لا توجد سابقة حقيقية في صناعة الأدوية تُشبه الظهور السريع لشركة "موديرنا" (Moderna) على خلفية طرحها للقاح كوفيد-19 عالي الفعالية. فقد ارتفعت القيمة السوقية للشركة من 6 مليارات دولار إلى ذروة بلغت 200 مليار دولار تقريباً خلال 19 شهراً، متجاوزةً الشركات الرائدة منذ قرن من الزمن. وقد أُدرجت الشركة الشهر الماضي في مؤشر "ستاندرد آند بورز500".
سهم "موديرنا" يحلّق منتعشاً بقرب انضمامه إلى مؤشر "S&P 500"
في الواقع، يتطلَّب الأمر قفزةً إلى صناعة مختلفة تماماً للعثور على مقارنة جيدة. إذ أمضت شركة "تسلا" لمؤسسها إيلون ماسك معظم الأشهر الـ19 الماضية في سباق مماثل، وارتفعت قيمتها من أقل من 100 مليار دولار إلى ذروة تجاوزت 800 مليار دولار، كما انضمَّت إلى مؤشر "ستاندرد آند بورز500" خلال مسيرتها، وأصبحت الشركة الرائدة في مجالها، والمتفوِّقة على منافسيها بمراحل كبيرة (تقدَّر قيمتها بحوالي 700 مليار دولار اليوم). ولا يبدو تقييم أي من الشركتين منطقياً وفق أي نوع من التحليل التقليدي؛ ولكن مع وصف "موديرنا" اليوم باسم "تسلا التكنولوجيا الحيوية"، فمن الواضح أنَّه لا يوجد خيار سوى النظر فيما يمكن أن يجمع بين الشركة المطوِّرة للأدوية، وشركة تصنيع السيارات الكهربائية.
حجم السوق المستهدف
يمكن النظر إلى تقييم شركة "تسلا" على أنَّه يرتكز على "إجمالي حجم السوق المستهدف"؛ الذي يعتبر مسألة مهمة بشكل خاص للشركات الناشئة والثورية، لأنَّه في حال عدم وجود أرباح كبيرة، تُركِّز عروض مبيعاتها على النمو؛ و يُعدُّ الشرط المسبق للنمو مساحة عملاقة يمكنها التوسُّع فيها. كما ترتبط إحدى الخصائص المتسقة دوماً مع "تسلا" على مرِّ السنين، بإنشاء مثل هذه المساحة، إمَّا بهدف خلق مجال لحشد الدعم المستقبلي، أو لتبرير حشد سابق.
صافي الأرباح الفصلية لـ"تسلا" تتخطى المليار دولار للمرة الأولى
هذا وتزداد ضرورة هذه العملية مع تقدُّم التقييم. وإليكم ما نعنيه: تهدف "تسلا" إلى زيادة مبيعات السيارات بنسبة 50% سنوياً في المتوسط "على مدى أفق متعدد السنوات"، ولنفترض أنَّها تمكَّنت من تحقيق ذلك بالإضافة إلى هامشٍ صافٍ ثابتٍ بنسبة 10% على المركبات التي تبلغ تكلفة كل منها 50,000 دولار؛ ستبيع "تسلا" بحلول عام 2026 ما يقرب من واحدة من أصل اثنتين من جميع السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات في جميع أنحاء العالم، وستكون قد وسَّعت إيراداتها من السيارات بمقدار 11 ضعفاً. وحتى لو افترضنا كل ذلك؛ فإنَّ سعر السهم الحالي سيكون 23 ضعف تلك الأرباح المتوقَّعة لمدَّة خمس سنوات.
"تسلا" و"موديرنا" تسحقان البائعين على المكشوف
بالتأكيد، يمكنكم أن تفترضوا نموَّاً أسرع في الطلب على المركبات الكهربائية، أو حتى هوامش أعلى أو كليهما. ولكن لماذا لا نوسِّع آفاقنا، ونقول، إنَّه بصرف النظر عن التفوق في مجال المركبات الكهربائية، ستعمل "تسلا" أيضاً على خوض غمار القيادة الذاتية، وتشغيل أساطيل من الروبوتات، وتحويل إمدادات الطاقة (بشكل مربح)، وإدارة شركة تأمين بمليارات الدولارات، وربما حتى إطلاق نشاط في مجال الطيران قد تكون قيمته بمفرده في مكان ما بين 14% و140% من سعر السهم الحالي؟
هذا لا يعني إنكار النجاح الفعلي؛ فمن الواضح أنَّ "تسلا" حقَّقت الكثير، وقدَّمت أسبابها المقنعة للاعتقاد بأنَّ مسار النمو سيستمر. والنقطة المهمة، هي أنَّه بمجرد إثبات حقيقة أنَّ شركتك هي في الواقع "منصة رقمية" ذات إمكانات غير محدودة للمنتجات؛ فإنَّ السماء ستكون الحد الأقصى. إذ يمكنك أيضاً تثبيت السعر المستهدف الذي تريده بدقة بدلاً من مواجهة مشكلة تقييم أي شيء.
"موديرنا"
ماذا عن "موديرنا"؟ يعكس تقييمها أيضاً توقُّعات النمو الكبير، الذي يأتي في هذه الحالة من عاملين رئيسيين: استمرار مبيعات لقاح كوفيد، والمكاسب غير المتوقَّعة في المستقبل من اللقاحات، والعلاجات الجديدة قيد التطوير التي تستخدم نفس تقنية الحمض النووي الريبي المرسال.
في الواقع؛ فإنَّ لقاح كوفيد هو منتج فريد يستحق التقدير. وسيحقق ربحاً غير عادي في العامين المقبلين؛ إذ من المتوقَّع أن تحقِّق شركة "موديرنا" 29 مليار دولار من الأرباح المعدلة قبل الفوائد، والضرائب، والاستهلاك، والإطفاء خلال عامي 2021، و2022 مقارنة بـ 23 مليار دولار من المتوقَّع أن تحققه "تسلا". إلا أنَّ النطاق النهائي للفرصة، وطول عمرها غير واضحين، وذلك اعتماداً على ما إذا كانت الجرعات المعززة ستحظى بشعبية أم لا، أو أنَّ اللقاحات المصمَّمة لسلالات مختلفة ستكون مطلوبة أو لا، أو ما إذا تعثَّر المنافسون. وفي الواقع؛ فإنَّ التفاؤل من جميع الجبهات يكمن في السعر، ومن ثمَّ بعض العوامل الأخرى. ومع ذلك، تشير تقديرات المحللين إلى أنَّ المبيعات (والأرباح) ستنخفض بشكل حاد بعد العام المقبل.
18.4 مليار دولار تعاقدات موديرنا للقاح كورونا منذ بداية العام
كما هو الحال مع "تسلا"، يعتمد الكثير من مضاعف ربحية "موديرنا" على منتجات مستقبلية نظرية؛ لذلك من الناحية النظرية، يبدو أنَّه لم يضع إلى جانب البيع أرقاماً حول العديد منها أيضاً.
صحيح أنَّ نجاح لقاح كوفيد يبشر بالخير بالنسبة لأدوية الحمض النووي الريبي المرسال الأخرى. ومع ذلك؛ ووفقاً لتقديرات اليوم، يبدو أنَّ المستثمرين يعتقدون أنَّ "موديرنا" "ستنتج بشكل أسرع، بمخاطر أقل، واحتمال أعلى للنجاح، وفعالية أكبر من التقنيات القديمة"، وفقاً لمايكل يي، المحلل في شركة "جيفريز" (Jefferies). وهذه قفزة شبيهة بقفزة "تسلا"، من ناحية الاستفادة من نجاح لقاح جائحة واحد فريد من نوعه، مهما كان مثيراً للإعجاب.
الحقيقة هي أنَّه من غير المحتمل أن يحقق أي منتج لـ"موديرنا" بعيداً عن لقاح كوفيد-19 مبيعات كبيرة قبل النصف الثاني من هذا العقد. هذا ويتكوَّن الجزء الأكبر، والأكثر تأكيداً من منتجاتها من لقاحات أخرى، مما يجعلها تميل إلى أن تكون واحدة من الشركات الدوائية الأقل ربحية خارج نطاق الجائحة. هناك القليل من البيانات حول تطبيقات "موديرنا" الخمسة الأخرى لعلاجات الحمض النووي الريبي المرسال على علاج أمراض مثل السرطان، كما يعمل العديد من المنافسين في كلٍّ من تكنولوجيتها الأساسية، وأسواقها المحدَّدة. كذلك؛ فإنَّ أي انخفاض في تفاؤل مبيعات كوفيد يضع عبئاً أكبر على فكرة أنَّ الشركة لن تحل البيولوجيا البشرية فحسب، بل ستتقن أيضاً مجال العمل في تطوير الأدوية الذي يُعدُّ مكلفاً ومعرَّضاً للفشل.
مستقبلاً.. "موديرنا" تستخدم الحمض النووي المرسال لمحاربة الإنفلونزا والسرطان
ما من شكٍّ أنَّه لا يوجد العديد من الأعمال المبتكرة الجديدة لتغطية إجمالي السوق المستهدف لشركة "موديرنا"، وإنَّما هي أمراض مختلفة فحسب. وعلى الرغم من أنَّ الوعود بالابتكار الثوري، وميزة البحث والتطوير هي جميعها إغراءات شائعة لمستثمري التكنولوجيا الحيوية، إلا أنَّها نادراً ما تؤتي ثمارها. ربما لهذا السبب يظل محللو التكنولوجيا الحيوية، الذين يشتهرون بكونهم قادة المشجِّعين، متشككين في الارتفاعات التي تآكلت مؤخَّراً.
في هذا الصدد على الأقل، ما تزال مسيرة "موديرنا" على خطى "تسلا" غير مكتملة بعد.