شح الأمطار في قناة بنما يعرقل تجارة الغاز الطبيعي المسال

جفاف غير مسبوق للقناة له تداعيات بعيدة المدى على أسواق الطاقة العالمية فيما يتيح فرصاً لمسارات أخرى

time reading iconدقائق القراءة - 14
حاوية الغاز الطبيعي المسال \"لا مانشا نوتسن\" تعبر قناة بنما، في بنما سيتي، بتاريخ 4 ديسمبر 2019 - المصدر: بلومبرغ
حاوية الغاز الطبيعي المسال "لا مانشا نوتسن" تعبر قناة بنما، في بنما سيتي، بتاريخ 4 ديسمبر 2019 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تتحكم "المضايق الاستراتيجية" - وهي تلك المناطق التي تظهر بشكل مضغوط للغاية على الخريطة- في سوق الطاقة العالمية، ويمكن أن تسبب الفوضى إذا ما تحكمت بها أهواء شخصية، أو قرارات سياسية. وتعد قناة السويس مثالاً على ذلك حينما كانت ساحة لأزمة جيوسياسية اندلعت في عام 1956 وهزت العالم، وكذلك أحدث حالة جنوح لسفينة حاويات جذبت اهتمام وسائل التواصل الاجتماعي (والتجارة العالمية).

هناك قناة أخرى لا تختنق بشكل كامل حالياً، ولكنَّها بدأت تتعثر، وهي قناة بنما، التي تعاني من "جفاف غير مسبوق"، بحسب الجهة المشغّلة للقناة. يمكن أن تكون آثار ذلك على أسواق الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي، بعيدة المدى، مما يؤدي إلى إبطاء المسارات الحالية مع إتاحة فرص لمسارات أخرى.

مضيق رئيسي لتجارة الغاز

أصبحت قناة بنما، وهي إحدى عجائب العالم الحديث الذي يوفر طريقاً مختصراً بين المحيطين الأطلسي والهادئ، أيضاً طريقاً تجارياً رئيسياً للغاز الطبيعي المُسال، من "غلف كوست" الأميركية إلى أسواق النمو في آسيا، بعد أعمال توسعة كبيرة جرت في عام 2016.

لكن هنا تكمن المشكلة؛ إذ يتطلب نظامها المؤلف من بحيرات وأهوسة اصطناعية هطول أمطار غزيرة من أجل التعامل مع الغواطس العميقة للسفن الكبيرة. وكجزء من الجهود المبذولة للحفاظ على المياه والممر المائي؛ خفّضت الجهة المشغّلة للقناة الحد الأقصى للغاطس المسموح به على الأهوسة الأحدث التي تحمل أكبر السفن حجماً. من الناحية النظرية؛ فإنَّ هذا الإجراء لا بد أنَّه لن يؤثر على ناقلات الغاز الطبيعي المسال، المزوّدة بغاطس أقل عُمقاً من الحدود الحالية. ومع ذلك؛ يشير دوج براون، المدير البحري للغاز الطبيعي المسال في شركة "بوتن آند بارتنرز" (Poten & Partners) الاستشارية، إلى أنَّ شحنات الحاويات، الأكثر تضرراً، قد تحتاج إلى تقسيمها لسفن متعددة من أجل تلبية هذه المتطلبات. ونظراً لأنَّ القناة تحتوي على عدد كبير جداً من الفتحات المتاحة يومياً؛ يمكن أن تؤدي حركة الحاويات المرتفعة إلى حدوث اختناقات مرورية في القناة.

مسار مختصر وتكاليف أقل

يتعذر تحديد مقدار الغاز الطبيعي المسال الذي يمر عبر قناة بنما على وجه الدقة. تتعقب "بلومبرغ إن إي إف" عدد الناقلات (كاملة الحمولة) التي تعبر القناة. واستناداً إلى هذه الأرقام فضلاً عن عدد كبير من الافتراضات؛ ربما يُقدّر حجم تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية التي تبحر عبر القناة بحوالي 5%. وبافتراض أنَّ الغالبية العظمى من هذه الشحنات تأتي من الولايات المتحدة؛ فإنَّه على الرغم من ذلك قد يصل حجم مناولة صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ للقناة معدلاً يقترب من 60%.

يبلغ متوسط المدة التي تستغرقها ناقلة الغاز الطبيعي المسال 21 يوماً للإبحار من "غلف كوست" إلى اليابان عبر قناة بنما، مقارنة بـ34 يوماً إذا اتجهت شرقاً عبر قناة السويس، وفقاً لـ"بلومبرغ إن إي إف".

إنَّ وقت الإبحار الأقصر يعني تكاليف أقل، بما في ذلك حرق وقود أقل. لكن هذه الأرقام قابلة للتغيير أيضاً، نظراً لأنَّ السفن التي لم تحجز فترة زمنية كافية مسبقاً يمكن أن تُجبر على الانتظار لأيام أو حتى أسبوع أو أسبوعين للدخول إلى القناة.

على المدى القريب، من غير المحتمل حدوث اضطراب في تجارة الغاز الطبيعي المسال بين الولايات المتحدة وآسيا. ولننظر إلى الأمر على أنَّه مشكلة في المساحة المتاحة للإبحار في القناة إذا ضُغطت الفترات الزمنية للإبحار.

رياح عكسية أمام شركات الشحن

لو قررت شركة الشحن أنَّ مسار قناة بنما محفوف بالمخاطر؛ فمن المحتمل أن تتجه ناحية الشرق بدلاً من ذلك، وتدفع تكلفة إضافية.

علاوة على ذلك، أدّت الحرب في أوكرانيا، وما صاحب ذلك من اضطراب في صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية إلى سحب عدد أكبر من شحنات الغاز الطبيعي المسال الأميركية عبر المحيط الأطلسي على أي حال.

وانخفض عدد ناقلات الغاز الطبيعي المسال التي تعبر قناة بنما بنحو 30% في السنة المالية المنتهية في سبتمبر 2022، التي تشمل الأشهر السبعة الأولى من الحرب، وفقاً للجهة المشغّلة. ويمكن أن يؤدي استمرار الحرب إلى جانب التعرض لشتاء أشد قسوة في أوروبا، في وقت لاحق من هذا العام، إلى انخفاض حركة المرور على أي حال.

سوق الغاز والمناخ

أما المشكلة الأخرى في سوق الغاز العالمية فتتعلق بالمناخ في بنما على مدى العقود العديدة المقبلة، إذ حذّرت الجهة المشغّلة للقناة من أنَّ الوصول المتوقَّع لظاهرة "إل نينيو" قد يزيد الأمور سوءاً، وجاء ذلك على هامش الإعلان عن تدابير للتعامل مع الجفاف. والأهم من ذلك، أنَّها أضافت أيضاً أنَّ فترات الجفاف التي كانت تستغرق سابقاً دورة مدتها خمس سنوات، قد تسارعت لتصبح كل ثلاث سنوات. من الصعب الوقوف على صحة هذا النمط من عدمه، لكنَّه يقدم مستوى إضافياً من المخاطرة إلى مسار عبور حيوي بالنسبة إلى التجارة، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال.

لكن على الجانب الآخر، قد توفر هذه الأزمة فرصة لمشاريع الغاز الطبيعي المسال على ساحل المحيط الهادئ في أميركا الشمالية. وهناك مشروعان كبيران للتصدير قيد الإنشاء بالفعل، أحدهما في باجا كاليفورنيا بالمكسيك، والآخر في كولومبيا البريطانية بكندا. ويحظى المشروع المقترح منذ فترة طويلة لجلب غاز ألاسكا إلى آسيا بالانتعاش، على الأقل من حيث الدعم المتاح وزخم الدعاية حوله.

الميزة الكبيرة لجميع هذه المشروعات، سواء كانت قائمة أو محتملة، هي قربها من أكبر وأسرع سوق للغاز الطبيعي المسال نمواً على ظهر هذا الكوكب. فالسفينة التي تستغرق من باجا إلى يوكوهاما أقل من أسبوعين يمكن أن تبحر من كيتيمات في كولومبيا البريطانية للوصول إلى هناك في غضون 10 أيام. وكل ذلك دون الحاجة إلى دفع رسوم عبور أو انتظار دورك أو توقُّع هطول الأمطار في بنما.

على مستوى أوسع، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إعادة التأكيد على ضرورة عدم الاعتماد بشكل كبير على دولة بعينها في إمدادات الطاقة الحيوية، وينطبق الأمر نفسه على المضايق. فالتطورات تندلع، سواء أكانت حرباً أم طقساً، ويمكن للموردين الذين يطرحون بديلاً للالتفاف على هذه العقبات أن يجدوا أنفسهم فجأة محل طلب كبير.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

Panama City

25°C
غيوم متفرقة
العظمى / الصغرى 24°/25°
9.3 كم/س
80%

حرب أوكرانيا تهدّد تعافي قطاع الشحن البحري

time reading iconدقائق القراءة - 14
سفينة شحن محمّلة بالقمح للتصدير من ميناء مايكوليف في أوكرانيا عام 2016 - المصدر: بلومبرغ
سفينة شحن محمّلة بالقمح للتصدير من ميناء مايكوليف في أوكرانيا عام 2016 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

وضع استمرار غزو روسيا لأوكرانيا صناعة الشحن البحري في تأهب لتلقي صدمات من حيث قوة العمل، حيث تعتمد على أطقم ذات خبرة من البلدين.

يشكل البحارة الأوكرانيون والروس نحو 15% من بحارة القطاع البالغ عددهم 1.9 مليون بحار إضافة لنسبة عالية من موظفيها وعامليها ذوي الرتب. جندت أوكرانيا الرجال دون سن الستين ومنعتهم من مغادرة البلاد، بينما طلب بعض من كانوا على متن السفن بالفعل العودة إلى بلادهم للقتال أو العودة إلى أسرهم. وصعّب حظر الطيران على البحارة الروس الوصول إلى سفنهم أو العودة إلى ديارهم، كما أنه بات يؤثر سلباً على تناوب الأطقم.

كما صعّبت العقوبات العالمية على روسيا ومحدودية الوصول للعملات الصعبة على البحارة تحصيل أجورهم المستحقة أو إرسال الأموال إلى عائلاتهم في الوطن.

قال مارك أونيل، الرئيس التنفيذي لشركة "كولومبيا شيب مانجمنت" (Columbia Ship management): "التأثير المشترك لكوفيد والحرب كارثة على الشحن... القيود المفروضة على البحارة الروس والأوكرانيين بسبب الحرب، بالإضافة إلى اضطراب كوفيد، ستلحق الضرر بسلاسل التوريد كما ستدفع أجور البحارة للارتفاع لأكثر من أي وقت مضى."

شهدت جميع اقتصادات العالم تقريباً انخفاضاً بالتجارة الدولية نتيجة اضطرابات الحرب، وفقاً لـمعهد كيل للاقتصاد العالمي. كان التأثير على الشحن وهو أحد أقدم نشاطات العالم التجارية، شبه فوري مع بدء الغزو.

تضرّرت خمس سفن تجارية على الأقل جراء انفجارات قبالة شواطئ أوكرانيا، كما توفي بحار واحد على الأقل وغرقت سفينة شحن كانت ترفع علم بنما الأسبوع الماضي خارج ميناء أوديسا بعد انفجار. حوصرت أكثر من 140 سفينة على متنها أكثر من ألف بحار في المياه الأوكرانية منذ بدء الغزو الروسي. بينما الموانئ القريبة مغلقة، والسفن لا تغادر خوفاً من تعرضها للقصف بالصواريخ أو الألغام في مياه البحر الأسود.

التقطت كاميرا اللحظة التي ضرب فيها انفجار نتج عن صاروخ سفينة "بانغلار سامريدهو"، حسب الإعلام الأوكراني

تمديد عقود

ينصح بعض مديري السفن الأوكرانيين من طواقمها بالبقاء على متن السفينة، قائلين إنه من الخطر العودة. وطلب بعض العمال تمديد عقودهم بدلاً من العودة لمنطقة الصراع. ويعيش عديد من البحارة في خيرسون أو ماريوبول، المدن الجنوبية التي تتعرض الآن لهجوم روسي عنيف، حسب ما قال كوبا زيمانسكي، الأمين العام لمؤسسة "انتر مانيجر" (InterManager) التي تمثّل مديري السفن. وبيّن زيمانسكي أن الراغبين بالعودة إلى ديارهم غالباً مرسلون إلى دول أوروبية مجاورة مثل بولندا ورومانيا للانضمام إلى أسرهم أو لانتظار انتهاء هذا الوضع.

معظم أفراد أطقم سفن "بي بي سي تشارترنغ" (BBC Chartering)، وهي شركة شحن أوكرانية تتخذ من ألمانيا مقراً لها، هم من الروس أو الأوكرانيين. تشعر الشركة الآن بالقلق من رغبة عدد كبير من طاقمها الأوكراني بالعودة إلى ديارهم وعائلاتهم، ولا يمكن لأي بدلاء محتملين من روسيا السفر خارج البلاد.

قال دينيس باندورا، العضو المنتدب لوحدة الشرق الأوسط التابعة للشركة: "نحن نحمل حمولات شحن ثقيلة، لذلك هناك سؤال حول من سيحل محل أفراد الطواقم هذه... المعرفة برفع وتخزين الشحنات تأتي من طواقم روسية وأوكرانية".

الرواتب والعقوبات

أمكنت السيطرة على تحديات الطواقم حتى الآن، حيث ترسل بعض شركات الشحن البحارة الروس إلى الشرق الأوسط لأن الرحلات الجوية الروسية متاحة إليه. وقالت شركة "إيه بي مولر ميرسك" (A.P. Moller-Maersk) أنها أوقفت تغيير الطواقم في أوكرانيا بسبب المخاوف الأمنية، ووضعت بحارة أوكرانيين كانوا عائدين إلى ديارهم في بولندا مؤقتاً.

هناك أيضاً مشكلة حصول العمال على رواتبهم، فقد فرضت معظم البنوك الأوكرانية قيوداً على السحوبات النقدية اليومية لمنع التهافت على البنوك، وفُرضت عقوبات على عديد من المؤسسات المالية الروسية التي تصرف رواتب البحارة. ويتقاضى البحارة حالياً رواتبهم نقداً أو تُحول رواتبهم إلى بطاقات خصم أو ائتمان ستتعرض غالباً للعقوبات قريباً.

كما يتصاعد التوتر على متن السفن. أبلغت شركة أونيل "كولومبيا شيب مانجمنت" الطاقم بعدم مناقشة الحرب على متن السفينة. كما أن أونيل أرسل مقاطع فيديو منتظمة للبحارة لتشجيع التضامن والتعاطف والاحترام.

قال أونيل، الذي يقدر أن سفن شركته تحمل في جميع أالأوقات نحو 600 روسي و800 أوكراني: "يشعر البحارة الروس أيضاً بأن الكثيرين يتحدثون عنهم بشكل سلبي... التوترات على متن السفن التي فيها أطقم روسية وأوكرانية مختلطة هي حتماً في تصاعد".

تصنيفات
النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

تغيير حجم الخط

كييف

13 دقائق

8°C
مطر خفيف
العظمى / الصغرى 8°/8°
13.1 كم/س
85%

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.