تكريماً لشهر تاريخ السود، اسمحوا لي بإعادة النظر إلى فكرة متعلقة بالماضي، تحتاج بشدة إلى إعادة دراستها، وهي: أن العبودية في الولايات المتحدة، بالرغم من خطئها الأخلاقي، إلا أنها كانت ممارسة "منتجة اقتصادياً"، وساعدت في تشكيل أساس الرأسمالية الأمريكية.
النظرة الاقتصادية
صحيح، العبودية حققت بالفعل ثروة كبيرة لمن مارسها، حيث كان الدخل الناتج عن الاستعباد أعلى بكثير من تكاليفه المالية. وتم رسملة هذا الفارق في القيمة السوقية للعمالة المُستعبدة، والتي قُدّرت بقيمة 4 مليارات دولار في عام 1860، وهي قيمة أكبر من قيمة أي مصرف أو خطوط للسكك الحديدية مجتمعة في ذلك الوقت. حيث كانت العوائد السنوية المتوقعة تبلغ بين 7% إلى 10% سنوياً، وهو أداء استثماري يعد مثيراً للإعجاب حتى في وقتنا الحالي.
كذلك كان لدى المنظومة أسواق "فعّالة"، رغم أنها منفّرة أخلاقياً، حيث خصّصت للعمالة المستعبدة مجموعة من المهام والأماكن المحددة، بهدف تحقيق مستويات إنتاجية مرتفعة لكل عامل. وبعد التحرّر من العبودية، انخفضت كل غلال المحاصيل وحجم الإنتاج وقيمة الأراضي والأرباح الزراعية بشكل كبير في الجنوب، وهي الظاهرة التي قادت المؤرخين والاقتصاديين للتحدّث عن "تكلفة" الحرب الأهلية، أو عن "الثروة المفقودة" الناتجة عن الحرب الأهلية التي أنهت نظام العبودية.
تقييمات غير مكتملة
مع ذلك، تأخذ تقييمات الكفاءة والإنتاجية هذه في الاعتبار منظور ممارسي الاستعباد فقط، وبالتالي تأخذ المنطق التقليدي "للشركات/مالكين" من جهة و"العمال/مستعبدين" من جهة أخرى إلى منحى أبعد مما ينبغي بكثير. ويجب ألا ينحصر أي تحليل جيد للأمر على دراسة قدرة ممارسي الاستعباد على استخراج القيمة فقط من الأشخاص الذين استعبدوهم، بل يجب قياس التكاليف الباهظة المفروضة على من تعرضوا للاستغلال أيضاً.
فعلى سبيل المثال، يجب أن يشمل التحليل الألم العاطفي الناجم عن ابتعاد هؤلاء الأشخاص عن أسرهم، ويجب أن يأخذ في حسبانه الإكراه على العمل بما في ذلك خارج أوقات العمل، وهو الأمر الذي كان مطلوباً للحفاظ على الإنتاجية المرتفعة للأشخاص المستعبدين الذين كانوا ينتجون خلال 35 دقيقة فقط، ما ينتجه نظرائهم الأحرار في الشمال خلال ساعة واحدة.
فشل أخلاقي واقتصادي
إن التفكير في التكاليف التي تحملها من تعرّضوا للاستعباد، يكشف عدم وجود كفاءة اقتصادية هائلة للعبودية كما يعتقد البعض. حيث كانت هذه الممارسة بمثابة فشل أخلاقي وفشل للسوق أيضاً، حيث كانت تنتهك مبدأ أساسياً للاقتصاد الحر، وهو القدرة على التحكّم في السلع والخدمات، أي العمالة في هذه الحالة.
على عكس ذلك، منح التحرّر قيمة هائلة للأشخاص السود المُستَعبدين سابقاً، وكان مجرد تحركهم كما يحلو لهم خلال أوقات فراغهم، يمثل مصدراً رائعاً للحرية وللمصلحة الاقتصادية أيضاً. حيث تكتسب المهام البسيطة معنى جديد عند أداءها خارج نطاق الاستعباد. ويعد إهمال احتساب قيمة الحرية أمراً يتجاهل أولئك الأكثر تأثراً بالمنظومة.
أثناء عملي مع ريتشارد هورنبيك، سعيت إلى تحديد قيمة الحرية لأولئك الذين تم تحريرهم، أي الثروة الناتجة عن إتاحة الفرصة لإعادة 13% من عدد السكان المنتمين إلى العمالة المُستَعبدة لقضاء أوقاتهم كما يناسبهم. ووجدنا أن الفوائد التي تعود على المُستَعبدين السابقين تجاوزت بكثير الانخفاضات المصاحبة في إنتاج القطن والسلع الأخرى ذات الصلة.
لذا بدلاً من تدمير الثروات، أدى التحرّر في الواقع إلى أكبر صدمة إنتاجية إيجابية في تاريخ الولايات المتحدة. وفي ظل الافتراضات المتحفظة حول القيمة المقدرة لهذه الأوقات من عدم العمل بالنسبة للأشخاص المستعبدين، فإننا نقدّر أن مكاسب الإنتاجية وصلت من 10% إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالتأكيد أن النقاشات حول دور العبودية في التنمية السياسية والاقتصادية الأمريكية تحتاج إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لتجربة المستعبدين أنفسهم. ويكشف القيام بذلك أن التحرّر في واقع الأمر لم يُدمر نظاماً فعّالاً ويؤدي إلى تدهور اقتصادي، ولكن على العكس من ذلك، فإن الحرية، التي لا تزال بعيدة عن الكثيرين، هي مُحرك النمو الاقتصادي.