من السهل على أي أحد أن يقول إن هناك تنافراً بين النفط والبطاريات. فالبطاريات تزّود السيارات الكهربائية بالطاقة، متحدية بذلك القبضة المهيمنة للنفط على وسائل النقل. لكن إذا تعمّقنا في الأمر، سنجد أن الأمور أكثر تعقيداً.
على سبيل المثال، الشركة التي قامت بتسويق بطارية الليثيوم أيون للمرة الأولى في أواخر السبعينيات، لم تكن سوى شركة "إكسون موبيل". أما اليوم، وبعد أربعة عقود، فإن شركات النفط الكبرى، يمكن أن توفر دفعة قوية، بل وكبيرة بشكل واضح، لثورة البطاريات.
قد لا تتطلب تقنيات الطاقة الأحدث، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات، وجود صهاريج وقود لكي تعمل، لكنها تحتاج إلى معادن من كل الأنواع لبنائها. وبشكل خاص، تستخدم البطاريات الكبيرة القابلة لإعادة الشحن، مجموعة من المعادن، يعدّ الليثيوم العنصر الأكثر وضوحاً بينها.
انقر هنا للاطلاع على آخر أسعار المعادن
العنصر الآخر هو الكوبالت الذي يُستخدم في أقطاب بطاريات الليثيوم أيون نظراً لكثافة الطاقة العالية والاستقرار الحراري اللذين يوفرهما. يذهب أكثر من 40% من كبريت الكوبالت المُكرّر حالياً إلى بطاريات المركبات والتخزين الثابت، وسترتفع هذه النسبة، خصوصاً إذا تكثّفت جهود إزالة الكربون كما يجب. وبالنظر إلى سيناريو صافي الصفر في توقعاتها الأخيرة للسيارات الكهربائية على المدى الطويل، خلُصت "بلومبرغ إن إي إف" ( Bloomberg NEF) إلى أن الاحتياطيات المعروفة من الكوبالت، ستنفد بحلول منتصف الأربعينيات من القرن الحالي، علماً أن سعر الكوبالت تضاعف تقريباً هذا العام.
اقرأ أيضاً: من يصنع بطاريات المركبات الكهربائية التي تحترق؟
استجابةً لذلك، سعى مطورو البطاريات إلى تقليص كمية الكوبالت المطلوبة. تستغني إحدى الكيميائيات، وهي فوسفات حديد الليثيوم، عنه بشكل كلي، بل وقد اكتسب ذلك شهرة حتى في تصنيع سيارات شركة "تسلا" المصنوعة في الصين. كما تحتوي تلك الكيميائيات على طاقة أقل ويصل نطاقها إلى وزن معيّن، وبالتالي تعتبر الأنسب للطرازات الأصغر أو الأرخص.
تحديات كبيرة
مع ذلك، ستطرأ مشكلة أخرى إذا لم يتم التخلّص الكامل من الكوبالت في البطاريات. يتم استخراج أربعة أخماس الإمدادات الحالية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي تتعرض فيها الصناعة إلى عدة معوّقات تشمل الفساد، وضعف معايير السلامة، والمعايير الأخلاقية، بما في ذلك استخدام عمالة الأطفال. وعلاوة على ذلك، لدى الصين نسبة مماثلة من طاقة تكرير الكوبالت، الأمر الذي لا يثير غضب مؤيدي الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات فقطـ، بل ويميل إلى جذب انتباه قادة الأمن القومي أيضاً.
بعيداً عن تغيير وتبديل كيميائيات البطاريات وتحسين إعادة التدوير، فإن ذلك سيساعد في العثور على المزيد من الكوبالت في أماكن إضافية. وقد كتب دريك بينيت تحقيقاً مميّزاً في "بلومبرغ بزنس ويك" مؤخراً عن شركة "كوبولد ميتالز" (KoBold Metals) الناشئة، التي تأسست قبل ثلاث سنوات واجتذبت استثمارات من أمثال "بريكثرو إنيرجي فينتيرز"" (Breakthrough Energy Ventures) التابعة لشركة "آندريسون هورويتس" (Andreessen Horowitz) وبيل غيتس. (يستثمر مايكل بلومبرغ، مالك "بلومبرغ إل بي"، في كلا الشركتين).
اقرأ المزيد: هل يحتاج سوق السيارات الكهربائية لبطارية من نوع جديد؟
رغم أن الاسم يبدو وكأنه شركة عادية للتعدين، إلا أن "كوبولد" تتخصص في البرمجيات والتحليلات، وتستخدم الذكاء الاصطناعي للتعمُّق في الملاحظات الجيولوجية من أجل تحديد الرواسب التجارية المحتملة للمعادن بما في ذلك الكوبالت، والتي قد لا تتم ملاحظتها خلافاً لذلك. توّصلت مجموعة "بي إتش بي" (BHP)، وهي أكبر شركة تعدين في العالم من حيث القيمة السوقية، مؤخراً إلى اتفاقية مع "كوبولد" للتنقيب بشكل مشترك في غرب أستراليا.
الحاجة إلى البيانات
ما تحتاج إليه أي عملية بيانات ضخمة قبل كل شيء، هو كمية كبيرة من البيانات، وهذا هو المجال الذي يُمكن أن تشارك فيه أكبر الشركات النفطية.
تقوم الشركات النفطية بالتنقيب منذ أكثر من قرن، وبينما انصّب اهتمامها الأساسي على العثور على المادة السوداء اللزجة أو الغاز غير مرئي، فمن شبه المؤكد أن البيانات المُجمّعة عن ظروف وتكوين ما يكمن تحت السطح، ستكون مفيدة في البحث عن مجموعة أوسع من المعادن.
يجب أن يكون هناك قدر لا يمكن تصوّره من تلك البيانات التي تم تسجيلها في الملفات ولم يتم استخدامها، خصوصاً لدى الشركات الكبرى التي قامت تقريباً بتفتيش كل ركن من أركان العالم في وقت أو آخر، بما في ذلك في أعماق البحار. بدأ التصوير الزلزالي ثلاثي الأبعاد باستخدام الموجات الصوتية منذ ما يقرب من نصف قرن. تعني تعقيدات هذا الأمر أن الظهور المنتظم لشركات النفط في قمة تصنيفات أجهزة الكمبيوتر العملاقة الأكثر تقدماً في العالم ليس مسألة من قبيل الصدفة. يعتبر أحد الحواسيب المستخدمة، لدى شركة "إيني" (Eni) الإيطالية، الأعلى تصنيفاً لشركة نفطية كبيرة في أحد التصنيفات، وقد حل في المرتبة التاسعة. بلا شك، هناك مجموعة من البيانات القديمة والملاحظات الميدانية القيّمة أيضاً نظراً لاحتوائها على الأفكار التي قدمها الجيوفيزيائيون على الفور.
اقرأ أيضاً: "أبل" تُفاوض شركتين صينيتين لتصنيع بطاريات سيارتها الكهربائية المرتقبة
لطالما قام قطاع الأعمال الغيور بحماية هذه البيانات لأسباب متعددة، أحدها وليس آخرها، يتعلّق بإمكانية بيعها لشركات نفطية أخرى. لكن اليوم، على الأقل بالنسبة إلى الغالبية الغربية، تتضافر الضغوط المالية والسياسية والمجتمعية لتقييد الاستكشاف. تتسّم الروح العامة باستغلال الاحتياطيات المتاحة لأطول فترة ممكنة بدلاً من تحقيق المليارات من عمليات صيد جديدة. على هذا الأساس، تُشكّل نسبة متزايدة من البيانات المُخزّنة داخل الشركات النفطية الكبرى، أصلاً عالقاً قيد الانتظار.
تُقدّم شركات من أمثال "كوبولد" طريقة واحدة لتحقيق الدخل من هذه الطريقة. قد تكون هناك تعقيدات، أحدها وليس آخرها، يتعلّق بالحساسيات حول السيادة، والتي لا تبتعد عن قطاع النفط. من ناحية أخرى، تحتاج الدول النفطية إلى المال والصناعات الجديدة ذات الطاقات الهائلة أيضاً. فوق كل ذلك، يسمح البحث عن البيانات الضخمة لدى الشركات النفطية الكبرى من قبل شركات من أمثال المتواجدة في وادي السيليكون، بمعالجة الأزمة الحرجة في مجال البطاريات. ويُمكن لذلك أن يحقق ميّزة إضافية، وهي الفوز المباشر نسبياً بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في الصناعة التي تحتاجها.