لهذه الأسباب.. تشكيل احتياطي أميركي من بتكوين محفوف بالمخاطر

حكومة الولايات المتحدة قد تصبح قطباً للعملات المشفرة.. والذهب أكبر الخاسرين من هذه الخطوة

time reading iconدقائق القراءة - 12
رمز 'بتكوين' يتوسط صورة دوائر إلكترونية دقيقة في منصة لتداول العملات المشفرة في برشلونة - بلومبرغ
رمز 'بتكوين' يتوسط صورة دوائر إلكترونية دقيقة في منصة لتداول العملات المشفرة في برشلونة - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حققت صناديق بتكوين المتداولة نجاحاً باهراً في الولايات المتحدة، لدرجة أن بحيازتها حالياً ما يزيد عن مليون وحدة من العملة المشفرة، أي نحو 5% من إجمالي بتكوين الموجودة حالياً، ما يناهز الحجم المُجمد منذ فترة طويلة في محفظة أول قطب في السوق، مبتكر العملة المشفرة الذي يكتنف الغموض هويته الحقيقية ويُعرف باسم ساتوشي ناكاموتو.

إلا أن هناك جهة أخرى قد تشتري القدر نفسه يحتمل أن تدخل الساحة، وذلك في ظل جهود أحد حلفاء دونالد ترمب في مجلس الشيوخ لإصدار قانون يقتضي أن يبيع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قدراً من الذهب الذي بحيازته لتمويل شراء مليون بتكوين وإنشاء احتياطي من العملة المشفرة لدى الحكومة الأميركية.

أما بالنسبة للشركات، فإن قيمة ما تملكه شركة البرمجيات "مايكروستراتيجي"، التي أسسها مايكل سايلور، من بتكوين تبلغ نحو 38 مليار دولار، وتتجه الشركة الآن إلى أسواق المال لشراء المزيد.

لم تكن كل هذه التطورات لتخطر على البال في بدايات بتكوين قبل عدة سنوات، عندما كان سعر العملة المشفرة بضعة سنتات، واقتصر الاهتمام بها على خبراء التكنولوجيا التحرريين، الذين سعوا إلى إنشاء نظام مالي بديل بمأمن من سيطرة الحكومة ووسطاء "وول ستريت" والشركات الكبرى الأخرى. إلا أن الأوضاع انقلبت، إذ تشتري هذه المؤسسات نفسها كميات هائلة من عملات بتكوين المتاحة الآن.

تركز بتكوين لا يعني السيطرة

يرى مارك كونورز، المؤسس وكبير استراتيجيي الاستثمار في شركة "ريسك دايمنشنز" (Risk Dimensions)، أن احتمال إنشاء احتياطي أميركي من بتكوين قد يدفع عدداً أكبر من الحكومات لشراء العملة المشفرة، ما قد يشكل ما يُطلق عليه اسم "خطر التركز".

وأضاف كونورز: "قد يكمن هذا الخطر في تركز العملة المشفرة لدى مجموعتي الدول العشر والدول العشرين أو لدى شركات مثل (بلاك روك). وهذا مصدر للقلق، بالأخص لدى المتخصصين المحافظين".

مع ذلك، لا تظهر اعتراضات كثيرة، حتى بين المتخصصين المحافظين، ويرجع ذلك -ضمن أسباب أخرى- ببساطة إلى أن استمرار الطلب الهائل يؤدي إلى ارتفاع سعر بتكوين أكثر فأكثر، حالياً على الأقل، ويتفشى الأمل في أن يستمر ذلك.

وهناك سبب آخر يتمثل في الاختلاف عن طبيعة ملكية أسهم الشركات، إذ إن البرمجة الأساسية لسلسلة كتل (بلوكتشين) بتكوين تمنع حتى أكبر المالكين من السيطرة بأي شكل على طريقة عملها.

وعن ذلك قال مايكل تربين، المستثمر الخبير في العملات المشفرة: "لم يعد لأوائل المبادرين بامتلاك (بتكوين) سيطرة على أسواق العملات المشفرة العالمية، رغم تحقيقهم أعلى المكاسب. فامتلاك كميات كبيرة من (بتكوين) يختلف عن السيطرة عليها، ونجد أن الحكومات على سبيل المثال تمتلك حصة كبيرة من الذهب على مستوى العالم، لكنها لا تتحكم في سعره أو استخدامه، وهذا ما قد يحدث مع بتكوين في نهاية المطاف".

رغم ذلك، فإن الملكية المركزة للعملة المشفرة تصاحبها مخاطر على كل المرتبطين ببتكوين، حيث إن العديد من مالكي صناديق بتكوين المتداولة ليسوا ممن يُطلق عليهم "المحتفظين بالعملة المشفرة لمدة طويلة"، ويصممون على عدم بيعها في جميع الظروف، بل ربما يتخارجون من السوق بأعداد كبيرة في حالة هبوط سعر العملة المشفرة بدلاً من ذلك، ما يُحتمل أن يفاقم تقلبات سعر بتكوين المرتفعة بالفعل.

والقطب الجديد المرتقب في سوق العملات المشفرة هو الحكومة الأميركية نفسها، التي يتحول موقفها تماماً من كونها أكبر معارضي قطاع العملات المشفرة إلى أحد أشد داعميه، فيما يستعد ترمب للعودة إلى البيت الأبيض.

مخاطر على بتكوين والذهب

بعد أن تغير موقفه من مشكك في العملات المشفرة لأحد أشد داعميها، تعهد ترمب بإنشاء احتياطي نقدي حكومي، ويُتوقع أن يعتمد على أكثر من 200 ألف بتكوين في حيازة الحكومة بعد مصادرة أصول. 

رغم ذلك، لم يدعم ترمب حتى الآن مشروع القانون الذي طرحته عضوة مجلس الشيوخ عن ولاية "وايومنغ"، سينثيا لوميس، وينص على بيع الاحتياطي الفيدرالي شهادات ذهبية لشراء مليون عملة بتكوين لضمها إلى ذلك الاحتياطي، ما يترك عدداً كبيراً من مراقبي الأسواق في حالة ترقب لأي تلميح على اعتزامه دعم المقترح.

إن الاحتمال المثير لإنشاء احتياطي استراتيجي أميركي من بتكوين يؤدي بالفعل إلى مخاطر على المستثمرين الذين يتعجلون المزيد من الارتفاع في سعر العملة المشفرة، حيث أصبحت التوقعات بوصولها إلى 500 ألف دولار، أو حتى مليون دولار أكثر شيوعاً.

من الناحية النظرية والدفترية، يوجد لدى الاحتياطي الفيدرالي كمية كبيرة من الذهب، تناهز قيمتها 690 مليار دولار بحسب أسعار السوق الحالية، وبمقدوره بيعها لشراء الكمية المقترحة من بتكوين التي تبلغ قيمتها حالياً نحو 100 مليار دولار.

مع ذلك، من المؤكد أنه سيحدث تغير كبير في الأرقام في حالة بدأ ترمب والكونغرس الأميركي في دعم مشروع القانون الذي اقترحته لوميس، حيث يُرجح أن يسبب بيع الحكومة المتوقع لكمية كبيرة من المعدن النفيس انخفاض سعر الذهب، وأن تؤدي الخطط المعلنة لشراء كمية كبيرة من بتكوين إلى ارتفاع سعرها.

أثر سياسي أكبر على بتكوين

رغم كل ذلك، لا يوجد ما يضمن نجاح ترمب في إنشاء الاحتياطي، بغض النظر عن توفر الدعم الكافي في الكونغرس لإقرار مشروع قانون يقتضي بيع المعدن النفيس الذي شكل مخزناً معترفاً به للقيمة لآلاف السنين، لشراء عملة رقمية ابتُكرت قبل 15 عاماً فقط وتُعرف بالتقلبات الحادة في سعرها، وسمعتها على أنها العملة المفضلة لدى المحتالين. فيما يشير التداول على منصة توقعات العملات المشفرة "بولي ماركت" (Polymarket) إلى أن احتمال إنشاء احتياطي من بتكوين خلال أول 100 يوم من فترة ترمب يصل إلى 28% فقط.

ولا يحتمل إلا أن تتزايد المخاطر في المدى الطويل في حالة إنشاء الاحتياطي فعلاً وتمويل مزيد من عمليات الشراء.

أكدت نويل أتشيسون، معدة النشرة الإخبارية "كريبتو إز ماكرو ناو" (Cyrpto is Macro Now)، ذلك بقولها: "سترتفع الأسعار بالطبع. لكن السوق ستكون أكثر تأثراً بتغيير الحكومة، على سبيل المثال، بل إن تغيير رأي الحكومة الحالية حتى قد يسبب طوفاناً من ضغوط البيع في السوق، وهبوطاً قد يقضي على القيمة بالنسبة لمالكي العملة المشفرة في جميع أنحاء العالم، الذي يعتمد كثير منهم على (بتكوين) في التحوط من انخفاض قيمة العملة في المدى الطويل".

إقبال المستثمرين على بتكوين

رغم ذلك، وبينما تنتظر الأسواق حالياً بداية ولاية ترمب الرئاسية والكونغرس الجديد، فهناك فترة من الحماس والود يصعب فيها إيجاد عدد كبير من المستثمرين المرجحين لهبوط سعر بتكوين في الأجل القصير، بالنظر إلى أنها أصل ارتفع سعره من 5 سنتات في 2010 إلى نحو 100 ألف دولار حالياً، كما أن الصناديق المتداولة قللت بشكل كبير من المخاطر المتوقعة من الانكشاف على الشركات الناشئة المتخصصة بالعملات المشفرة، مثل "إف تي إكس" التي انهارت في 2022 ونشرت العدوى في جميع أنحاء قطاع العملات المشفرة.

قال مات هوغان، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "بت وايز" (Bitwise) التي أصدرت صندوق بتكوين متداولاً، في مقابلة إنه منذ بداية أكتوبر، أفضت الاجتماعات التي عقدها مع مستشاري الاستثمار المعتمدين والمؤسسات الاستثمارية المسجلة بنسبة 40% إلى استثمارات، مقارنة بنسبة 10% قبلها.

وهوغان ليس الوحيد الذي يشهد هذه الزيادة في الاهتمام، حيث قال ماثيو سيغل، مدير بحوث الأصل الرقمية في شركة "فان إيك" (VanEck) المُصدرة لصندوق بتكوين متداول أيضاً، في مقابلة: "هاتفي لا يتوقف عن الرنين. يبدو أن مستشاري الاستثمار المعتمدين متحمسون بشكل خاص لبدء الاستثمار في الأصول المشفرة".

طلب أكثر وعرض أقل من بتكوين

مع نمو الطلب وتضخم محفظة المؤسسات الكبرى من العملات المشفرة في السوق، لا يوجد عدد كافٍ من البائعين للسيطرة على الأسعار، بالأخص متى تعلق الأمر بأوائل المبادرين إلى امتلاك بتكوين الذي يترددون في بيعها على الإطلاق. ومن جهة أخرى هناك نسبة مجهولة من بتكوين لن تتداول أبداً بسبب كلمات المرور المنسية أو الأقراص الصلبة المفقودة التي تحتوي على مفاتيح محافظ العملة المشفرة.

أما بالنسبة لساتوشي نفسه، الذي يُعتقد أن محفظته تحتوي على 1.1 مليون بتكوين، فتنتشر توقعات حول وفاته أو وفاتها، ما سيترك تلك العملات المشفرة مُجمدة للأبد.

وبحسب شركة "غلاس نود" (Glassnode) للبيانات، فإن 65% من عملات بتكوين الحالية لم تُتداول من أكثر من عام بحلول منتصف أكتوبر.

وفي الوقت نفسه، يواصل المعروض من عملات بتكوين الجديدة التراجع، ما يُعد جزءاً أساسياً من تصميم سلسلة الكتل التي تهدف إلى حمايتها من التعرض لذلك النوع من التضخم الذي يصيب الدول التي تطبع الأموال بمعدل أكثر من اللازم.

توقع إدوارد تشين، الشريك المؤسس لشركة "باراتاكسيس كابيتال" (Parataxis Capital)، أن الزيادة السنوية في عرض بتكوين بما يقارب 164250 وحدة، التي تُدفع إلى الجهات التي تُجرى العمليات الحاسوبية المعروفة باسم "التعدين" وتهدف إلى تأمين الشبكة، لن تكفي إلا لتلبية نصف الطلب فقط من "مايكروستراتيجي" والاحتياطي الأميركي المقترح بموجب مشروع القانون الذي اقترحته لوميس في حالة إقراره.

واستطرد: "بإضافة عدد المشترين عبر الصناديق المتداولة، التي اشترت بالفعل كميات كبيرة من بتكوين منذ بداية العام، سيرتفع حجم الطلب، وبإضافة الصناديق السيادية الأخرى، والأفراد والمؤسسات الاستثمارية غير الأميركية، لن يوجد ما يكفي من العملة المشفرة لتلبية الطلب، إلا إذا ارتفع السعر بشكل كبير، ما سيدفع المالكين الحاليين إلى البيع".

نتيجة لذلك، ستنطوي المخاطر الناتجة عن الملكية الجماعية المركزة الجديدة لبتكوين على جانب آخر، حيث إن عدداً من التوقعات المذهلة لسعر أول عملة مشفرة، بعد أن كانت مجرد أحلام للمتحمسين للعملات المشفرة، أصبحت أقرب للتحقق عما كانت من قبل.

يتوقع تشين أن يصل سعر بتكوين إلى 500 ألف دولار على الأقل، اعتماداً على الإجراءات الفعلية التي ستتخذها حكومة الولايات المتحدة، إلا أن "الأرجح أننا أقرب إلى أن يبلغ سعر (بتكوين) مليون دولار بحسب القيمة الحالية، إذ ستشكل العملة المشفرة جزءاً من القاعدة النقدية العالمية، على غرار الذهب في الفترة الحالية".

تصنيفات

قصص قد تهمك