
عكس محتوى أحدث رسالة من شركة "بيركشاير هاثاواي" لمساهميها اللمسات التقليدية لأفكار وارن بافيت. تطرق "عرّاف أوماها" إلى أهمية شفافية الشركات، وأكّد ثقته بخليفته المعين غريغ آبل، وتناول أرباح التشغيل غير العادية لشركته التي بلغت 47.4 مليار دولار في 2024. لكن حين تجمح السياسة، يصعب ألا نجد في الرسالة بعض النصائح للرئيس دونالد ترمب.
فيما يلي جمع لما كان بارزاً من تلك الأفكار.
دفع الضرائب فعل وطني
تأتي أحدث رسالة لبافيت في فبراير، فيما يدعم ترمب خطة مجلس النواب لتمديد الإعفاءات الضريبية الفردية والتجارية التي أقرها في 2017 وينقضي أجلها في نهاية 2025. من شأن هذا وغيره من البنود المدرجة في الاقتراح أن يجعل التخفيضات الضريبية تبلغ 4.5 تريليون دولار على مدى عقد. لذا كان جديراً بالملاحظة أن بافيت خصص جزءاً من رسالته للتباهي بأن "بيركشاير" دفعت ضرائب قياسية في 2024، واعتبر ذلك علامة نجاح وحصافة إدارة.
جاء في الرسالة: "دفعت [بيركشاير] ضريبة دخل شركات أكثر بكثير مما تلقته الحكومة الأميركية من أي شركة، ومنها عملاقات التقنية الأميركية ذات القيم السوقية التريليونية. على وجه التحديد، دفعت بيركشاير العام الماضي أربع دفعات إلى مصلحة الضرائب بلغ مجموعها 26.8 مليار دولار. وهذا حوالي 5% من إجمالي ما دفعته الشركات الأميركية".
مضى إلى قوله في مقطع لاحق: "يأمل أبناء وبنات أخوتك في بيركشاير يوماً ما أن يرسلوا [لحكومة الولايات المتحدة] مدفوعات أكبر مما دفعناه في 2024. أنفقها بحكمة. اعتن بالكثرة ممن هم أقل حظوظاً بلا ذنب اقترفوه، فهم يستحقون أفضل من ذلك".
هذه رسالة مهمة لحكومة تقرن تخفيف الضرائب عن الأثرياء بالجهود التي يبذلها إيلون ماسك ووزارة كفاءة الحكومة التابعة له لخفض الإنفاق بشكل يبدو عشوائياً.
الادخار مذهب أميركي
تضمنت مناقشته للضرائب سلسلة من ملاحظات بافيت الكلاسيكية حول أهمية الادخار. وفق رواية بافيت، أصبحت أميركا أمة عظيمة لأن رأسمالييها الوطنيين وفروا المال واستخدموه بحكمة.
قال: "صحيح أن بلادنا في بداياتها كانت تقترض من الخارج أحياناً لدعم ما ادخرناه. لكن في الوقت نفسه، كنا نحتاج أن يدّخر كثير من الأميركيين باستمرار، ثم كنا نحتاج أن يوظف هؤلاء المدخرون أو الأميركيون الآخرون رؤوس أموالهم المتاحة بحكمة. لو استهلكت أميركا كل ما أنتجته، لكانت البلاد في جعجعة بلا طحن".
هذه رسالة قوية لبلد يدفع نفقات فائدة تفوق ما ينفقه على جيشه، كما تراكم عليه دين وطني أكبر من إجمالي ناتجه المحلي الإجمالي. الواقع أن ترمب يكتفي بالحديث عن معالجة المشكلة والسماح لماسك بالتصرف كشخص يشد الحزام، لكنه لم يكن منفتحاً إطلاقاً على اتخاذ الخيارات الصعبة التي يتطلبها فعل أي شيء حقاً، ومن ذلك، على سبيل المثال، التخلي عن التخفيضات الضريبية.
كما ناقش بافيت الادخار في سياق "بيركشاير" نفسها. ويعود إلى سرديته المحببة القديمة في مقته لتوزيعات الأرباح، وقد دأب على ذكر ذلك منذ رسالته الشهيرة عام 1984 على الأقل.
في أحدث تأملاته، قال إن "مساهمي بيركشاير شاركوا في المعجزة الأميركية بالتخلي عن توزيعات الأرباح، وبالتالي اختيار إعادة الاستثمار بدل الاستهلاك". وبيّن أن الاستثمار هو ما جعل أميركا عظيمة، ويرى أن رعاية استثمارات الأميركيين مسؤولية مقدسة.
إليكم نص قوله عن ذلك: "لم تكن المسيرة الأميركية جميلة دائماً، فقد كان في بلادنا دوماً كثير من الأرذال والمروجين الذين يتنفعون على من يقعون في شرك ائتمانهم على مدخراتهم. لكن حتى مع مثل هذه التعديات، التي ما تزال قائمة بقوة اليوم، وأيضاً مع تسخير قدر كبير من رأس مال تعثر في نهاية المطاف بسبب المنافسة الشرسة أو الابتكارات الثورية، فقد قدمت مدخرات الأميركيين ناتجاً يتجاوز كماً ونوعاً أحلام أي مستعمر".
من قبيل التكهن أعتقد أن بافيت، الذي وصف بتكوين بأنها "قد تكون سم جرذان مفعوله مضاعف"، ليس من محبي عملة ($Trump) التي أصدرها ترمب في يناير، ويمكنكم استخدامها للانخراط في شراء أحذية رياضية وساعات وعطور تحمل علامة ترمب التجارية.
حماية الدولار
وأخيراً، استخدم بافيت تأملاته السنوية للتأكيد على أهمية العملة المستقرة. قال: "لا تنسَ أبداً أننا في حاجة [إلى الحكومة] للحفاظ على عملة مستقرة، وأن هذه النتيجة تتطلب الحكمة واليقظة من جانبك".
لقد أصبحت سياسة العملة موضع تركيز في الشهر الأول من رئاسة ترمب، رغم أنه يصعب معرفة ما يريده الرئيس بالضبط. من جانب نسمع ترمب يقول إن الدولار يجب أن يحتفظ بدوره في التجارة العالمية، ويهدد كل من يسعى لإحداث بديل. ومن جانب آخر أعرب كثير من مستشاري ترمب، ومنهم مرشحه لرئاسة مجلس مستشاريه الاقتصاديين ستيفن ميران، عن أسفهم للطرق التي أثر بها الدولار القوي على الصادرات. وقد تكون هنالك أفكار تتناول خفض قوته، وهي تجربة من شأنها أن تؤدي لهروب رأس المال وعواقب كارثية على الاقتصاد.
بالطبع، كتب بافيت عن استقرار العملة عدة مرات على مر السنين، ويبدو في كثير من الأحيان وكأنه يتحدث عن الطريقة التي يؤدي بها التضخم إلى تآكل القوة الشرائية للدولار بالنسبة للمستهلكين المحليين. في رسالته إلى المساهمين في عام 2011، كتب بافيت هذه العبارة اللاذعة: "عملتنا تحمل عبارة نحن نثق في الله، لكن اليد التي تحرك مطبعة حكومتنا كانت بشرية جداً".
على جبهة التضخم، يتصرف ترمب مثل طفل مؤذٍ يحمل أعواد ثقاب. وفي لحظة كان الأميركيون فيها لم يستعيدوا بعد توازنهم جرّاء التضخم الذي شهدته السنوات الأربع الماضية، يفرض ترمب رسوماً جمركية ويطلق مناوشات تجارية في مختلف أنحاء العالم، وهي التطورات التي تعد بدفع أسعار المستهلك إلى الارتفاع، وإلغاء ما تبني عليه الأسر توقهاتها حيال التضخم. كما لن تساعد خططه لخفض الضرائب وجهوده الرامية إلى تقييد عدد العمال المهاجرين في الاقتصاد.
نأمل أن يجد ترمب بعضاً من "الحكمة واليقظة" التي يتحدث عنها بافيت ويعيد النظر في هذه الوصفة التي تفضي إلى تضخم متصاعد. في الوقت نفسه، مع احتدام المناقشة بين التخفيضات الضريبية وواجب الحكومة تجاه الأميركيين الضعفاء، فإن النجاح الفريد لشركة "بيركشاير" ودفعها ضرائب قدرها 26.8 مليار دولار هو مثال على ما قد يبدو عليه الرخاء المشترك.