البلدان الفقيرة ستواجه صعوبة أكبر في اللحاق بالدول الغنية

نهاية عصر التقارب مع الأثرياء وتراجع معدل الخصوبة وسط ندرة الظروف الملائمة لسرعة النمو الاقتصادي

time reading iconدقائق القراءة - 8
الأعلام الوطنية لدول البرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب أفريقيا الأعضاء في مجموعة \"بريكس\" - الشرق/بلومبرغ
الأعلام الوطنية لدول البرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب أفريقيا الأعضاء في مجموعة "بريكس" - الشرق/بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لديّ بعض الأخبار المزعجة للمليارات من البشر في مختلف أنحاء العالم الذين يعيشون في بلدان لم تحقق تطوراً اقتصادياً كاملاً حتى الآن، وهي أن هذا الجيل ربما يشهد الفرصة الأخيرة أمام دولهم حتى تبلغ ما بلغته الدول المتقدمة.

وأنا هنا أقصد "الفرصة الأخيرة" بمعنى الكلمة. فقد اعتاد الاقتصاديون أن يكتبوا عن "تقارب" بين الدول الفقيرة والغنية، بمعنى أن تضيق الفجوة بينهما. وقد حدث هذا التقارب في حالات كثيرة مثل كوريا الجنوبية وأيرلندا وأجزاء من الصين. غير أن الظروف الملائمة لأن يحدث هذا النمو تزداد ندرة يوماً بعد آخر. وواقع الحال فعلاً أن البلدان الفقيرة لا تحقق نمواً بوتيرة أسرع من البلدان الأغنى، بعكس ما كان سائداً في تسعينيات القرن الماضي.

أزمة خصوبة عالمية

ربما يعود ذلك بشكل رئيسي إلى أزمة الخصوبة. فقد أصبحت معدلات الخصوبة أقل كثيراً مما كان متوقعاً في أميركا اللاتينية على سبيل المثال. وبلغت معدلات الخصوبة في كل من الأوروغواي وكوستاريكا وشيلي وجامايكا وكوبا حوالي 1.3 طفل لكل امرأة. وشهدت المكسيك انخفاضاً في عدد المواليد بنسبة 24% خلال عقد واحد فقط. أما في البرازيل، وهي أكبر دولة في المنطقة في عدد السكان، فيبلغ معدل الخصوبة نحو 1.65 طفل، وقد ينخفض هذا المعدل إلى أقل من ذلك. وكانت الأمم المتحدة تتوقع أن يبلغ عدد سكان البرازيل 216 مليون نسمة هذا العام، ثم تبين أن عددهم لا يتجاوز 203 ملايين نسمة. ومع مرور الوقت، تستطيع أغلب دول أميركا اللاتينية أن تتوقع انخفاضاً في عدد السكان.

أغلب الدول متوسطة الدخل تشهد انخفاضاً مماثلاً في معدل المواليد، مما يعني أن ذلك ليس نتيجة لدوافع ثقافية أو مؤثرات عارضة، ويبدو أن أسبابه الرئيسية تتلخص في تحديد النسل وتحرير المرأة في معظم بلدان العالم النامي، وهي عوامل ربما لن تتحول إلى الاتجاه العكسي، ولا ينبغي ذلك.

والنتيجة، إذا استخدمنا لغة الاقتصاد الكلي، هي أن أغلب البلدان المتخلفة ستشهد انكماشاً متزامناً في كل من الطلب الكلي والعرض الكلي. وهو أمر سلبي بالنسبة للنمو الاقتصادي. فأي اقتصاد وطني يستطيع أن يتعامل مع مشكلة انخفاض عدد السكان، لكن الأمر يصبح في غاية الصعوبة مع الانكماش المستمر في أعدادهم.

حلقة مفرغة

بشكل ملموس، لن يتحقق أي عائد ديموغرافي يساعد على دفع النمو الاقتصادي. بل إن رعاية المسنين ستصبح نشاطاً من الأنشطة الاقتصادية الرئيسية. وستشكل الضرائب والتحويلات اللازمة لدعم أنظمة التقاعد عبئاً إضافياً على الاقتصادات الضعيفة فعلاً، وهو ما قد يساهم بدوره في استمرار انخفاض معدلات الخصوبة. ولن يصبح في مقدور الأسر أن تتحمل إنجاب وتربية الأطفال. وقد تسقط هذه البلدان في فخ انخفاض الخصوبة، أو حتى في حلقة مفرغة من تدهورها. وبما أن الشباب سيمضون فترة أطول في رعاية والديهم المسنين، فإن ذلك أيضاً قد يؤدي إلى انخفاض عدد الأطفال الذين ترغب النساء في إنجابهم.

كما أن البلدان التي ينخفض عدد سكانها ستنتج عدداً أقل من المخترعين ورواد الأعمال. والأسواق المحلية الأصغر ستجعل من الصعب اختراق أسواق التصدير. فعلى سبيل المثال، نجحت شركة "تويوتا" لأنها حققت أداءً جيداً أولاً في اليابان (وهي دولة مكتظة بالسكان نسبياً)، ثم عملت على تحسين جودة منتجاتها ونافست في الأسواق الخارجية. فعندما تكون السوق المحلية صغيرة، تصعب الاستفادة من اقتصاديات الحجم ويصعب على الشركات أن تجد مشترين لبضائعها.

مخاطر الهجرة وشيخوخة السكان

قد يتعرض السكان في هذه الاقتصادات، التي كانت ناشئة ذات يوم، لضرر أشد مما تنذر به معدلات المواليد. ففي نهاية المطاف، تعاني أميركا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان وكوريا الجنوبية انخفاضاً في معدل المواليد هي الأخرى. وستجد العديد من هذه البلدان أن استقبال أعدادٍ كبيرةٍ من المهاجرين ضروري لها من الناحية الاقتصادية، حتى لو اقتصرت هذه الضرورة على تغطية تكاليف أنظمة التقاعد فيها أو العمل في رعاية المسنين. وقد يشكل ذلك استنزافاً إضافياً للسكان في البلدان الأقل ثراءً. وتقوم اليابان بالفعل بإعداد خططها الخاصة بالهجرة.

الشيخوخة والديون.. تحديات تعيق تطور الاقتصاد الصيني في 2024

لا شيء من هذا يبدو كأنه مشكلة أو أزمة مفاجئة. فكما توقفت الاقتصادات الأفقر تدريجياً عن اللحاق بالاقتصادات الأكثر ثراء، فإنها قد تنزلق إلى تباطؤ متواصل في معدلات النمو، بما في ذلك نمو نصيب الفرد في الدخل القومي.

لن يكون الوضع كله سيئاً، فالبلدان الفقيرة، مثلها مثل البلدان الأكثر ثراء، ستستفيد من التقدم في مجال الطب الحيوي. ومع تقدم أعمار السكان في هذه المجتمعات، قد تنخفض معدلات الجريمة. ومع ذلك، قد تبدو الحياة في العديد من هذه البلدان أكثر أماناً، غيرأنها لن تمتلك القدرة على اتباع المسارات الديناميكية لليابان وكوريا الجنوبية، أو حتى اليونان أو البرتغال. وربما تبدأ ذكريات النمو الاقتصادي الكبير في التلاشي، وهو ما قد يزيد من صعوبة إعادة تنشيط النمو.

المناخ والحرب والذكاء الاصطناعي

السنوات والعقود المقبلة ستطرح تحديات أخرى أمام الدول النامية بطبيعة الحال، ومنها تغير المناخ والحرب على سبيل المثال لا الحصر. علاوة على أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى مواجهة الاقتصادات ذات الأجور المنخفضة لصعوبات في أداء الخدمات الأساسية، مثل مراكز الاتصال. فانخفاض معدلات المواليد ليس مصدر الخطر الوحيد على سرعة النمو.

ختاماً، ما زلت أتوقع أن تصبح معظم دول العالم أفضل حالاً بعد عدة عقود من الآن. غير أن عصر التحول الجذري من خلال نمو الاقتصاد المحلي ربما يكون انتهى وتجاوزناه بالفعل.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان