يمكن تفسير تقدم دونالد ترمب على جو بايدن إلى حد بعيد بأنه يعكس عدم رضا الناخبين عن الاقتصاد– والذي يتمثل على وجه التحديد، في المخاوف إزاء ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم. من المرجح أن يصبح الوضع أسوأ كثيراً إذا أصبح ترمب رئيساً.
أكد رئيس مجلس النواب مايك جونسون الشهر الماضي أنه يعمل على مشروع قانون لضبط الميزانية يتضمن -على سبيل المثال لا الحصر- تمديداً كاملاً لقانون تخفيض الضرائب والوظائف في عام 2017، والذي من المقرر أن ينتهي في 2025.
ذكرت لجنة الضرائب قبل أسبوعين أن تكلفة تمديد هذه التخفيضات أصبحت أعلى بنسبة 50%، بالقيمة الاسمية بالدولار، عن تقديرات سابقة. وفي الوقت نفسه، يعمل العضوان الجمهوريان روجر ويكر، وزعيم الأقلية ميتش ماكونيل في مجلس الشيوخ على خطة لرفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
انفصال عن الواقع
في المجمل، فإن هذا يعادل أكثر من 10 تريليونات دولار من الاقتراض الإضافي للإنفاق العسكري والتخفيضات الضريبية وحدهما. يصف بريان ريدل، محلل السياسة المالية في معهد مانهاتن ذي التوجهات المحافظة والذي يفضل زيادة الإنفاق الدفاعي، هذا المزيج من الأولويات بأنه "منفصل تماماً عن الواقع".
ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن هذه هي الأهداف المعلنة للأشخاص الذين سيسيطرون على جدول أعمال العام المقبل إذا فاز الجمهوريون في نوفمبر.
من المؤكد أن هناك الكثير مما يحدث. لكن فحوى الحملة لا يزال منفصلاً على نحو غريب عن هذا السؤال الخاص بالكيفية التي يعتزم بها حزب المعارضة أن يحكم. الشعور العام بين بعض المستائين من بايدن هو أن الأمور لم تسر على النحو المنشود على مدى السنوات الأربع الماضية، فلماذا لا ننتخب ترمب ليعيدنا إلى أميركا، على سبيل المثال، كما كانت عليه في أواخر 2019.
لكن بغض النظر عن توزيع اللوم على ما حدث خلال السنوات القليلة المقبلة- فقط لتنشيط ذاكرتك، فقد شملت الأحداث جائحةً عالميةً، وإنفاق تريليونات على الإغاثة الاقتصادية، والحرب الروسية على أوكرانيا، والجماعات المسلحة المدعومة من إيران التي تعطل الشحن في البحر الأحمر، وعلاوة على أي شيء فعله بايدن، فإن ترمب ليس ساحراً، ولا يمكنه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وعندما تولى بايدن منصب الرئيس في 2021، كان عليه أن يتعامل مع الوضع الذي تركه سلفه. وإذا فاز ترمب، فسيتعين عليه أن يفعل الشيء نفسه.
جدول أعمال شعبوي
في عام 2017، تولى ترمب قيادة اقتصاد ظل يعاني من الكساد إلى حد ما، على الرغم من النمو المطرد لسنوات في عهد باراك أوباما. وكانت المشاركة في قوة العمل في سن مبكرة أقل كثيراً من ذروتها، وكانت أسعار الفائدة قريبة من الصفر لفترة طويلة، وكان التضخم منحسراً. استغل ترمب تلك الفرصة لإطلاق العنان لجدول أعمال شعبوية الاقتصاد الكلي- تضمن تخفيضات ضريبية وزيادة الإنفاق العسكري والمحلي، مع استبعاد إصلاحات لا تحظى بشعبية. نتيجة لذلك، ارتفع معدل التضخم وأسعار الفائدة، ولكن بنسبة محدودة، ولم يعبأ أحد كثيراً في ذلك الوقت، لأن الاقتصاد كان لا يزال يعاني من ركود كبير.
لا يسود أي من هذه الظروف اليوم. فسواء أحببت بايدن أو كرهته، فإن معدل البطالة منخفض للغاية، وانتعشت نسبة العمالة إلى السكان تماماً، وعززت الهجرة حجم القوة العاملة بما يتجاوز تقديرات ما قبل الجائحة. وإضافة المزيد من الحوافز ستؤدي إلى تضخم حاد ما لم يقابله تخفيضات كبيرة في جوانب أخرى في الإنفاق الفيدرالي.
هل سيحدث ذلك؟ إنه ممكن بالتأكيد. يسعى مشروع قانون المصالحة الذي تقدم به الجمهوريون إلى إلغاء كل أو أغلب الإنفاق على الطاقة النظيفة من قانون خفض التضخم. وفي الوقت نفسه، يلتزم الجمهوريون أيضاً بإلغاء الإنفاق الوارد في قانون خفض التضخم على إنفاذ الضرائب وأحكامه المتعلقة بتسعير الأدوية الموصوفة، وكلاهما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع العجز. وسُنَ القانون بالأساس لتقليص العجز والتضخم بشكل طفيف، لذلك من الصعب تحقيق التوازن (بين الإيرادات والمصروفات) عن طريق إلغائه.
اقتصاديات "ماغانوميكس"
تعهد ترمب بإجراء تخفيضات في برنامجي الرعاية الصحية "ميديكير" والضمان الاجتماعي، وهما أكبر برنامجين للحكومة الفيدرالية. لذلك يتبقى لديه برنامج "ميديك إيد"، الذي يوفر الرعاية الصحية للفقراء، والرعاية الطويلة الأجل لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. سعت إدارة ترمب حين كان في المنصب إلى إجراء تخفيضات كبيرة في برنامج "ميديك إيد" كجزء من إلغاء قانون الرعاية الميسرة.
وهذه المرة، يبدو الجمهوريون حذرين بشكل ملحوظ. وفي مقابلة مع "سيمافور"، قال جونسون إن خطط التشريع تمضي بسلاسة، ولكن هناك "الكثير من الابتكار والتغيير الذي نحتاجه بشدة" في مجال الرعاية الصحية.
رغم جهود ترمب.. المحكمة العليا ترفض إلغاء "أوباما كير" وبايدن يهنئ الأميركيين
من الصعب أن نختلف مع دعوة غير محددة إلى "الابتكار والتغيير". ومن الصعب أيضاً اعتبار ذلك إجابة مناسبة للطريقة التي يخطط الجمهوريون لحكم البلاد من خلالها.
لكي نكون منصفين، لا توجد إجابات تبعث على الشعور بالارتياح على السؤال المتعلق بكيفية معالجة عجز الموازنة في ظل تصاعد التوتر الدولي وتقدم السكان في العمر. لكن تخفيضاً ضريبياً هائلاً غير مجدٍ في هذا الصدد، واقترانه بجهد قوي لترحيل نسبة كبيرة من القوى العاملة مع خفض التدفق المستمر للعمال لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلات الأساسية المتعلقة باقتصاديات "ماغانوميكس" أو شعار ترمب الأثير "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى".
اليوم ليس كالبارحة
إذا كان لدى الجمهوريين خطة فعلية لإنجاح هذه الحسابات مع التخفيضات التعويضية في مجالات أخرى، فالأجدر أن يعرف الناس ما هي هذه الخطة.
وإذا كانوا يخططون، كما يبدو أكثر ترجيحاً، لتكرار الصيغة التي استخدموها في ولاية ترمب الأولى، والتي تتلخص في وضع كل شيء على بطاقة الائتمان الوطنية، فإن الناخبين يستحقون أن يعرفوا ذلك أيضاً، ويتعين عليهم أن يفكروا في العواقب المترتبة على ذلك.
السياسة المالية المتراخية أثمرت نتيجتها المرجوة بالنسبة إلى ترمب خلال فترة ولايته السابقة في منصبه. ولكن الظروف تغيرت، وإعادة تفعيل هذه السياسة -كما يعد بأن يفعل حالياً- يهدد بكارثة مالية حقيقية.