تعتمد استراتيجية دونالد ترمب لإعادة انتخابه على إثارة المخاوف العميقة التي يعاني منها الأميركيون. فهو يشير إلى أن المهاجرين الذين يعبرون الحدود يأخذون وظائف الأميركيين، خاصة العمال السود، رغم أن هذا الادعاء غير صحيح. كما يدّعي أن معدلات الجريمة في ارتفاع، بينما هي في الحقيقة في تراجع. ويزعم أن الاقتصاد في حالة تدهور، في حين أن الواقع عكس ذلك.
في الآونة الأخيرة، طرح الرئيس السابق فكرة جديدة مفادها أن الدول تسعى للابتعاد عن التعامل بالدولار الأميركي. وخلال تجمع انتخابي بولاية ويسكونسن يوم السبت، قال مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة إن "الدولار يتعرض لحصار كبير"، مضيفاً: "إذا تخلت أي دولة عن الدولار، فلن تتمكن من التعامل تجارياً مع الولايات المتحدة، لأننا سنفرض رسوماً جمركية بنسبة 100% على بضائعها".
وكما هي الحال مع العديد من تصريحات ترمب الأخيرة، الرسالة الضمنية هنا هي أن ترمب وحده القادر على منع حدوث هذه الكارثة. بالطبع، ستكون كارثة إذا كانت هذه الأحداث حقيقية، لكنها ليست كذلك. الدولار يظل العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، وهو ما يمنح الولايات المتحدة "امتيازاً باهظاً" يسمح لها بتمويل العجز المستمر والحفاظ على معدلات فائدة منخفضة. لذلك، إذا قرر المستثمرون الأجانب التخلي عن الدولار، فإن ذلك سيجعل الاقتراض أكثر صعوبة على الولايات المتحدة، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض.
تكهنات إلغاء الدولرة
بالنسبة لمن ليسوا على دراية بسوق الصرف الأجنبي، يبدو أن تصريحات ترمب تستند إلى تكهنات حول "إلغاء الدولرة"، وهي فكرة اكتسبت بعض الزخم في السنوات الأخيرة. تشير هذه الفكرة إلى أن الولايات المتحدة قد "استخدمت الدولار كسلاح" من خلال فرض عقوبات مالية مشددة على روسيا، بما في ذلك تجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي من العملات الأجنبية. ونتيجة لذلك، قد تسعى الدول التي تختلف أيديولوجياً مع الولايات المتحدة إلى تحويل احتياطياتها إلى عملات دول أخرى أكثر توافقاً معها. على سبيل المثال، عندما اجتمع وزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا في كيب تاون منتصف عام 2023، أفادت "بلومبرغ" بأنهم طلبوا من البنك الذي أنشأته مجموعة "بريكس" تقديم إرشادات حول كيفية إنشاء عملة مشتركة جديدة، يمكنها حماية الأعضاء من تأثير العقوبات المفروضة، مثل تلك التي تواجهها روسيا.
لكن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر السهل. فمنذ أن غزت روسيا أوكرانيا في فبراير 2022، شهد الدولار زيادة في استخدامه بالمعاملات العالمية، حيث ارتفعت حصته إلى 47.8% في يوليو 2023، مقارنةً بـ38.9% سابقاً، وفقاً لبيانات نظام "سويفت" الذي يقدم خدمات الرسائل المالية لأكثر من 10 آلاف مؤسسة وشركة في 210 دول. وقبل عشر سنوات، كانت حصة الدولار أقل من 35%. وهذا يظهر بوضوح أن العالم لا يزال يرى فوائد كبيرة في التعامل بالدولار الذي تدعمه بنية قانونية قوية.
هل هز ترمب الثقة بجاذبية أميركا للاستثمار؟
الالتزام بسيادة القانون هو العامل الرئيسي الذي يجذب رأس المال العالمي إلى الولايات المتحدة في فترات الرخاء والأزمات على حد سواء. فقد زادت حيازات الأجانب من سندات الخزانة الأميركية بمقدار 1.14 تريليون دولار منذ نهاية عام 2020 حتى يونيو، مقارنة بـ1.07 تريليون دولار خلال جميع سنوات حكم ترمب الأربع. وهذا يعكس الثقة المستمرة في الاقتصاد الأميركي. كما ارتفع مؤشر "بلومبرغ للدولار" بنسبة 10.2% خلال إدارة بايدن، بعد أن انخفض بنسبة 11.6% خلال عهد ترمب. وبالمثل، صعد مؤشر "إم إس سي آي يو إس" (MSCI USA) للأسهم بنسبة 42% منذ نهاية 2020، وهو ما يعادل تقريباً 17 ضعفاً لأداء مؤشر "إم إس سي آي" (MSCI) للأسهم العالمية باستثناء الولايات المتحدة.
ما يتجاهله ترمب بشأن الدولار هو حجم الضرر الذي ألحقه الاقتصاد خلال فترة رئاسته. فقد أدت السياسات غير المستقرة وغير المتوقعة، داخلياً وخارجياً، إلى تهديدات دورية للأسس التي يقوم عليها حكم القانون، ما تسبب في أزمة ثقة بكون الولايات المتحدة وجهة استثمارية مستقرة. تراجعت حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية من 65.4% في بداية عام 2017، عندما تولى ترمب منصبه، إلى 60.7% بحلول نهاية ولايته في 2020، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 1995. أما في عهد بايدن، فقد استقرت حصة الدولار لتبلغ 58.9% في نهاية الربع الأول.
تهديد مكانة السندات الأميركية كملاذ الأمن
خطة ترمب لفرض "رسوم جمركية بنسبة 100%" على الدول التي تتخلى عن الدولار تعاني من خلل أساسي. فهذه الرسوم الباهظة قد تأتي بنتائج عكسية، إذ قد تحفز تلك الدول فعلياً على التخلي عن الدولار، ما يهدد مكانة سندات الخزانة الأميركية كملاذ آمن. ووفقاً لأولريش لويشتمن، رئيس أبحاث العملات الأجنبية في "كومرتس بنك"، فإن هذه الخطوة قد "تؤدي إلى ضعف كبير في الدولار". وأشار في مذكرة بحثية يوم الاثنين إلى أن ترمب يسعى إلى "فرض هيمنة الدولار، وهذا يغير كل شيء". وأوضح أن فرض الولايات المتحدة مثل هذه الرسوم الجمركية المفرطة على نطاق واسع سيتسبب في اضطراب كبير للنظام الاقتصادي العالمي.
يشبه ترمب في هذا السياق شخصية دون كيخوت، الذي هاجم طواحين الهواء معتقداً خطأً أنها عمالقة شريرة. لكن الفارق هنا أن دون كيخوت أدرك في النهاية حماقة سعيه وعاد إلى منزله بعد سلسلة من الهزائم. أما ترمب، فلم يصل بعد إلى تلك المرحلة من الإدراك.
بالمختصر
المقال يناقش تهديدات دونالد ترمب المحتملة للدولار الأميركي، حيث يعتمد في حملته الانتخابية على إثارة المخاوف بشأن الاقتصاد والهجرة، ويزعم أن الدول تسعى للتخلي عن الدولار. ومع ذلك، يؤكد المقال أن الدولار لا يزال العملة الاحتياطية الرئيسية عالمياً، مدعوماً بنظام قانوني قوي، وقد ازدادت حصته في المعاملات الدولية منذ غزو روسيا لأوكرانيا.
كما يشير المقال إلى أن ترمب قد يضر بمكانة الدولار من خلال خططه، مثل فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الدول التي تتخلى عن الدولار، ما قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية عالمية. وينتقد المقال سياسات ترمب السابقة التي هزت الثقة في الاقتصاد الأميركي، مشيراً إلى أن الدولار تراجع خلال فترة رئاسته مقارنة بفترة بايدن.