يتطلع جزء كبير من العالم المتقدم إلى انتعاش اقتصادي قوي، حيث تسمح اللقاحات للحياة بالعودة إلى شيء يشبه الحالة الطبيعية.
ومع ذلك، هناك خطر كبير يتمثل في عدم مشاركة المكاسب مع قطاعات كبيرة من السكان، مما يجعل الفجوة بين الأغنياء والفقراء أكبر مما كانت عليه قبل اندلاع الجائحة.
يجب على الشركات العالمية أن تدرك التهديد الذي يهدد المجتمع - وأعمالها الخاصة – من جراء هذا الأمر، وهو تهديد موجود، وعليها أن تقوم بدورها في التصدي له.
ازدياد عدد الفقراء
إن أغنى أثرياء العالم، بما في ذلك العديد من الرؤساء التنفيذيين، يخرجون من أزمة فيروس كورونا في وضع أفضل: فوفقا لمجلة "فوربس"، أصبح أثرياء الكوكب أغنى بحوالي 2 تريليون دولار في عام 2020.
وفي الوقت نفسه، يُقدر البنك الدولي أنه بحلول نهاية عام 2021، سيؤدي الوباء إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من فقر مدقع (الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم) ليصل عددهم إلى 150 مليوناً.
فمن خلال إجبار الشركات على التفكير بجدية أكبر حول كيفية الاستغناء عن البشر في أعمالها، من المرجح أيضاً أن يؤدي الوباء إلى تسريع الاتجاه نحو الأتمتة.
وهذا بدوره يهدد بمزيد من تفاقم عدم المساواة بسبب جعله بعض المهن بالية. ووفقاً لأحد التقديرات الحديثة، ستؤدي الأتمتة إلى تعطيل 85 مليون وظيفة في القطاع الخاص على مستوى العالم بحلول عام 2025.
وبالنظر إلى الإمكانات الحقيقية للاضطرابات الاجتماعية والسياسية، فإن الناشطين والمستثمرين المؤسسيين على حق في دعوتهم الشركات إلى التصرف بسرعة. لكن ماذا بيدهم أن يفعلوا؟ إنني أرى أربع مجالات رئيسية يمكن أن إحداث فرقاً فيها.
*ضمان الانتقال المنظم إلى الأتمتة. ففي ظل قيام الآلات بدور أكبر، سيتغير تقسيم العمل وطبيعة العمل. ولإعداد الموظفين، يجب على الشركات أن توفر لهم فرصة كبيرة لاكتساب المهارات اللازمة لتلبية متطلبات الاقتصاد الرقمي.
بالإضافة إلى ذلك، بدلاً من الاستغناء عن الموظفين بشكل مباشر، يجب استكشاف إمكانية إبقائهم ضمن الموظفين في أدوار بدوام جزئي وعقود قصيرة الأجل، أو تعيينهم في مشاريع جديدة وعمل استراتيجي، وتحديد تفاصيل الخيارات التي لا تمتلك الشركة بعد النطاق اللازم للوصول إليها.
ولتسهيل مثل هذه التحولات، ضع في اعتبارك توسيع تعريف الموظفين المؤهلين للحصول على المزايا، ليشمل المقاولين من الباطن، وبعض الموردين وحتى العمال بدون عقود.
ستضيف مثل هذه الإجراءات التكاليف، لكن البديل هو انتشار البطالة الذي من شأنه أن يجعل الكثير من المستهلكين غير قادرين على شراء السلع والخدمات التي تنتجها الشركات.
*تعزيز مزايا الموظفين، وخاصة الصحة العقلية. لقد تسبب الوباء في خسائر فادحة في شعور الناس بالرفاهية.
ففي استطلاع حديث أجراه المعهد الوطني لإدارة الرعاية الصحية، أفاد 51% من الموظفين بأن الصحة العقلية في عملها أصبحت أسوأ، بينما قال 55% إنهم شعروا أنه ليس لديهم من يلجؤون إليه في العمل للحديث عن هذه المشكلات.
وحتى قبل الوباء، أشارت الأبحاث إلى أن فقدان الإنتاجية بسبب القلق والاكتئاب يكلف الاقتصاد العالمي أكثر من تريليون دولار سنوياً، وأن كل دولار يستثمر في العلاج سيعود بـ 4 دولارات في تحسين الصحة والإنتاج.
ومن ثم، ستستفيد الشركات من خلال تقديم استشارات الصحة العقلية، وتمويل العلاجات التي يتم وصفها، وتعزيز ثقافة يشعر فيها الموظفون بالراحة للتعبير عن قلقهم.
*تخصيص رأس المال بشكل مسؤول. لا شك في أن المستثمرين يخصصون موارد كبيرة للصناديق التي تنظر في القضايا البيئية والاجتماعية وقضايا الحوكمة كجزء من تفويضهم. ومع ذلك، يمكن لقادة الأعمال فعل المزيد للمساهمة في المنافع العامة مثل البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم، بشكل مباشر وغير مباشر.
إحدى الأدوات المهمة هي صناديق المعاشات التقاعدية، يجب على الشركات والحكومات على جميع المستويات التركيز بشكل أكبر على الفوائد المجتمعية طويلة الأجل لاستثماراتهم. على سبيل المثال، من خلال تخصيص الأموال للبنية التحتية المادية اللازمة لدعم ازدهار الجميع.
* إطلاق العنان لإمكانات جميع العاملين. إن التمييز يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة ويقوض الإنتاجية، من خلال منع الناس من شغل مناصب يمكن فيها توظيف مواهبهم على أفضل وجه. وبالتالي، فمن مصلحة الشركات رفع مستوى الأشخاص من الأقليات ذات التمثيل الضعيف.
يجب ألا يقتصر هذا على تكثيف جهود التوظيف والمنح الدراسية فحسب، بل يجب أيضاً العمل على تنويع الموردين والمقاولين من الباطن ومستشاري التقاعد والشركات القانونية والمحاسبية التي تدعم عمليات الشركة.
مع القوة تأتي المسؤولية. يتطلب التأثير الواسع للشركات العالمية، في بعض الأحيان، أن تتعامل مع قضايا كانت تقليدياً من اختصاص الحكومة. في الوقت الحالي، يعني ذلك النظر إلى ما وراء المقاييس قصيرة الأجل للربح والخسارة لتحويل التعافي على شكل حرف (K) إلى تعافي مشترك عبر المجتمع.