ربما لم يدرك الزعماء الأوروبيون والعرب، الذين حضروا أول قمة لجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي بشرم الشيخ، أنهم أضاعوا من أيديهم فرصة كبيرة، خاصة في ظل الاضطرابات السياسية التي تعم دولهم، وبدا واضحًا أنهم كانوا شاردي الأذهان، فالزعماء الأوروبيون يفكرون في قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، بينما نظرائهم العرب يتدبرون قرار قطر تخفيض مستوى تمثيلها في تلك القمة.
ويُعدُّ هذا الأمر مخيبًا للآمال، إذ أن هذه القمة مثّلت فرصة نادرة لكبار الزعماء من كلا الجانبين لاستكشاف فرص التعاون المحتمل لمواجهة التحديات الاستراتيجية المشتركة، بما في ذلك التحديات المتعلقة بالأمن والهجرة، ولعل قرارهم الاجتماع مرة أخرى في عام 2022 هو أحد الإيجابيات البسيطة التي ظهرت خلال قمة شرم الشيخ.
وبعد مناقشات القمة التي لم تُفض إلى شيء، بات من السهل التأكد من عدم وجود نية للاتحاد الأوروبي بتقديم أي شيء يُذكر لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك بعد محاولات سابقة أيضًا لتحقيق تعاون جماعي في الجوانب الاقتصادية والسياسية بين الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط تحت عنوان "عملية برشلونة" التي أطلقت عام 1995.
بالإضافة إلى ذلك، فشلت مجموعة من اتفاقيات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة - تونس والمغرب ومصر والأردن - في تحقيق النمو أو الازدهار أو خلق فرص عمل في هذه الدول على المدى الطويل. ومن الناحية السياسية، أصبحت الدول العربية الآن أقل قوة وتأثيرًا مما كانت عليه قبل 24 عامًا.
العلاقات العربية الأوروبية
ويعود سبب فشل عملية برشلونة إلى تجاهل الاتحاد الأوروبي تأثيره على العالم العربي، وليس انعدام احتمالية إحداث هذا التأثير، ورغم نقاط الضعف الاقتصادية والسياسية الداخلية التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي وزيادة مكانة الصين عالميًا، لا يزال الاتحاد الأوروبي يتمتع بقوة اقتصادية كبيرة، خاصة في شمال إفريقيا حيث تقع أكثر الدول العربية اكتظاظًا بالسكان.
ويُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لتونس والمغرب ومصر، وهو أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في تلك الدول، إلى جانب كونه المصدر الرئيسي للسياح والحوالات المالية للعمال إلى تونس والمغرب. وفي المقابل فإنّ حجم اقتصادات دول شمال إفريقيا صغير جدًا، إذ بالكاد وصل إجمالي الناتج المحلي فيها عام 2017 إلى 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي.
ويعني ذلك أنّ الدول الأوروبية تستطيع بكل سهولة تمويل مشاريعها التنموية في تلك الدول من خلال التجارة والاستثمار، ولا تعدّ مثل هذه الخطوة عمل خيري، إذ أن استدامة السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية في تلك الدول يعد أمرًا ضروريًا للحفاظ على أمن الاتحاد الأوروبي.
تكمن المشكلة في أنّ زعماء الاتحاد الأوروبي يتوقعون من نظرائهم العرب أن يقدّموا الكثير دون مقابل، وعلى سبيل المثال، يريد الأوروبيون من حكومات دول شمال إفريقيا، أن تمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين وتنسيق الجهود لمحاربة الإرهاب، في حين أنهم يرفضون إعادة التفكير في السبل الحالية للتعاون الاقتصادي، وتعديلها بطريقة تلبي الاحتياجات الإنمائية لدول شمال أفريقيا.
ويتوقع الأوروبيون من هذه الدول، علاوة على ذلك، أن توازن بين متطلبات التنمية الوطنية الملحة الخاصة بها مع أولويات الاتحاد الأوروبي الخاصة بتحرير التجارة المتبادل والاستثمار في الصناعات، دون تكبّد التعريفات الجمركية عليها لخدمة الأسواق الأوروبية مع تقديم الفائض للاقتصادات المحلية.
إدراك حقيقة المشكلات
يشير استمرار رفض الزعماء الأوروبيين لتلبية الاحتياجات التنموية للدول الموجودة على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط إلى أنهم يتجاهلون حقيقة أنّ المشكلات الدائرة في محيط البحر الأبيض المتوسط لن تبقى منحصرة هناك، إذ أنها ستصل إلى قلب أوروبا وستؤدي لعواقب سياسية واقتصادية وخيمة.
وتُعدّ الحرب الأهلية السورية مثالًا مناسبًا على ذلك، فقد أسهمت التدفقات الكبيرة للاجئين من الدولة التي أنهكتها الحرب بشكل كبير في إعادة تشكيل التنوع السياسي لكبرى دول الاتحاد الأوروبي؛ لأن هذه التدفقات سهّلت بروز الأحزاب اليمينية المتطرفة والعنصرية بشكل صريح في جميع أنحاء أوروبا من جهة، وأدّت إلى تفاقم حدة التوترات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول التشارك فيما بينها في تحمل هذا العبء من جهة أخرى.
يضاف إلى ذلك نشوب مشكلات مدفوعة بالتطرف بين الأوروبيين المنحدرين من أصل عربي في أعقاب الصراع في سوريا والعراق، الذين يحاول بعضهم العودة إلى ديارهم مع انهيار خلافة داعش. ومع ذلك فإن الطريقة الوحيدة لحلّ هذه المشكلات هي أن تؤدي الدول الأوروبية دورًا أكثر فاعلية في تنمية الدول العربية، خاصة الدول الموجودة على ساحل البحر الأبيض المتوسط منها.
الاحتياجات التنموية
ويمكن للدول الأوروبية في البداية مراجعة الاتفاقيات التجارية الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وشركائه العرب بطريقة تعترف بشكل صريح بالاحتياجات التنموية للدول العربية، وخاصة فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا وتوفير فرص العمل وتنويع الصناعات بعيدًا عن المواد الخام، أملا في أن يحل هذا محل محاولة الاتحاد الأوروبي زيادة تحرير التجارة الذي من المرجح أن يؤدي إلى تراجع النشاط الصناعي وزيادة معدلات البطالة بالدول العربية المعنية.
ويجب على الاتحاد الأوروبي أيضًا وقف تحيزه ضد الواردات الزراعية من تلك الدول، إضافة إلى قيام الدول الأوروبية بإدراج دول شمال إفريقيا غير الغنية بالنفط في استراتيجيات الطاقة المتجددة لديها كبدائل طويلة الأمد للوقود الحفري؛ حيث أن دولًا مثل المغرب ومصر تتمتع بإمكانيات كبيرة في مجالات متعددة مثل إنتاج الطاقة الشمسية.
باختصار، يجب على الاتحاد الأوروبي تلبية الاحتياجات التنموية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عوضًا عن إجبار تلك الدول على تلبية الاحتياجات الأوروبية، ولذلك، يجب أن يكون هذا محور عملية برشلونة جديدة.