تعريفات ترمب الجديدة تهدد الفائزين بحربه التجارية الأولى

القلق يتصاعد بشأن النزاعات التجارية وتأثيرها على اقتصادات جنوب شرق آسيا

time reading iconدقائق القراءة - 7
سفينة حاويات راسية في ميناء تان فو بمدينة هاي فونغ، فيتنام - بلومبرغ
سفينة حاويات راسية في ميناء تان فو بمدينة هاي فونغ، فيتنام - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تواجه الدول التي يُشار إليها مراراً باعتبارها فائزة في الحرب التجارية الأولى تحديات صعبة. فاقتصادات جنوب شرق آسيا، التي يُنظر إليها عادة باعتبارها مستفيدة من تدهور العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، تواجه آفاقاً غير مستقرة. وستشهد المنطقة أداءً قوياً من بعض الدول، إذا تمكن أي طرف من الخروج من الصراع التجاري بوضع مقبول، لكنها ستضم أيضاً نصيبها من الدول المتعثرة. الأمر الواضح بشكل مؤسف، هو الإيمان بأن التدفق الحر نسبياً لتبادل السلع والخدمات تعرض لضربة قوية.

اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترمب مؤخراً تدابير أشمل وأوسع نطاقاً، مستهدفاً بها المكسيك وكندا. ومع ذلك، يُنظر إلى العلاقة بين الولايات المتحدة والصين في آسيا باعتبارها مؤشراً رئيسياً على مدى اهتمام أميركا بسلاسل التوريد الواسعة وأفضل المواقع لإقامتها. لكن المؤشرات لا تبدو مبشرة، إذ إن الزيادة البالغة 10% في الرسوم الجمركية على الواردات الصينية تُعد الأكبر على الإطلاق في عهد ترمب، وفقاً لتقديرات "نومورا" (Nomura). وبشكل عام، ارتفع متوسط الرسوم الجمركية الفعلية "بشكل طفيف" إلى 2.8% في عام 2020 من 1.5% في عام 2016، وفقاً لما ذكره اقتصاديون بالشركة في مذكرة يوم الإثنين.

تحديات الصمود والنمو في المنطقة

قدرة جنوب شرق آسيا على الصمود في وجه العاصفة التي أثارها ترمب سيلعب دوراً في تحديد ما إذا كانت المنطقة قادرة على الحفاظ على التحسن الكبير في مستويات المعيشة الذي شهدته خلال العقود الماضية. ورغم أن البيت الأبيض وافق في وقت متأخر من يوم الإثنين على تعليق الرسوم الجمركية المفروضة على المكسيك وكندا لمدة شهر، فإن الإدارة الجديدة تميل إلى اللجوء لمثل هذه التدابير ضد أي أمر تعتبره انتهاكاً أو تهديداً للمصالح الأميركية. وهذا يمثل احتمالاً مقلقاً لمنطقة تعتمد على الاستثمار الأجنبي والصادرات. فعلى سبيل المثال، هل ستتضرر ماليزيا إذا مُنعت طائرات الشحن الأميركية من الهبوط، أو إذا أخرت إحدى الحكومات المحلية الموافقة على إنشاء مركز بيانات تديره إحدى شركات التكنولوجيا الكبرى في الساحل الغربي للولايات المتحدة؟

اقرأ أيضاً: العجز التجاري الأميركي يتفاقم قبيل بدء حرب رسوم ترمب الجمركية

لم يعد النمو في المنطقة قريباً من المستويات القوية التي منحت بعض الدول لقب اقتصادات النمور خلال الثمانينيات والتسعينيات. فتايلندا، التي كانت ذات يوم مركزاً صناعياً مزدهراً، تعاني الآن من تباطؤ حاد في النمو، حتى أن "كابيتال إيكونوميكس" (Capital Economics) وصفتها مؤخراً بأنها "الرجل المريض الجديد في آسيا". أما ماليزيا، فرغم تحقيقها نمواً اقتصادياً جيداً، إلا أنه لا يرتقي إلى مستوى الدول الرائدة عالمياً. كما سجلت سنغافورة أداءً جيداً في عام 2024، لكن النمو تباطأ في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام. أما فيتنام، التي تحظى بالثناء باعتبارها قوة اقتصادية صاعدة، فهي تسعى إلى إصلاح بيروقراطيتها وتقليص حجم القطاع الحكومي بنسبة 20%، لكنها في الوقت ذاته تخشى أن يضعها فائضها التجاري الهائل مع الولايات المتحدة تحت ضغط واشنطن. ومن جانبها، لا تشعر إندونيسيا بالرضا عن معدل نموها البالغ 5%، لكنها تطمح بشكل غير واقعي إلى رفعه إلى 8%. وبشكل عام، سجلت المصانع في معظم أنحاء آسيا نمواً ضعيفاً خلال يناير.

تصاعد القلق بشأن النزاعات التجارية

قادة المنطقة لديهم أسباب وجيهة للحذر. فقد أخبر رئيس وزراء سنغافورة، لورانس وونغ، الصحفيين في نوفمبر بأن "التجارة تمثل ثلاثة أضعاف ناتجنا المحلي الإجمالي. نحن اقتصاد مفتوح. نحن اقتصاد يعتمد على التجارة. وسنشعر بالقلق في عالم يشهد المزيد والمزيد من التوترات". الرسالة هنا هي أن النزاعات التجارية، بغض النظر عن مدتها أو حدتها، تضر في النهاية بالنتائج الاقتصادية المرجوة.

اقرأ أيضاً: ترمب يرث اقتصاداً مواتياً للإيفاء بوعد إطلاق حقبة ذهبية

في بعض النواحي، لا تقل الأجواء العامة التي تبعثها واشنطن أهمية عن التفاصيل المتعلقة بالرسوم الجمركية. فإذا كان من الممكن فرض رسوم بنسبة 25% على المكسيك وكندا في غضون أسابيع من عودة ترمب إلى المكتب البيضاوي، فماذا يعني ذلك بالنسبة لآفاق التكامل التجاري في أماكن أخرى؟

أشير هنا تحديداً إلى الشريكين في أميركا الشمالية لأنهما، إلى جانب الولايات المتحدة، وقعا على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية في أوائل التسعينيات. وخلال الولاية الأولى لترمب، أُعيدت صياغة الاتفاقية في صفقة وصفها الرئيس بأنها "اتفاقية نموذجية". ومع ذلك، فإن طريقة تعامله مع أوتاوا ومكسيكو سيتي هذه المرة تقلل فعلياً من شأن هذا الاتفاق. ومن الصعب تصور أن أي اتفاق تجاري شبه شامل مع الصين سيحظى بمعاملة أفضل.

تداعيات طويلة الأمد للحرب التجارية

عندما بدأ ترمب معاركه التجارية خلال ولايته الأولى في البيت الأبيض، كانت اقتصادات جنوب شرق آسيا في وضع جيد. وكان يُنظر إلى الأضرار على أنها محدودة، بل وربما تكون مفيدة، اعتماداً على مدى استعداد الشركات للتحوط ضد رهاناتها على الصين وتنويع مواقع إنتاجها. لكن تحقيق ذلك على نحو صحيح لم يكن سهلاً، فقد استفادت المنطقة من تعميق علاقاتها مع بكين، بينما تمتعت الشركات الأميركية بمكانة راسخة. كما أن العديد من الدول كانت تربطها علاقات ودية مع الولايات المتحدة، وكان لبعضها روابط سياسية ودفاعية وثيقة مع واشنطن. وبينما لم يكن من الممكن النظر إليها باعتبارها مستفيدة من الرغبة في الانفصال عن الصين، إلا أنها لم تتجاهل أيضاً فرص الاستثمار الجادة القادمة من التكتلات الغربية.

اقرأ أيضاً: حرب التجارة بين أميركا والصين تهدد طفرة الطاقة الشمسية بجنوب شرق آسيا

ربما تحاول الدول تجنب الأضواء، لكن من الصعب البقاء بعيداً عن الأنظار لمدة أربعة أعوام. وربما لا تكمن الأهمية الكبرى فيما يحدث لدول معينة أو حتى صناعات محددة، بل في الأضرار الجانبية التي تؤثر على مكانة الاتفاقيات التجارية والمبادئ التي ترتكز عليها. فقد تعرضت التجارة الحرة، أو التجارة غير المقيدة نسبياً، لضربة فلسفية. وهذه ليست نهاية العولمة، لكنها بلا شك فصل جديد مليء بالتحديات. عندما كنت صحفياً شاباً في سيدني، وأفكر في أول فرصة لي لمهمة خارجية في كوالالمبور عام 1996، قال لي معظم من استشرتهم شيئاً مثل: فقط اذهب إلى هناك واكتشف الأمر بنفسك، لا يمكنك أن تخسر لأن في آسيا  يكمن النمو.

تبدو هذه المرحلة أكثر تهديداً، وستتمكن جنوب شرق آسيا من تجاوزها، لكنها لن تخرج منها سالمة. فالحروب التجارية تُخاض من أجل الصمود، أما الازدهار فهو مسألة مختلفة تماماً.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

واشنطن

1 دقيقة

12°C
غيوم متفرقة
العظمى / الصغرى 11°/13°
44.5 كم/س
53%

الحرب التجارية بين بكين وواشنطن تضرب عقود الأسهم الأميركية والنفط

الصين بادلت تعريفات ترمب الجمركية برسوم انتقامية على مجموعة من واردات الولايات المتحدة

time reading iconدقائق القراءة - 5
انعكاس للمشاة على لوحة إلكترونية تعرض معلومات الأسهم داخل بورصة الأوراق المالية الأسترالية، في سيدني، أستراليا - بلومبرغ
انعكاس للمشاة على لوحة إلكترونية تعرض معلومات الأسهم داخل بورصة الأوراق المالية الأسترالية، في سيدني، أستراليا - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تراجعت العقود المستقبلية للأسهم وانخفضت أسعار النفط بعدما ردت الصين على التعريفات الجمركية الأميركية الجديدة، التي تشير إلى استئناف الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.  

هبطت العقود المستقبلية لمؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 0.2%، بينما تراجعت نظيرتها لمؤشر "ناسداك 100" بنسبة 0.3%، لتقلص بعض خسائرها الحادة بعدما اعتُبرت الرسوم الجمركية المتبادلة التي أعلنتها الصين مستهدفة بشكل نسبي. في الوقت نفسه، انخفضت أسعار نفط خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 1.9%، وتراجع اليوان خارج الصين بنسبة 0.3%، بينما واصل الدولار مكاسبه مقابل جميع نظرائه من مجموعة العشر الكبار.

تأجيل رسوم كندا والمكسيك

على الجانب الآخر، قرر الرئيس دونالد ترمب، يوم الإثنين، تأجيل فرض التعريفات الجمركية على كندا والمكسيك، مما أدى إلى ارتفاع الأسهم الآسيوية والعقود المستقبلية الأميركية خلال التعاملات الآسيوية المبكرة، يوم الثلاثاء، على خلفية توقعات بإبرام صفقة مع الصين لتأجيل الرسوم الجمركية، مما دفع مؤشر الأسهم الصينية المدرجة في هونغ كونغ إلى الارتفاع بنسبة تصل إلى 4%.

وقال راجيف دي ميلو، مدير محفظة الاقتصاد الكلي العالمية في مؤسسة "غاما أسيت مانجمنت" (Gama Asset Management): "بعد الإعلان عن تأجيل التعريفات على واردات كندا والمكسيك، كان هناك احتمال بأن تؤجل الولايات المتحدة أيضاً فرض التعريفات على الواردات من الصين، مما ساعد أسواق الأسهم على الارتفاع هذا الصباح. لكن مع تبدد هذه الآمال، بدأت الحرب التجارية مجدداً".

انتقام الصين من ترمب

وأعلنت الصين عن فتح تحقيق ضد شركة "جوجل"، كما فرضت رسوماً جديدة على مجموعة من المنتجات الأميركية، في خطوة بدت انتقامية، وذلك بعد لحظات من دخول التعريفات الأميركية البالغة 10% حيز التنفيذ.  

ووفقاً لتحليل "بلومبرغ إيكونوميكس"، فإن رد الصين على رفع الرسوم الجمركية الأميركية كان انتقائياً، في إشارة إلى سعي بكين لتجنب التصعيد الحاد للحرب التجارية مع واشنطن، حيث تضمنت الإجراءات رسوماً جمركية مستهدفة على النفط الأميركي والغاز الطبيعي المسال والآلات الزراعية، إلى جانب قيود على تصدير المعادن الأرضية النادرة وقائمة موسعة للشركات المحظورة. ومع ذلك، تبقى هذه الإجراءات أقل شمولاً من التعريفات الأميركية التي طالت جميع الواردات الصينية.

اقرأ المزيد: الصين ترد على ترمب برسوم على المنتجات الأميركية وتحقيق مع "جوجل"

وساعد قرار ترمب بتأجيل فرض التعريفات على المكسيك وكندا في تهدئة حالة العزوف عن المخاطرة التي سيطرت على الأسواق يوم الإثنين. كما عزز تأجيل الرسوم الجمركية المفروضة على الاقتصادات في أميركا الشمالية الرأي القائل بأن ترمب يستخدم التعريفات كأداة تفاوضية، لكنه لا يزال متردداً في إلحاق ضرر اقتصادي بالأميركيين.

يُعد تحرك ترمب لفرض حالة طوارئ وفرض رسوم جمركية على الدولتين والصين أكبر إجراء لحماية الاقتصاد يتخذه رئيس أميركي منذ ما يقرب من قرن.

طبول الحرب التجارية

من أكبر الشكوك هو كيفية تعامل الاقتصاد الأميركي الصامد مع تأثيرات حرب تجارية، في حال حدوثها. كان هذا القلق واضحاً في سوق السندات، حيث ارتفعت عوائد السندات قصيرة الأجل بينما تحركت العوائد طويلة الأجل في الاتجاه المعاكس.

قال يونغ-يو ما من "بي إم أو لإدارة الثروات": "بينما نعتقد أن التعريفات الجمركية هي في الأساس أداة تفاوضية للرئيس ترمب، فمن الصعب تحديد ما إذا كانت ستظل مؤقتة أو إذا كان هناك سيناريو يتم فيه التوصل إلى اتفاق يقلل من التعريفات". وأضاف: "يجب التحلي بالصبر واغتنام الفرص؛ قد يكون هناك وقت مناسب لاتخاذ خطوات جريئة، لكنه لم يحن بعد".

فيما صرح أوستان غولسبي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، بأن البنك المركزي يجب أن يتقدم بحذر أكبر في خفض تكاليف الاقتراض وسط تزايد حالة عدم اليقين التي أثارتها إدارة ترمب. ومن المقرر أن يتحدث آخرون مثل رافائيل بوستيك، وماري دالي، وفيليب جيفرسون من الفيدرالي في وقت لاحق اليوم.

تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

Tokyo

9 دقائق

6°C
مطر خفيف
العظمى / الصغرى 4°/7°
8.1 كم/س
45%

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.