كاثرين آن إدواردز: الركود الاقتصادي القادم سيكون من صنع أيدينا

الانكماش الاقتصادي المتوقع سيكون فريداً في تاريخ ما بعد الحرب لدى الولايات المتحدة حيث سيكون أول انكماش ناتج مباشرة عن سياسات البيت الأبيض

time reading iconدقائق القراءة - 8
مشاة يحملون حقائب تسوق في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
مشاة يحملون حقائب تسوق في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، الولايات المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يتجه الاقتصاد الأميركي ببطء نحو الركود، نتيجة اتباع إدارة ترامب ثلاث سياسات انكماشية في آنٍ واحد: تقليص حجم الحكومة الفيدرالية؛ وفرض رسوم جمركية واسعة النطاق؛ وترحيل العمال. ما لم يتم التخلي عن هذه السياسات التي تُقزّم الاقتصاد، فإن حدوث الركود يكاد يكون محتوماً.

الركود أمرٌ يحدث. لقد شهدنا 13 ركوداً اقتصادياً منذ الحرب العالمية الثانية. وجميعها تتبع نمطاً مألوفاً: سيتم إلغاء وظائف، وسيتباطأ التوظيف، وسيرتفع معدل البطالة. كما ستغلق بعض الشركات أبوابها، وسيتخلى بعض العمال عن سوق العمل، وسيكون نمو الأجور ضعيفاً. وعندما يبدأ التعافي، فقد يستغرق الأمر سنوات حتى يتعافى الاقتصاد بالكامل.

خصوصية الركود القادم

ومع ذلك، فإن كل ركود اقتصادي له خصوصية. فتطور الاقتصاد بشكل مستمر يعني أن الظروف المحيطة بكل ركود وتعافٍ ليست متطابقة أبداً. وبناءً على ذلك، من المفيد النظر في العوامل التي ستجعل الركود القادم مختلفاً.

بدايةً، يمكن القول إن هذا الركود هو الوحيد الناتج مباشرةً عن سياسات البيت الأبيض. وبالطبع، فإن معظم فترات الانكماش الاقتصادي تتأثر بالسياسات، لكن هناك عادةً العديد من الفرص لتصحيح المسار بين السبب والنتيجة.

على سبيل المثال، فإن الركود الاقتصادي عام 2008، الذي صاحب الأزمة المالية العالمية واستمر حتى عام 2009، بدأ جزئياً بسبب قرار اتُّخذ في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون بعدم تنظيم المشتقات المالية المتداولة خارج البورصة، رغم التحذيرات من أن غموضها ينطوي على مخاطر. لكن الأزمة المالية لم تتبلور بالكامل إلا بعد عقد من الزمن. أما اليوم، فالمسار واضح وسريع.

الأمر الإيجابي، إن وجد، هو أنه على الرغم من إغلاق الوكالات الفيدرالية، فإن معظم العمال المسرَّحين يعتبرون رسمياً في إجازة، وبالتالي لا يزالون يتقاضون رواتبهم كاملة.

وفورات الحكومة غير حقيقية

بالإضافة إلى ذلك، زعمت إدارة كفاءة الحكومة تحقيق وفورات مالية كبيرة، لكن عند التحقق من هذه الادعاءات، يتضح أنها غير دقيقة، إذ لا توجد مؤشرات فعلية على تراجع الإنفاق الحكومي.

تركّزت عمليات ترحيل العمال على مجموعات صغيرة من الأفراد، ولم تصل إلى مستوى الطرد الجماعي الذي وعد به البيت الأبيض.

لكن الرسوم الجمركية المفروضة من الطرفين -الولايات المتحدة وشركائها التجاريين- رداً على ذلك، تؤثر سلباً على الاقتصاد، مما يؤدي إلى تباطؤ الأعمال وزيادة عدم اليقين لدى المستهلكين.

الاقتصاد في تراجع: توقعات جديدة

شركات وول ستريت تُسارع حالياً إلى خفض توقعاتها بشأن حجم التوسّع الذي سيشهده الناتج المحلي الإجمالي. المؤشر الذي تصدره الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، والذي يُتابَع على نطاق واسع لقياس أداء الاقتصاد في الزمن الحقيقي، قد تحوّل إلى النطاق السلبي. في الوقت نفسه، تُسجّل كل من "كونفرنس بورد" وجامعة ميشيغان انخفاضات حادة في ثقة المستهلكين.

الركود الاقتصادي المرتقب يطرح سؤالين لا ينطبقان على فترات التراجع السابقة. أولاً، إذا كانت سياسة ما هي السبب في حدوث الركود، فهل سيقوم المشرّعون بإيقاف هذه السياسة عندما ينكمش النشاط الاقتصادي؟ وثانياً، إذا فعلوا ذلك، فهل سيكون ذلك كافياً لمنع الركود أو التخفيف من حدّته؟ لا توجد إجابة قاطعة لأي من هذين السؤالين، بل مجرد تخمينات.

رؤية ترمب حول الركود

بدأ الرئيس دونالد ترمب يتبنى فكرة أن الركود أمر لا مفر منه، قائلاً إن المعاناة الاقتصادية ضرورية لتحقيق "العصر الذهبي" الذي يتخيله لأميركا- وهو شعور غاب بشكل ملحوظ في حملة انتخابات 2024.

لكنه تراجع عن الرسوم الجمركية المقترحة عدة مرات بالفعل هذا العام، وقد يفعل ذلك مرة أخرى إذا كان رد فعل الأسواق المالية سلبياً بما يكفي. وبالطبع، يمكن أن يتدخل الكونغرس إذا لزم الأمر. 

قد يكون كل هذا قد حدث متأخراً جداً. غالباً ما تكون فترات الركود ذاتية التحقق، حيث إذا كان هناك عدد كافٍ من الناس يعتقدون أنه سيحدث، فسيحدث بالفعل، حيث يقلص المستهلكون إنفاقهم ويقوم رجال الأعمال بتسريح العمال استعداداً للانكماش الذي لا مفر منه.

الركود.. ثلاث ضربات على الطلب الكلي

يتعرض الطلب الكلي في الاقتصاد لثلاث ضرباتٍ خلال فترات الركود: العمال الذين يفقدون وظائفهم والعمال الذين يخشون فقدان وظائفهم يخففون من إنفاقهم والعمال الذين يحتفظون بوظائفهم ولكنهم يعانون من تباطؤٍ كبير في نمو الأجور، مما يؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية. جميع هذه الفئات الثلاث تقلل من الإنفاق بدرجات متفاوتة. يمكن إيقاف الرسوم الجمركية، لكن هل يمكن إعادة تنشيط الطلب؟

بصرف النظر عن سببه، الركود الحالي سيكون مختلفاً بسبب عاملين جديدين، الأول هو أن جيل مواليد" الطفرة السكانية" الضخم  وأصغرهم سناً يبلغ من العمر 61 عاماً، أصبح معظمه في مرحلة التقاعد الآن.  

التركيبة العمرية وتأثير السياسات النقدية

أدى التحول في التركيبة العمرية للقوى العاملة إلى هيمنة فئة الشباب على سوق العمل. إلا أن الدراسات أظهرت أن العمر يلعب دوراً في مدى تأثير السياسات النقدية على الاقتصاد؛ فالشريحة الأصغر سناً (أقل من 35 عاماً) تُضعف من فاعلية هذه السياسات، بينما تعزز الفئة العمرية المتوسطة (40 إلى 65 عاماً) من تأثيرها.

في المقابل، اتسعت الفجوة بين الأثرياء والفقراء في الولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة. إذ تحصل الأسر ضمن أعلى 10% من حيث الدخل على نحو نصف إجمالي الدخل في البلاد، وتتحمل أيضاً أكثر من نصف إجمالي الإنفاق.

ويزداد أثر الركود عمقاً عندما يعتمد الاقتصاد على مصدر دخل رئيسي واحد. فالفئات التي تستند بشكل رئيسي إلى سوق الأسهم، وغالباً ما تكون من الأثرياء أو المستثمرين، أظهرت حساسيتها لتقلبات السوق، ما ينعكس مباشرة على قراراتها الاستهلاكية. وبالتالي، فإن سلوك هذه الشريحة خلال الركود المقبل قد يترك أثراً اقتصادياً أكبر مقارنة بفترات الركود السابقة.

في المقابل، يضطر كثير من الأفراد إلى إنفاق الدخل على الاحتياجات الأساسية، مثل الغذاء، ما يجعل هذا الإنفاق ضرورة لا خياراً. ويطرح هذا تساؤلاً مهماً حول مصير الطلب الكلي الذي يعتمد بدرجة أكبر على الإنفاق المرتبط بالثقة وارتفاع قيم الأصول.

ركود ما بعد الحرب: خصوصيات ومفارقات

تميزت كل فترة ركود شهدها الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية بسمات خاصة جعلتها فريدة في سياقها التاريخي. فقد سجّل ركود عام 2020 أعلى معدل بطالة منذ الكساد الكبير، بينما شهدت الأزمة المالية العالمية في 2008-2009 أكبر عدد من الأشهر المتتالية لفقدان الوظائف، وأطول مدة لاستعادة الوظائف المفقودة. أما ركود عام 1981، فجاء بعد أقصر فترة فاصلة عن الركود السابق، في حين ارتبط ركود 1973 بأسوأ صدمة في العرض.

لكن الركود الحالي يختلف عن كل ما سبقه، لكونه أول ركود يُعزى بشكل مباشر إلى قرارات السياسات الاقتصادية نفسها، ما يجعله "ذاتياً" أو "مفتعلاً"، وليس ناتجاً عن صدمة خارجية أو أزمة مالية.

قد يرى بعض المختصين في تاريخ السياسة النقدية أن ركود 1981 كان أيضاً نتيجة لتشديد نقدي قاسٍ، غير أن ذلك التشديد جاء استجابة لظروف اقتصادية استثنائية، حيث تجاوز معدل التضخم آنذاك حاجز 10%.

في المقابل، تُتخذ اليوم إجراءات مثل فرض الرسوم الجمركية، وتقليص الإنفاق الحكومي، وترحيل العمال، في وقت لا يتجاوز فيه معدل البطالة 4%، ولا يتعدى معدل نمو الأسعار 3%. ورغم أن تقليص الإنفاق قد يُعد إجراءً ضرورياً ومؤلماً في بعض الحالات، فإن الإجراءات الأخرى تبدو أقرب إلى خيارات سياسية لا تفرضها ضرورات اقتصادية.

وهكذا، فإن الركود الناتج عن السياسات الحالية يمثل شكلاً من "الركود المُشرّف" السيئ، الذي لا ينبغي أن يحدث أساساً.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

واشنطن

6 دقائق

14°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى 11°/15°
14.8 كم/س
63%

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.