حان الوقت للتخلص من فكرة سادت لفترة طويلة والتي تقول إن الديمقراطيين معادون للشركات، لكن ربما يكون الجمهوريون هم من يشكلون الخطر الأكبر عليها؟
وفقاً للتحديث السنوي الشامل الذي نشره مكتب التحليل الاقتصادي يوم الخميس، نما الاقتصاد الأميركي بمقدار 294.2 مليار دولار أكثر مما كان متوقعاً في الأعوام الخمسة المنتهية عام 2023. لكن ما يلفت الانتباه حقاً هو الأداء المتميز للشركات الأميركية، حيث أظهر التقرير أن أرباح الشركات قبل الضرائب ارتفعت بنسبة 90% لتصل إلى 4.09 تريليون دولار في الربع الثاني من العام الحالي، مقارنةً بـ2.15 تريليون دولار خلال الفترة عينها من 2020. وجاءت أكثر من نصف هذه الزيادة، أو ما يعادل 1.34 تريليون دولار، منذ عام 2020. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمرت الأرباح في الارتفاع أيضاً لمدة ستة أرباع متتالية، وهي أطول فترة منذ 2005-2006.
عهد ترمب
ماذا عن فترة إدارة دونالد ترمب؟
في تلك الفترة، كافحت أرباح الشركات وزادت بنسبة ضئيلة قدرها 6.3% فقط من نهاية عام 2016 حتى 2019، قبل أن تضرب جائحة كوفيد-19 الاقتصاد وتتسبب في أسوأ ركود منذ الكساد العظيم. أما كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فقد كانت ذروتها عند 11.5%، مقابل مستويات قياسية حالياً تجاوزت 13%.
وهذا يضعف ادعاء ترمب بأن ولايته الرئاسية شهدت "أعظم اقتصاد على الإطلاق".
الاستثمارات والسياسات الحكومية
هذه المكاسب جاءت رغم ارتفاع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها منذ جيل. وظهر تأثير السياسات الاقتصادية المميزة لإدارة الرئيس جو بايدن، مثل خطة الإنقاذ الأميركية، وقانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف، وقانون الحد من التضخم، وقانون الرقائق والعلوم، حيث ساهمت هذه السياسات في جعل الاقتصاد الأميركي أكثر مرونة من خلال تعزيز الاستهلاك ونمو الوظائف عقب الجائحة، وضمنت استمرارية استثمارات الشركات في السوق المحلية الآن وفي المستقبل.
ما عليك سوى إلقاء نظرة على كيفية تقييم المستثمرين للأسهم الأميركية. فعلى سبيل المثال، يُتداول مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" عند حوالي 26 ضعفاً للأرباح، وهو مستوى أعلى بكثير مما كان عليه خلال إدارة ترمب قبل كورونا.
اتهامات "التضخم الجشع"
ربما يقول المتشككون إن الأرباح القياسية هي نتيجة لـ"التضخم الجشع" أو استغلال الشركات للأسعار، لكن البيانات تشير إلى عكس ذلك، إذ وجدت دراسة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر 2023 أن هوامش أرباح الشركات غير المالية ارتفعت بشكل كبير إلى 19% في منتصف عام 2021 مع احتدام التضخم، لكنها تراجعت مجدداً إلى 15% بحلول نهاية عام 2022، مقارنة بنحو 13% في نهاية عام 2019.
تشير تحليلاتنا إلى أن التدخل الحكومي المباشر وغير المسبوق لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة، بجانب خفض تكاليف الفوائد الصافية بسبب السياسة النقدية التيسيرية، كان له دور رئيسي في زيادة هوامش الأرباح بعد جائحة كوفيد-19. ولولا هذا التدخل الهائل تاريخياً والسياسة النقدية التيسيرية، لكانت أرباح الشركات غير المالية خلال 2020-2021 أقرب لمستويات فترات الركود الاقتصادي السابقة.
تغيير الانطباع السائد
مع ذلك، لم ينجح الديمقراطيون بصفة مستمرة في تغيير الانطباع السائد عنهم بأنهم معادون للأعمال التجارية، فقد انتقد بايدن في بعض الأحيان الشركات الأميركية لتحقيقها أرباحاً قياسية، في وقتٍ تعاني فيه الأسر من ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي. هذه التصريحات أدت إلى تراجع الدعم لأجندته الاقتصادية من جانب المديرين التنفيذيين للشركات، وفقاً لـ"بلومبرغ نيوز".
لكن هناك مؤشرات على حدوث تغيير. فقد قدمت نائبة الرئيس كامالا هاريس نفسها كبراغماتية "تعتمد على القيم الأساسية" في خطاب ألقته يوم الأربعاء أمام كبار المسؤولين التنفيذيين في النادي الاقتصادي في بيتسبرغ. وفي تصريحات قد تبدو متسغربة على لسان "ديمقراطية"، تعهدت بتخفيف "البيروقراطية" التي تعيق التقدم في كثير من الأحيان، وتعزيز مرونة الصناعة الأميركية وقدرتها التنافسية على الساحة العالمية. وقالت المرشحة الديمقراطية للرئاسة إن "الصين لا تتحرك ببطء، ولا يمكننا تحمل البطء أيضاً".
مراجعات اقتصادية إيجابية
بينما يعتقد البعض أن الاقتصاد يمثل نقطة ضعف لدى هاريس والديمقراطيين مع اقتراب الانتخابات في نوفمبر، تشير المراجعات الاقتصادية الأخيرة إلى خلاف ذلك. فليس فقط أرباح الشركات التي تم تعديلها نحو الأعلى، بل أيضاً الدخل الشخصي والإنفاق ومعدل الادخار والاستثمار في المخزون ونفقات الشركات.
هذا اقتصاد تجاوز آثار التضخم ويوفر الآن فوائد لأكبر عدد من الأميركيين في تاريخه. مع ذلك، أعتقد أن هذا التقرير لن يحظى بنفس الاهتمام الذي حظي به تقرير صدر قبل شهر والذي أظهر تباطؤاً طفيفاً في نمو الوظائف في العام المنتهي في مارس (وإن كان لا يزال قوياً للغاية)، وهذا أمر مؤسف بالتأكيد.