
لطالما اعتقد الجمهوريون أن القطاع الخاص يستطيع أن يتولى الدور المنوط بالحكومة الاتحادية بشكل أفضل وأسرع وأقل تكلفة.
لذا، لا ينبغي أن يصدمنا كشف وزير الخزانة سكوت بيسنت حديثاً عن خطة أوسع تُلقي الضوء على التخفيضات التي تبدو عشوائية من إدارة ترمب في الموظفين والوكالات الاتحادية، فقد قال بيسنت إن الهدف الأكبر للرئيس دونالد ترمب هو "إعادة خصخصة الاقتصاد".
هذا يبين أن إيلون ماسك ووزارة الكفاءة الحكومية غير الرسمية التي يديرها يسعيان لتقليص الوكالات بالحد الأقصى الممكن، وإسناد ما يتبقى منها إلى قطاع خاص سيكون تنظيمياً أقل تقييداً بكثير. وقد اقترح ماسك حديثاً في مؤتمر ”مورغان ستانلي“ أنه على الحكومة أن تخصخص "قدر الإمكان".
طعن قضائي على سلطة إيلون ماسك في حكومة ترمب
حتى الآن، لا تكفي تخفيضات وزارة الكفاءة الحكومية لإحداث أثر كبير في الدين الوطني أو لناحية تعويض التخفيضات الضريبية على الأثرياء التي اقترحها ترمب. كما لم تعزز الكفاءة الحكومية، وهي مهمة تتطلب تقييماً عميقاً. كما لا يوجد دليل على أن "الاحتيال والهدر والإساءة" التي يدّعي ماسك اكتشافها ما هي إلا إنفاقٌ يعارضه هو وترمب.
إذا عُرف السبب بطل العجب
لكن إن كان الأمر وسيلةً لدفع البلاد نحو خصخصة شاملة للخدمات، فإن التخفيضات تصبح منطقية. ليست هناك حاجة تُذكر لهيئة أرصاد جوية وطنية قوية إن كانت مهمة رصد الأنواء ستسند إلى شركات خاصة. وينطبق هذا على خدمة البريد الأميركية، التي لطالما رغب ترمب في خصخصتها برغم أن الدستور يحميها.
لكن تخفيضات كهذه ستُحدث اضطراباً كبيراً في حياة الأميركيين، خاصة في المناطق التي يحظى فيها ترمب بشعبية أكبر. قال نورمان أورنشتاين، المحلل السياسي في معهد ”أميركان إنتربرايز“ المحافظ، إنه لم يشهد قط جهوداً بهذه السرعة والانتشار. وقال: "الناس الذين سيعانون من ضرر أكبر هم سكان الولايات الجمهورية". لكننا سنبدأ برؤية قصص مخيفة في جميع أنحاء البلاد. سيكتشف من لا يعتقد أن الحكومة تفعل شيئاً من أجله ما يعنيه غياب شبكة الأمان والحماية وكذلك التجارب السريرية من المرحلة الرابعة، لأن الشركات الخاصة لن تغطي تكاليفها“.
تكمن مشكلة الخصخصة في أنها نادراً ما تنجح. إذ تعمل الشركات الخاصة وفقاً لمعايير مختلفة عن الحكومة الاتحادية، وهدفها الأساسي هو جني القدر الأقصى من الأرباح.
الديموقراطيون يشيطنون إيلون ماسك
لنأخذ مكتب البريد كمثال. ينبغى أن يصل البريد إلى كل زاوية وقرية في الولايات المتحدة، مهما كانت نائية. لقد أوصى ”بنك ويلز فارغو“، في تقرير عن خصخصة خدمة البريد، بإلغاء "التزام الخدمة الشاملة" المكلف. وبذلك قد يصبح التوصيل إلى المناطق "غير المربحة" مثل المناطق الريفية متقطعاً أو أن يتوقف كليةً. (لقد حصد ترمب 63% من الأصوات في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة).
أدوية المسنين والتعليم الحكومي
في كثير من المناطق الريفية، ما يزال سعاة البريد شريان حياة، حيث ينقلون الأدوية الضرورية لكبار السن ممن إما لا يغادرون منازلهم أو أنهم بعيدون عن الصيدليات. على سبيل المثال، تُوفر وزارة شؤون المحاربين القدامى 80% من الأدوية عبر البريد، وقد يُقلّل التحول إلى خدمة بريد خاصة من إمكانية الوصول ويرفع الأسعار. (وقد صوّت نحو 6 من كل 10 محاربين قدامى لترمب).
لنأخذ التعليم على سبيل المثال. أمر ترمب وزيرة التعليم ليندا مكماهون، وخبرتها العملية تتعلق بالترويج لمصارعة المحترفين وليست في التعليم، بإغلاق وزارتها أو الاقتراب من ذلك بقدر الإمكان. تُنفق الوزارة معظم أموالها على مساعدة الطلاب في المناطق الريفية، والطلاب ذوي الإعاقة، والطلاب ذوي الدخل المحدود. (لقد صوّتت غالبية الأميركيين من ذوي الدخل المحدود لترمب).
ترمب يبدأ تفكيك وزارة التعليم وسط انتقادات
كما جعل ترمب من مسألة قسائم المدارس أولويةً، وهي وسيلة تُتيح للأسر استخدام أموال الضرائب المخصصة للمدارس الحكومية كي تسجل أطفالها في مدارس خاصة. لكنها نادراً ما تغطي رسوم المدارس الخاصة والتكاليف الأخرى مثل الكتب والزي المدرسي والمواصلات. الأهم من ذلك، أن هذه المدارس يمكنها اختيار من ستقبل من الطلاب، ما يُتيح خيارات محدودة للطلاب من ذوي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة. في نوفمبر، رفض جميع الناخبين في نبراسكا وكنتاكي وكولورادو قسائم المدارس.
ماذا عن إنذارات الطقس المتطرف؟
ثم هناك التنبؤ بالطقس، وهو أمر بالغ الأهمية للتخفيف من آثار الأنواء الشديدة. مع ذلك، سرّح ماسك أكثر من 1300 موظف من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، التي تشمل هيئة الأرصاد الجوية الوطنية ومركز الأعاصير. والآن، يُطلب من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي تسريح 1000 موظف آخر. وهذا يعني أن تخسر خُمس قوة العمل لديها في أقل من شهرين.
يدعو مخطط "مشروع 2025" الذي يتبناه المحافظون إلى تفكيك الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، وجعل عمليات هيئة الأرصاد الجوية تجاريةً برمتها. لكن الشركات الخاصة لن تستطيع تكرار الشبكة المعقدة من الأقمار الصناعية والأبحاث والشراكات الموجودة لدى الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، حتى لو استطاعت تحمل تكلفة ذلك. وقد تقرر الشركات التي تفعل ذلك استرداد استثماراتها من خلال فرض رسوم أعلى على تحذيرات العواصف الفورية، على سبيل المثال.
مرة أخرى، سيتحمل ناخبو ترمب معظم العبء. وجد تحليل لوكالة ”أسوشيتد برس“ أن الولايات الحمراء تلقت ما يزيد بنسبة 15% في نصيب الفرد من مساعدات الكوارث الاتحادية منذ 2011، لأنها كانت أكثر تعرضاً بقليل للكوارث الطبيعية - مثل الأعاصير التي ضربت ولايات كانساس وميسيسيبي وميسوري وأوكلاهوما وتكساس وأركنساس هذا الشهر.
ماذا لو أخفقت وزارة الكفاءة بخفض الإنفاق الأميركي؟
كان المحافظون يسعون إلى خصخصة الخدمات الحكومية منذ ما لا يقل عن 40 عاماً، لكن هذا المسعى حقق تقدماً كبيراً مع ترمب وماسك.
بمجرد تقليص الإدارات والهيئات إلى الحد الأدنى على يد ماسك وترمب، ستعجز عن أداء واجباتها. وإذا تدخلت الشركات لتوفير هذه الخدمات الأساسية، فقد يجد الجمهور أن أسعارها ليست في متناولهم.