يبدو النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة قوياً في الوقت الحالي. إلا أنَّ مسحاً صناعياً مهماً صدر مطلع مايو الجاري، أشار إلى أنَّ أوقات النمو الأسرع قد تكون انتهت.
فبالرغم من التوقُّعات باستمرار التوسع، إلا أنَّ هذا المؤشر الذي قد يكون أفضل ما يمكن أن يحدث حالياً، ربما يُسبِّب مشاكل للأسواق مثلما حدث في مارس عام 2010 من الدورة الاقتصادية الأخيرة.
يرصد تقرير"آي إس إم" للتصنيع الرائد، مشاعر ملاك المصانع، إذ تشير القراءة فوق 50 إلى النمو، في حين تشير القراءة الأقل من 50 إلى الانكماش.
وسجل المؤشر في إبريل 60.7 نقطة، وهي قراءة قوية تاريخياً، لكنَّها انخفضت 4 نقاط من مارس، التي كانت الأعلى منذ أوائل الثمانينيات.
مراحل الدورة الاقتصادية
لا شكَّ أنَّ التراجع قليلاً عن أجيال متتالية من المستويات العالية ما يزال جيداً، إذا كنت عاملاً في مصنع، أو كنت شخصاً تتطلَّع إلى زيادة النشاط التصنيعي، إلا أنَّ لدى المستثمرين منطقهم الخاص عندما يتعلَّق الأمر بالبيانات الاقتصادية، خصوصاً في وقتٍ مبكِّر من الدورة الاقتصادية.
في الجزء الأول من الدورة الاقتصادية، تستجيب الشركات لتراجع الطلب من خلال تقليص الإنتاج مما يؤدي إلى استنفاد المخزونات.
مع عودة الطلب، يعود الإنتاج سريعاً لتلبية المخزون وتجديده، وغالباً ما تكون مرحلة اللحاق بالركب هذه أقوى جزء من الدورة، إذ يسارع الاقتصاد إلى تعديل وضعه.
اضطراب الأسعار والتوريد
كما يطرأ نقص وزيادة في الأسعار في تلك المرحلة، بالإضافة إلى مشكلات في سلسلة التوريد بسبب قيام الشركات بتغييرات أثناء الأوقات المضطربة. وهذا ما حدث تحديداً في عام 2010، وهو ما يحدث حالياً.
وبمجرد انتهاء طفرة النمو الأولية، يميل النشاط الاقتصادي إلى الاستقرار، ويعتمد النمو بشكل أكبر على الشكل الذي يبدو عليه المستقبل بدلاً من مجرد العودة إلى حالة ما قبل الانكماش.
كما يبدو إعادة تكوين المخزونات، نمواً أكثر سهولة عن بناء المصانع الجديدة، أو مراكز التوزيع في مرحلة الرهان على الطلب المستقبلي.
ويحتار المستثمرون عند حدوث هذا التحوُّل، مما يؤدي إلى إعادة تنظيم الأسواق لتتأقلم مع البيئة الاقتصادية المعدَّلة.
ذروة التصنيع
هذا ما حدث عندما وصل مؤشر "آي إس إم" للتصنيع إلى ذروته على المدى القصير في شهر مارس من عام 2010، وخلال الـ 18 شهراً التالية، انخفض مؤشر"إس آند بي500 " فعلياً برغم استمرار نمو الاقتصاد، وأرباح الشركات.
ومن منظور عام 2021، يعدُّ ربيع عام 2010 مرحلة مبكِّرة من التوسع، لكنَّه كان نهاية لمرحلة الانتعاش الأولي، واستغرقت الأسواق بعض الوقت لاستيعاب الأمر.
قد يكون هذا حال ما نحن عليه الآن، ومن المحتمل أن يتلاشى التأثير التحفيزي لتدابير التخفيف من الجائحة بمرور الوقت، فمعدل التطعيم في الولايات المتحدة آخذ في الانخفاض، وسنحصد معظم المكاسب التي ستأتي من إعادة الانفتاح الاقتصادي خلال الشهرين المقبلين.
ارتفاع تكاليف الإسكان
لكنَّ استمرار تدهور القدرة على تحمُّل تكاليف الإسكان سيُصبح رياحاً معاكسة للاقتصاد في نهاية المطاف، وستؤدي مشاكل سلسلة التوريد، وارتفاع أسعار السلع مثل الخشب إلى زيادة صعوبة النمو على المدى القصير.
ويمكن للمستثمرين تحويل انتباههم إلى قضايا جديدة تلوح في الأفق. فقد يكون تأثير زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء أكثر أهمية للأسواق على المدى القصير من التأثير الطويل المدى للإنفاق على البنية التحتية.
كما قد لا يكون الارتفاع المفاجئ في التضخم الذي من المحتمل أن نشهده هذا الصيف عابراً، و من الممكن أن يتحوَّل التركيز إلى متابعة توقيت إنهاء عمليات شراء الأصول من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وزيادة أسعار الفائدة.
نمو الاقتصاد العالمي
ولكن إذا نظرنا إلى اختلاف واحد مشجِّع بين عامي 2021 و2010، فهو يتعلَّق باحتمالية تحسُّن صورة النمو الدولي خلال الأشهر العديدة القادمة، وهو تناقض صارخ مع الوقت الذي كانت فيه البنوك الأوروبية والديون السيادية تسبِّب الفوضى في الأسواق العالمية.
ربما يكون قد وصل إعادة فتح الاقتصاد، وبرنامج التطعيمات إلى ذروته في الولايات المتحدة، لكنَّه من المحتمل أن يتسارع في أوروبا، والأسواق الناشئة خلال الربعين المقبلين. ومع ذلك، فمن المحتمل أن يعني ذلك أنَّ أماكن أخرى تنمو بشكل أسرع من الولايات المتحدة.
على أي حال، من المرجَّح أن تبدأ وتيرة النمو الاقتصادي الأمريكي في التباطؤ من هنا.
قد يكون هذا أفضل ما يُمكن أن يحدث، ولكن لا تتفاجأ إنْ استغرق المستثمرون بعض الوقت للتكيُّف مع الأمر، حتى لو استمرت الآفاق بالنسبة إلى العمال في التحسُّن بالمستقبل المنظور.