذه الزيارات إلى جزء واحد من المائة؟
لا تهم نظرتك إلى احتمالية وقوع هذه الزيارات، بل الأهم هو أن تنتهز النقاش القائم للتعمق في ألغاز هذا الكون ومكاننا فيه، فربما الحياة على سطح كوكب الأرض نشأت من أنظمة شمسية أخرى وتم وضع بذرتها الأولى من خلال مسابيير الفضائيين، فهذا ما قد أفعله إذا كنتُ فضائيًّا غنيًا من فاعلي الخيري.
فإذا كان لدينا 100 نظام شمسي مزروعة بمسابير كل حضارة متقدمة جدًّا، فهذا قد يعني أنّ أصولنا ترجع بالفعل إلى أحد هذه البذور.
لذلك، أعتقد، أن أحد الأسباب المرجحة لـ "مفارقة فيرمي" هو أن المخلوقات الفضائية قد وصلت بالفعل والبشر هم هذه المخلوقات، عبر فرضية "بانسبيرميا" (panspermia)، وهي فرضية تقول إن "بذور" الحياة موجودة في جميع أرجاء الكون، وأنه من الممكن أن هذه البذور قد نبتت بالفعل في بعض الكواكب ومنها كوكب الأرض.