كما هو متوقع، فإن سوق العمل الضيق في الولايات المتحدة يدفع نحو رفع الأجور، على الأقل في بعض القطاعات مثل الترفيه والضيافة.
غير أن هناك عوامل أساسية أخرى تلعب دوراً في قطاعات مختلفة من الاقتصاد. وهي تشرح السبب وراء عدم ارتفاع الأجور نتيجة نقص العمالة، على الأقل حتى اللحظة.
أحد القطاعات التي تشهد تحولاً عميقاً هو قطاع العمل على الطرق "قطاع شاحنات النقل". وكما يحدث في القطاعات التي اتجهت بشكلٍ سريع نحو العمل من المنزل، حيث يقوم كل من العاملين وأرباب الأعمال بإعادة تعريف الوظائف والممارسات، فإن واضعي التشريعات والمسؤولين الحكوميين بحاجة إلى أن يسمحوا لهذه العملية بأن تأخذ مسارها.
لو كان الكونغرس قد تسرَّع في الاستجابة إلى مطالب النشطاء برفع الحد الأدنى للأجور في الشتاء الماضي، لكان من الممكن أن يتوقف النمو في قطاعي الترفيه والضيافة.
وبنفس المنطق، إذا أعطت واشنطن التفاتاً كبيراً إلى شكاوى قطاع النقل بخصوص نقص العمالة، فإنها تخاطر بتقويض الإصلاحات الحاسمة لتعزيز الإنتاجية.
منذ أوائل العام والشركات تشكو من نقص العمالة، ودائماً ما يسمعون رداً شائعاً "ارفعوا الأجور". الأمر بهذه البساطة في بعض الأحيان.
المنافسة على العمالة
في قطاع المطاعم، على سبيل المثال، تسارع نمو الأجور قبل انتشار الوباء، وهو ما يشير إلى أن المنافسة على العمالة آخذة في الارتفاع منذ فترة. لذا ينبغي النظر إلى الارتفاع الحاد الأخير على أن السوق التي تتمتع بحرية في الغالب تقوم بالأفضل، حيث تقوم بتوجيه الموارد الشحيحة إلى الأماكن الأكثر احتياجاً لها.
على النقيض من ذلك، يبدو أن نمو التوظيف في قطاع شاحنات النقل ليس أسرع مما كان عليه قبل الوباء. على الرغم من الانخفاض الهائل في أوائل العام الماضي والطلب الكبير خلال فترة الانتعاش، وهو ما يمثل مشكلة هيكلية أعمق.
في اقتصاد تتحسن فيه آفاق العمل بشكل عام، أصبح من الصعب على شركات شاحنات النقل العثور على سائقين لديهم الاستعداد لقضاء ساعات طويلة بعيداً عن منازلهم وعائلاتهم.
تشير تقديرات كبير الاقتصاديين في جمعية شاحنات النقل الأمريكية إلى أنه قبل بداية الوباء بفترة طويلة، كانت الولايات المتحدة تواجه نقصاً يبلغ 60 ألف سائق، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 100 ألف بحلول عام 2023. وقد يكون هذا أقل من الواقع بالنظر إلى حجم نمو سوق العمل خلال الاثني عشر شهراً الماضية.
الاستعانة بالأجانب
تضغط شركات شاحنات النقل باتجاه حلين رئيسين، تخفيض الحد الأدنى لعمر السائقين من 21 إلى 18 عاماً. وإعفاء قطاع شاحنات النقل من بعض اللوائح المتعلقة باستخدام العمالة الوافدة.
الحل الأول منطقي حيث إن شرط العمر كان أكبر عقبة وهو يصب في مصلحة كبار السائقين من خلال إبقائهم في وظائفهم، ومع ذلك فإن الحل الثاني يحتاج نهجاً أكثر عمقاً.
لطالما كنت مؤيدا لاستقبال المزيد من المهاجرين. غير أن النقاد محقون في إشارتهم إلى استخدام المهاجرين في كثير من الأحيان كأداة لخفض الأجور في القطاعات منخفضة المهارات.
يجب أن ينضم قطاع شاحنات النقل إلى المساعي التي تهدف إلى الإصلاح الشامل لقوانين الهجرة، مع إدراك أن الحلول طويلة الأجل هي التي ستؤدي إلى زيادة الإنتاجية. وهو ما يعني الاستثمار في تكنولوجيا الإرسال المتقدمة. والأهم من ذلك، التحول إلى المركبات ذاتية القيادة أو شبه ذاتية القيادة.
الابتعاد عن الحلول السريعة
وبشكل قاطع، فالحكومة ليست بحاجة إلى القيام بشيء لتحفيز هذا النوع من التغييرات، إلا أن عليها الامتناع عن الحلول السريعة مثل الزيادة المؤقتة للعمالة الأجنبية.
ليس هناك حرج في زيادة عدد العمال الأجانب في الولايات المتحدة، فالهجرة أمر أساسي لضمان الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين. لكن الجهود يجب أن تكون شفافة، وأن يتم تنفيذها بطريقة تزيد من الفرص للأمريكيين على جميع مستويات المهن الحرفية.
في الشتاء الماضي، واجه الرئيس جو بايدن ضغوطاً من النشطاء العماليين لرفع الحد الأدنى للأجور. وهو حالياً يواجه ضغوطاً من لوبي الشركات لتغيير القواعد في قطاع يواجه نقصاً حاداً في العمالة.
كان بايدن والكونغرس محقِّين في مقاومة الضغوط في الشتاء الماضي. وعليهم الاستمرار في المقاومة. ساعدت قوى السوق في دفع النمو السريع في كل من الأجور والتوظيف في قطاعي الترفيه والضيافة. ويمكنها أيضا دعم قطاع النقل على اجتياز المرحلة الصعبة المتمثلة في إعادة الهيكلة ونشر التكنولوجيا لتلبية الطلب.
ترك السوق يعمل يتطلب الصبر والانضباط، والنتيجة النهائية اقتصاد أقوى يستفيد منه جميع الأمريكيين.