أندرياس كلوث: "أميركا أولاً" تتحول سريعاً إلى "أميركا المعزولة".. وربما المكروهة

أميركا في عهد ترمب الجديد تتحول من قوة حميدة إلى تهديد والدول تسرّع جهودها لإيجاد بديل في التجارة والأمن

time reading iconدقائق القراءة - 6
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - Getty Images
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - Getty Images
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

أميركا أولاً، كما يمارسها الرئيس دونالد ترمب في ولايته الثانية، ستتحول بدلاً من ذلك، ربما عاجلاً وليس آجلاً، إلى أميركا المعزولة أو حتى أميركا المكروهة. لا أتصور كيف يمكن لمثل هذه النتيجة أن "تجعل أميركا عظيمة" مجدداً، ولا بد أن يدفع ذلك أنصار ترمب إلى التأمل قبل فوات الأوان.

فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، خاض ترمب حملته الانتخابية متعهداً بأنه، من خلال "القوة" وحدها، سيكون صانع سلام، وسينهي حروباً مثل تلك التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا في غضون 24 ساعة، وسيمنع اندلاع صراعات جديدة. لكن منذ إعادة انتخابه، ولا سيما منذ تنصيبه، تبنى ترمب نبرة جديدة، وهي التي اعتاد استخدامها في الشؤون الداخلية: نبرة المتنمر.

هدد ترمب بالفعل الدنمارك، لأنه يريد غرينلاند؛ وبنما، لأنه يريد الاستحواذ على قناة بنما؛ وكندا، لأنه يسعى إلى ضمها باعتبارها الولاية الحادية والخمسين؛ وكولومبيا، لأنها ترددت للحظة في استقبال بضع طائرات محملة بمهاجريها؛ وجنوب أفريقيا، لأنه مقتنع بأن حكومتها عنصرية، أي معادية للبيض.

كما هدد بشكل غير مباشر شريكين آخرين لأميركا، وهما مصر والأردن، لأنه يريد "السيطرة" على قطاع غزة، والتي تتطلب إعادة توطين سكان القطاع البالغ عددهم مليوني شخص قسراً في دول أخرى بالمنطقة. إضافة إلى ذلك، لجأ إلى التلويح بالرسوم الجمركية ضد شركاء أميركا التجاريين، بما في ذلك كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي. (من اللافت أنه، حتى الآن، لم يتحدث بصرامة مماثلة تجاه خصوم أميركا، لا سيما روسيا والصين).

اقرأ المزيد: محررو بلومبرغ: الابتزاز التجاري سيرتد على الولايات المتحدة الأميركية

نموذج حميد وليس عدائياً في الماضي

كيف سترد هذه الدول، وأخرى غيرها، لأن العالم بأسره يراقب؟ في ثمانينيات القرن الماضي، طور  ستيفن والت، وهو باحث من المدرسة الواقعية للعلاقات الدولية، نظرية للإجابة عن هذا السؤال.

قام والت بتحديث المفهوم الواقعي التقليدي القائل إن الدول أو الإمبراطوريات تسعى عموماً إلى تحقيق "توازن القوى" من خلال تشكيل تحالفات ضد الأكثر قوة بينها. لكنه رأى أن هذا الطرح لا يمكن أن يكون صحيحاً، لأنه لو كان كذلك، لكانت العديد من الدول قد تحالفت ضد الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أصبحت أقوى قوتين عظميين. وبعد نهاية الحرب الباردة، عندما بات العالم لفترة وجيزة أحادياً تحت الهيمنة الأميركية دون منازع، كان ينبغي أن تتكتل المزيد من الدول ضدها، لكن العكس هو ما حدث. فقد واصلت أميركا استقطاب المزيد من الحلفاء، ليصل عددهم اليوم إلى نحو 70 دولة، فضلاً عن العديد من الشركاء التجاريين.

السبب في ذلك هو أن أميركا قدمت نموذجاً حميداً، وليس عدائياً. قيّدت قوتها طوعاً واستخدمتها لحماية نظام تجاري مفتوح ومعايير القانون الدولي، فيما أصبح يُعرف بـ"باكس أميركانا" أو "النظام الدولي القائم على القواعد". شعرت الدول الأخرى، لا سيما الصغيرة منها، بأمان أكبر في ظل القيادة الأميركية، وسعت إلى الانضمام إلى هذه الشبكات التي تقودها الولايات المتحدة.

لا تُشكِّل الدول تحالفات جديدة ضد قوة مثل الولايات المتحدة، وفقاً لفرضية والت، إلا عندما تصبح تلك القوة مهيمنة ومهدِّدة في الوقت ذاته (كما حدث مع ألمانيا القيصرية في أواخر القرن التاسع عشر، على سبيل المثال). واقترح والت أن أفضل مفهوم يفسر العلاقات الدولية ليس "توازن القوى" بل "توازن التهديد".

اقرأ المزيد: أندرياس كلوث: أميركا أمام خيارين الحمائية أو القيادة

أميركا في عهد ترمب قوة تهديد

في هذا العصر الجديد الذي يقوده ترمب، يبدو أن أميركا قد تحولت من قوة حميدة إلى قوة تهديد. إذ يحتقر ترمب مفهوم "باكس أميركانا" (ويعتبره استغلالاً)، ولا يمانع الإمبريالية طالما أنه أحد اللاعبين، حتى لو كان ذلك يعني عودة العالم إلى الفوضى.

كما تتوقع نظرية والت، يبدو أن الدول تسرّع جهودها لإيجاد ترتيبات بديلة في مجالي التجارة والأمن بعيداً عن الولايات المتحدة. إذ يجري الاتحاد الأوروبي محادثات مع دول في أميركا اللاتينية وآسيا، بينما تنضم المزيد من الدول إلى "بريكس"، وهو تجمع يرى نفسه بديلاً عن مجموعة السبع التي تقودها الولايات المتحدة، كما تعزز رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) علاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي في الشرق الأوسط، وغير ذلك.

هذا التحول مذهل بشكل خاص لمن يدرك أبعاده. في نهاية الأسبوع الماضي، خاض المستشار الألماني الحالي، أولاف شولتس، مناظرة مع منافسه فريدريش ميرتس قبيل الانتخابات الفيدرالية المقررة هذا الشهر. منذ الحرب العالمية الثانية، كانت ألمانيا الغربية ثم ألمانيا الموحدة تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها "شخصية الأب"، كمحرر تحول إلى منقذ، ومرشد في الديمقراطية. حتى إن ميرتس كان سابقاً رئيساً لـ"أتلانتيك بريدج" (Atlantic Bridge)، وهي منظمة تهدف إلى تعزيز الصداقة الألمانية-الأميركية.

مع ذلك، فإن الاثنين، رغم اختلافهما الحاد في معظم القضايا الأخرى، بديا متفقين تماماً على أن أميركا تحولت من صديق إلى تهديد. بل إن ميرتس نقل مخاوف خاصة أعرب عنها له رئيس وزراء الدنمارك. واتفقا على أنه في مجال التجارة وفي غيره، يجب على أوروبا، بما في ذلك بريطانيا (التي غادرت الاتحاد الأوروبي)، أن تتكاتف، ليس مع أميركا، بل ضدها.

ترمب كشخص، وحركة "اجعل أميركا عظيمة مجدداً" كمشروع سياسي، يرتكبان خطأً كارثياً بخلطهما بين استعراضات القوة الطائشة وغير الناضجة، أي القدرة على إيذاء الحلفاء الأضعف، وبين المجد الحقيقي والدائم الذي ينبع من استخدام القوة لجعل العالم أكثر أماناً وأفضل حالاً، من خلال تقوية التحالفات وردع الخصوم. أصبحت أميركا في عهد ترمب تهديداً. فلا ينبغي لأحد أن يُفاجأ حين يبحث العالم مرة أخرى عن التوازن، وتجد أميركا نفسها وحيدة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

واشنطن

10 دقائق

13°C
مطر خفيف
العظمى / الصغرى 13°/14°
9.3 كم/س
92%

ماذا لو قطع ترمب المساعدات الأميركية عن الأردن؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
المصدر:

الشرق

يقف الاقتصاد الأردني في محيط ملتهب من الأزمات المتتالية ليس آخرها حرب غزة، وتداعياتها على عدد من القطاعات الرئيسية، لكن جاء تهديد دونالد ترمب بقطع المساعدات الأميركية عن عمان في حال رفضها لخطته بتهجير فلسطينيين من قطاع غزة إليها، ليزيد الأعباء على البلد الذي يعاني شحاً في الموارد وارتفاعاً في فاتورة الطاقة وتراجعاً في معدلات السياحة والاستثمار.

ويتلقى الأردن مساعدات أميركية سنوية تقدر بأكثر من 1.5 مليار دولار، منها 350 مليون دولار مخصصة لمشاريع حيوية تديرها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تشمل قطاعات التعليم والصحة والبلديات وغيرها. وتأتي تهديدات ترمب الجديدة، بعد إعلانه مؤخراً عن تعليق التمويل للوكالة الأميركية للتنمية في مختلف دول العالم لمدة 90 يوماً، ما نتج عنه مواجهة مئات المشاريع التنموية في الأردن لخطر التوقف، وفقدان العاملين لوظائفهم، ما يزيد الضغوط على الحكومة الأردنية.

"الشرق" رصدت من خلال تغطية خاصة تحت عنوان "مستقبل الاقتصاد الأردني"، رؤى مسؤولين وخبراء أردنيين، بشأن تداعيات تنفيذ ترمب لتهديداته على الاقتصاد الأردني، وتأثير الأزمات المحيطة بالبلاد على قطاعات السياحة والطاقة، وكيفية خروج عمان من هذه الأزمات المتلاحقة وما البدائل للمساعدات الأميركية إذا تم قطعها بالفعل.

المساعدات الأميركية لمصر والأردن عبر 'USAID' في 2023 - الشرق
المساعدات الأميركية لمصر والأردن عبر 'USAID' في 2023 - الشرق

بعد زيارة فريق من موظفي صندوق النقد الدولي، للأردن في أكتوبر الماضي، لإجراء المراجعة الثانية لبرنامج تمويلي، قال الصندوق إن استمرار الصراع في المنطقة واتساع رقعته، أثر على اقتصاد الأردن أكثر مما كان متوقعاً عند الموافقة على برنامج قرض بقيمة 1.2 مليار دولار في يناير 2024.

اقرأ أيضاً: صندوق النقد: تأثير الصراع على اقتصاد الأردن أكبر من المتوقع

لا مساعدات بالمجان

جواد العناني نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الأردني الأسبق، استبعد في مقابلة مع "الشرق" أن يوقف ترمب المساعدات الأميركية للأردن، موضحاً أنه "لاتوجد مساعدات بالمجان" فالأردن حليف استراتيجي لأميركا ولديها تعاون عسكري قوي وشراكة اقتصادية معها، ومن الصعب فك ارتباطهما بسهولة.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب، هدد بإيقاف المساعدات للأردن ومصر إذا لم تستقبلا اللاجئين من قطاع غزة، وعبر مجدداً خلال لقائه ملك الأردن عبد الله الثاني، يوم الثلاثاء الماضي، عن اعتقاده في أنه سيحصل على "قطعة أرض في الأردن، وأيضاً في مصر".

وفي المقابل، قال الملك عبد الله الثاني، في منشور على منصة "إكس"، عقب اللقاء إنه أكد خلال مباحثاته مع ترمب، موقف الأردن الثابت ضد تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.

واعتبر العناني أنه إذا حدث وقف للمساعدات، فسيكون تأثير ذلك محدوداً على البلاد، خاصة أن إجمالي المساعدات الأميركية لا تمثل سوى 6% من الموازنة العامة ويمكن تعويضها من أكثر من مصدر.

طالع أيضاً: توترات البحر الأحمر تحيي خط التجارة الرابط بين مصر والأردن والعراق

وقف المساعدات يزيد العجز

في  عام 2022، وقعت الولايات المتحدة والأردن مذكرة تفاهم مدتها 7سنوات، وبموجبها تقدم واشنطن لعمان مساعدات اقتصادية وعسكرية بقيمة 10.15 مليار دولار، وهو ما يقدر بنحو 1.45 مليار دولار سنوياً في الفترة من 2023 حتى 2029، أي بزيادة قدرها 13.7% مقارنة بالمذكرة السابقة.

رعد التل رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة الأردنية، اعتبر أن وقف المساعدات الأميركية التي تصب مباشرة في الموازنة، سيزيد العجز وسيتم تعويض تلك المساعدات عبر الاقتراض، مشيراً إلى ضرورة العمل على زيادة الإيرادات وتوقيع اتفاقيات تمويلية ومنح بديلة مثل اتفاقية الشراكة الأوروبية لتعويض هذه المبالغ.

الحكومة الأردنية تأتي على رأس أبرز القطاعات المستفيدة من المساعدات الأميركية، ثم منظمات المجتمع المدني يليها قطاع التعليم الأساسي وقطاع الأعمال، وكذلك إمدادات المياه وبرامج صحة المرأة والطفل. 

ارتفاع فاتورة الطاقة

يعاني اقتصاد الأردن من ارتفاع فاتورة الطاقة، وسط رؤية حكومية لتحديث الاقتصاد، وتستورد عمان معظم احتياجاتها من الطاقة، وسط خطط طموحة للتحول الأخضر بالتركيز مصادر الطاقة البديلة. 

استنزفت الطاقة الاقتصاد الأردني لعقود وزادت من عجز الميزان التجاري، وقد يساهم وقف المساعدات الأميركية في إعاقة التوسع في استخدام الطاقة المتجددة، بحسب أحمد عوض، مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية.

وفي عام 2024 بلغ حجم المساعدات الأميركية المقدمة للأردن 1.3 مليار دولار منها 845.1 مليون دولار لدعم الموازنة العامة، وفي العام الجاري كان من المتوقع أن تصل المساعدات السنوية للأردن التي أقرها الكونغرس إلى 2.1 مليار دولار. 

وأرجع عوض أزمة الطاقة في البلاد إلى سببين، الأول الرؤية القاصرة التي لم تأخذ بعين الاعتبار مخاطر التذبذبات في السوق، والثاني عدم مواكبة التطورات في سوق الطاقة من حيث المصادر البديلة والتقنيات المستخدمة في استخراج الغاز الطبيعي. 

وتمثل الطاقة المتجددة 27% من الطاقة المستخدمة في البلاد حالياً، مع خطط لرفعها إلى 30% خلال السنوات المقبلة.

بيانات وزارة الطاقة الأردنية، تشير إلى أنه سيكون هناك اكتفاء ذاتي من الغاز عام 2035، في ظل الاحتياطي المقدر بنحو 12 تريليون قدم مكعب، بحسب هيثم زيادين رئيس لجنة الطاقة النيابية، موضحاً أن الدولة تستهلك نحو 350 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً.

بدوره، اعتبر رائد الأعرج، الخبير في مجال الطاقة أن استخراج النفط والغاز في الأردن يساعد في أمن الطاقة، وزيادة النمو الاقتصادي عبر تقليل التكاليف على الصناعات وخفض البطالة والحفاظ على العملات الأجنبية. 
تشير تقديرات بأن تشكل الطاقة المتجددة 40% من إجمالي الطاقة المستخدمة في الأردن بحلول 2033.  

خسائر قطاع السياحة 

شهد قطاع السياحة في الأردن خسائر وصلت إلى ملايين الدولارات مع إغلاق عدد من المنشآت السياحية نتيجة الحرب على غزة والتوترات الإقليمية، بينما تحاول الحكومة إيجاد حلول تتعلق بتعزيز الطيران منخفض التكاليف وفتح أسواق سياحية جديدة.
وشهد القطاع الفندقي الضربة الأقوى، مع إغلاق 40 منشأة سياحية، فيما انخفضت نسب الإشغال في بعض الفنادقِ لتصل إلى الصفر، إضافة إلى تسريح آلاف العمال، ما دفع الحكومة إلى التدخل بإجراءات عاجلة لمحاولة احتواء الخسائر المتزايدة. 
فادي بلعاوي أمين عام وزارة السياحة والآثار، قال في مقابلة مع "الشرق" إن الحكومة قامت بالعديد من الإجراءات التي خففت الأعباء على القطاع، منها  جدولة المبالغ المستحقة من ضريبة الدخل والضمان الاجتماعي، مع إعطاء فترات سماح لمستحقات أكثر من 15 سنة والعديد من الإجراءات من خلال البنك المركزي والبنوك التجارية.
يعدّ القطاع السياحي أحد أعمدة الاقتصاد الأردني، إذ يرفد خزينة الدولة بما بين ثلاثة وستة مليارات دولار سنوياً، البيانات الرسمية كشفتْ عن تراجعِ النشاط السياحي بنسبة 70% منذ الربع الأخير 2023، وصولاً إلى بداية عام 2025 في مؤشر واضح على عمقِ الأزمة التي يواجهها القطاع. 

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.