قبل 30 عاماً بالضبط، أقنعت أخيراً أزمة ميزان المدفوعات التي تلوح في الأفق زعماء الهند بتفكيك اقتصادها الاشتراكي، مما أدى إلى ظهور مؤسسات قطاع خاص وسنوات من النمو الأعلى.
ومع ذلك، فإن هؤلاء المنتقدين وصانعي السياسات الذين يأملون في أن يستغل رئيس الوزراء ناريندرا مودي الركود الناجم عن وباء مرض كوفيد في البلاد لإطلاق إصلاحات دراماتيكية مماثلة، من المرجح أن يصابوا بخيبة أمل.
ليس هذا لأن "مودي" يخاف من المبادرات الجريئة أو يفتقر إلى رأس المال السياسي لتحقيقها فشعبيته لا تزال لا مثيل لها، وكذلك موهبته في حركاته الدرامية. القضية الحقيقية هي أن حكومته والنظام البيروقراطي الهندي، على عكس عام 1991، لم يجرِ إعدادهما للتوصل إلى توافق في الآراء حول الإصلاحات الليبرالية.
وصفة النمو
من المهم أن نتذكر أن إصلاحات عام 1991 لم تأت من فراغ، وأنها مجرد استجابة للأزمة. لقد كانت تختمر منذ أكثر من عقد، مدفوعة جزئياً بنجاح جيران الهند الآسيويين الأكثر انفتاحاً.
لقد تحدت معجزات النمو في بلدان مثل كوريا الجنوبية والصين إجماع ما بعد الحرب العالمية الثانية بأن الدول الأفقر بحاجة إلى حماية صناعاتها الناشئة من المنافسة الخارجية.
أصبح برنامج الانضباط المالي، وإلغاء القيود، وتحرير العملة والتجارة، والخصخصة - المعروف باسم مسودة إجماع واشنطن - الوصفة الرئيسية للبلدان النامية.
شب التكنوقراط الهنود الرئيسيون لدعم مثل هذه الإصلاحات خلال فترة وجودهم في أروقة المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، وبدأوا في تقديمها إلى الهند في فترة الثمانينيات من القرن الماضي.
في حين أن هذه الجهود الأولية لم تسفر عن تغيير فوري، فقد تغلغلت الأفكار في النظام البيروقراطي ووجدت طريقها إلى تقارير اللجان البرلمانية والخبراء.
بحلول عام 1991، بعد سنوات من التشاور والنقاش، كانت الإصلاحات جاهزة للتنفيذ تحت ضغط الأزمة. لقد وجدت الراعي المثالي في وزير المالية آنذاك مانموهان سينغ، وهو اقتصادي متدرب في أكسفورد وحاصل على درجة دكتوراه في السياسة التجارية.
واقع مختلف
شيئان تغيرا في السنوات الأخيرة. أولاً، تحول التركيز الأكاديمي بين نخبة خبراء الاقتصاد في التنمية من مطاردة الازدهار من خلال التجارة الحرة والنمو الاقتصادي إلى إعادة تصميم برامج التخفيف من حدة الفقر وإعادة توزيع الثروة.
تُركز الكثير من الأبحاث على التدخلات الحكومية الأكثر فعالية، باستخدام أساليب مثل التجارب العشوائية ذات الشواهد التي فازت بجائزة نوبل لمايكل كريمر وأبهيجيت بانيرجي وإستر دوفلو في عام 2019.
بينما يختلف عدد قليل من الاقتصاديين حول حاجة الهند لتحرير أراضيها وقوانين العمل، وتنفيذ الإصلاحات الضريبية، وخصخصة البنوك وغيرها من الشركات المملوكة للدولة، إلا أنه لم يعد لتلك الأفكار نفس المكانة السابقة.
ثانيا، لم يعد النظام البيروقراطي يعمل كما كان من قبل، حيث يقوم بفحص المقترحات والعمل على بناء توافق بين الأحزاب. في فترة ولاية "مودي" الأولى لرئاسة الوزراء، جرى إحالة ربع مشاريع القوانين المقدمة إلى البرلمان فقط إلى لجان الخبراء - أقل بكثير من معدلات 71% و60% للحكومتين السابقتين.
في فترته الحالية، انخفض هذا الرقم إلى ما يقرب من 10%. كما لم تنجح عملية التشاور ما قبل مرحلة التشريع التي قدمتها حكومة "مودي" على النحو المُعلن عنه: في ولايته الأولى، جرى معالجة 44 مشروع قانون فقط من أصل 186 من مثل هذه المناقشات.
آفاق قاتمة
في السنوات الأخيرة ، لجأت الهند أيضا إلى جلب الأكاديميين المؤثرين من الخارج مثل رئيس البنك المركزي السابق راغورام راغان بدلاً من بناء كادر من الاقتصاديين المحليين داخل النظام البيروقراطي. لقد حظيت أفكارهم بتأييد محدود من أفراد البيروقراطية المقيمين بالداخل، الذين يقاومون دائماً الآراء الخارجية.
يُنظر حالياً إلى حكومة "مودي" أيضا على أنها تشكك على نحو متزايد في النفوذ الأجنبي أو النخبوي، ويرجع ذلك جزئياً إلى انتقادات المستشارين السابقين الذين عادوا إلى الغرب.
ما كان لدى الهند منذ 30 عاماً مضت وتفتقر إليه في الوقت الراهن هو وجود بنية تحتية يمكنها تحسين الأفكار الجيدة والتقدم بها إلى أعلى المستويات الحكومية.
في خطابه عن الميزانية في يوليو 1991 الذي أعلن فيه التحرير، أعاد "سينغ" صياغة اقتباس فيكتور هوغو القائل: "لا توجد قوة على وجه الأرض يمكنها إيقاف فكرة حان وقتها". لكن الأفكار لا يمكن أن تتطور إلا في بيئة مواتية لرعايتها. وإلى أن تستعيد الهند ذلك، تبدو آفاق إصلاحات اقتصادية ملموسة قاتمة.