مع اقتراب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من إنهاء برنامج شراء الأصول في مارس والبدء برفع أسعار الفائدة بعد ذلك بوقت قصير، يتحول الاهتمام إلى الخطوة التالية في عملية التشديد النقدي: تقليص حيازات البنك المركزي التي تربو على 8 تريليونات دولار من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة برهن عقاري.
لدي أخبار مطمئنة للقلقين من أن هذا "التشديد الكمي" قد يجلب مفاجآت غير سارة على غرار اضطرابات سوق المال في 2019: سيسعى الفيدرالي للتأكد من أن العملية لن تتعدى إثارةً كتلك التي يجلبها النظر إلى الطلاء وهو يجف.
ماذا عن توجهات الاحتياطي الفيدرالي بعد رفع الفائدة في مارس؟
إن حكمنا على الأمور وفقاً لمجريات اجتماع صناع السياسة في ديسمبر، سنجد أن مسؤولي الفيدرالي يعملون على خطة تحمل أوجه تشابه مع دورة التشديد الكمي السابقة التي بدأت في أكتوبر 2017، من حيث إنها ستستلزم السماح باستحقاق الأوراق مع تحديد سقف للمبالغ الشهرية وسيُبلغ عنها قبل وقت طويل كما ستكون أداة ثانوية مقارنة بالأداة السياسة الرئيسية للفيدرالي وهي الفائدة. لكن أشار المسؤولون أيضاً إلى اختلافين رئيسيين يوحيان بأن التشديد الكمي سيبدأ قريباً بعد رفع الفائدة، وسيكون بوتيرة أسرع: أولهما أن التوقعات الاقتصادية أقوى مع ارتفاع التضخم وسوق العمل قاصرة من حيث العمالة، وثانيهما أن حيازات الفيدرالي أكبر بكثير ومتوسط أجل الاستحقاق أقصر.
انتقال بطيء
خلال فترة التوسع الاقتصادي الماضية، كان الانتقال عبر مراحل تطبيع السياسة النقدية بطيئاً للغاية، ولم تبدأ جولة تقليص المركز المالي إلا بعد ثلاث سنوات من إنهاء الفيدرالي لبرنامج شراء الأصول، لكن هذه المرة، قد يكون الفاصل الزمني أقل من عام. لا يعني التحول الأسرع بالضرورة أن التخلص من الحيازات سيبدأ عند مستوى أقل من أسعار الفائدة قصيرة الأجل إذ أنه خلال الدورة السابقة، لم يبدأ إلا بعد أن كانت الفائدة الفيدرالية أعلى من 1%. يمكن الوصول إلى هذا المستوى بنهاية العام في ظل استعداد البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة عدة مرات في 2022.
بعد إنهاء التيسير الكمي.. أسواق السندات تترقب "فيضان معروض"
جادل بعض مسؤولي الفيدرالي بأن التشديد الكمي يجب أن يبدأ في وقت أقرب عند سعر فائدة أقل بهدف رفع أسعار الفائدة طويلة الأجل ودعم المؤسسات المالية، التي تميل إلى الإقراض بأسعار الفائدة طويلة الأجل والاقتراض بفائدة قصيرة الأجل. رغم أنّي لا أستطيع استبعاد ذلك، أود أن أشير إلى أن البدء عند مستوى فائدة أقل قد يتعارض مع التزام الفيدرالي بجعل الفائدة أداة السياسة النقدية الأساسية.
إن ركزت على رفع الفائدة فوق 1% أولاً، فستكون لديك قدرة أكبر على عكس المسار واستخدامها كأداة تحفيزية في حال تعرض الاقتصاد لصدمة معاكسة. يفهم المسؤولون تأثير التغيرات في أسعار الفائدة بشكل أفضل بكثير من التغيرات في حجم المركز المالي، وهذا هو السبب في استخدامهم لذاك الأخير فقط في الحالات القصوى، أي حين تصل أسعار الفائدة الحد الأدنى الصفري.
دون المستوى المرغوب
كما ناقش المسؤولون في الفيدرالي الاضطرابات في أسواق المال التي ساعدت الحلقة الماضية من التشديد الكمي على إثارتها، ومع تقليص البنك المركزي لمركزه المالي، فقد خفض كذلك المبلغ الإجمالي للاحتياطيات في النظام المصرفي، وفي سبتمبر 2019، انخفضت الاحتياطيات إلى دون المستوى الذي تريده البنوك، ما جعلها تحجم عن الإقراض قصير الأجل، وبالتالي ارتفعت الفائدة في سوق إعادة الشراء، حيث يقترض عديد من المؤسسات المالية لتمويل الاستثمارات في سندات الخزانة والأوراق المالية الأخرى، لكن هناك مخاطر أقل بكثير لتكرر ذلك هذه المرة، لأن الفيدرالي قد أنشأ منذ ذلك الحين مرفق إعادة شراء دائم واسع النطاق يمكن للمؤسسات المالية الوصول إليه بسرعة إذا احتاجت إلى أموال.
باول: الاقتصاد الأمريكي يمكنه الصمود أمام تشديد السياسة النقدية
المسألة الأخرى هي ما إذا كان ينبغي أن يعدل الفيدرالي تركيبة حيازاته، يشتري الفيدرالي منذ مارس 2020 سندات الخزانة والأوراق المالية للوكالات المدعومة برهن عقاري، لكن هدفه على المدى الطويل هو امتلاك سندات الخزانة فقط. اقترح بعض مسؤولي الفيدرالي السماح بالتخلص من الممتلكات المدعومة بالرهن العقاري بسرعة أكبر، أو حتى إعادة استثمار العائدات في سندات الخزانة. رغم أن هذا الجدل قد يجذب الكثير من الاهتمام في الأشهر المقبلة، فمن المحتمل أن يلتزم الفيدرالي بإستراتيجية تقليل الممتلكات بمعدلات مماثلة للمشتريات السابقة.
اليمين واليسار يتفقان أن الاحتياطي الفيدرالي تأخر بالتعامل مع التضخم
أخيراً، أتوقع أن يسير التشديد الكمي بسلاسة. أولا، سيأتي الإعلان موضحاً كيف سيعمل كل شيء، ثم سيبدأ التخلص من الممتلكات عندما تُرفع أسعار الفائدة بشكل كافٍ فوق الحد الأدنى الصفري، ثم، إن سمحت الظروف الاقتصادية، سيستمر التقليص تلقائياً حتى يصل المركز المالي إلى النقطة التي يكون فيها المعروض من احتياطيات البنوك أعلى بشكل طفيف من الطلب الأساسي.
قد يؤدي التحول في الممتلكات من الاحتياطي الفيدرالي إلى مستثمري القطاع الخاص، بجانب انخفاض الاحتياطيات، إلى زيادة علاوة المخاطرة على سندات الخزانة طويلة الأجل، ما يرفع بدوره العائدات الأطول أجلاً، لكن الفائدة طويلة الأجل لن ترتفع بقدر الفائدة قصيرة الأجل، وبالتالي فإن منحنى العائد سيستوي.
سيكون كل هذا أقل إثارة بكثير مما يتوقعه بعض أشد مراقبي الفيدرالي، وهو بالضبط ما يسعى إليه المسؤولون في الاحتياطي الفيدرالي.