بدايةً، طُلب من شركة "باي تي إم" (Paytm) تجميد أعمالها المصرفية، في حملة قاسية كبدت شركة المدفوعات الرقمية الرائدة في الهند نحو 60% من قيمتها السوقية في أسبوعين. لاحقاً جاءت الإملاءات التنظيمية لشركة "فيزا" (Visa) التي طُلب منها التوقف عن استخدام بطاقات العمل الخاصة بها للمدفوعات التجارية عندما تكون شركة تكنولوجيا وسيطاً في العملية. والآن، تشير تقارير إعلامية إلى أن المزيد من الوسطاء غير المصرفيين يترقبون ضربة قوية. ما الذي جعل بنك الاحتياطي الهندي (البنك المركزي) غريب الأطوار فجأة؟
قد تكمن الإجابة على هذا السؤال في السحابة، أو بشكل أدق في الحوسبة السحابية، خصوصاً أن نمو الخدمات المصرفية الجديدة يرجع إلى خدمات "أمازون ويب"، التي سمحت للدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم بنقل أعداد كبيرة جداً من المدفوعات الصغيرة بشكل فوري.
ومع ذلك، خلقت لعبة "السرعة والغضب" هذه مجالاً أكبر للاحتيال، في بلد كانت فيه الوثائق دائماً غير مكتملة. حتى "آدهار"، وهو الرقم الفريد القائم على البيانات البيومترية، والبطاقة التي من المفترض أن يحدد الهنود من خلالها هويتهم، لا ينبغي الاعتماد عليهما كدليل على تاريخ الميلاد، حسبما قال مدير أكبر مشروع للهوية في العالم مؤخراً.
خصوصية هشّة
التنظيمات الخاصة بعملية "اعرف عميلك"، أو ما يُعرف بـ"كي واي سي" (KYC - Know Your Customer) ليست سهلة في أي مكان.
لكن تبني التكنولوجيا المالية في الهند، أدى إلى ما هو أكثر من مجرد فتح الأبواب أمام الشمول المالي. أضافت الخدمات السحابية التعقيد والمخاطر إلى المشهد العام. فقبل ثلاث سنوات، تعرضت صني ليون، ممثلة بوليوود، للاحتيال من قبل شخص استخدم اسمها فقط ورقم هويتها الضريبية، للحصول على قرض وهمي بقيمة 27 دولاراً، مما أدى في النهاية إلى إفساد درجة الائتمان الخاصة بها. وجميع البيانات الأخرى، بما في ذلك عنوانها ورقم هاتفها وبريدها الإلكتروني وتاريخ ميلادها وحسابها البنكي، كانت مزيفة، وفقاً لتقرير صادر عن موقع "ذا كين" الإخباري.
اقرأ أيضاً: المتداولون الأفراد يخسرون المليارات في سوق عقود الخيارات المزدهرة
إذا كانت عملية التعرف إلى العملاء الأفراد هزيلةً إلى هذا الحد، فإن عملية دمج الشركات ليست صارمة أيضاً. كان من المعتاد أن تجار التجزئة الكبار فقط هم الذين يقبلون الدفع عبر الإنترنت، لأن البطاقات كانت باهظة الثمن بالنسبة للتجار الصغار.
ولكن الآن يقبل أكثر من 50 مليون تاجر عمليات الدفع عبر رمز الاستجابة السريعة (QR Code) القائم على الهواتف الذكية في كل مكان، ويُعرف باسم واجهة المدفوعات الموحدة "يو بي آي" (UPI). سجلت "يو بي آي" أكثر من 100 مليار معاملة في العام الماضي من بين أنظمة الحساب إلى الحساب الأسرع نمواً إلى جانب نظام "بي آي إكس" (PIX) البرازيلي، الذي انضم لاحقاً.
لكن من هم بالضبط التجار الذين يقبلون الأموال عبر الإنترنت؟ إن ما فعله وسطاء التكنولوجيا المالية هو شيء مبتكر، إذ أنشأوا عناوين افتراضية - مثل "أمازون@بوكتس" (amazon@pockets) - كمستفيدين شرعيين. ومع ذلك، ستواجه الجهة التنظيمية مشكلة إذا تم فتح الحساب المصرفي المرتبط بهذا العنوان الافتراضي بواسطة أحد اسمه "سيكجسكه فيدبه" (Ckjxh Fiddbh)، والذي لا يبدو أنه اسم حقيقي. (على الرغم من ذلك، فإن هذا المثال حقيقي، وهو مستعار من العمل الاستقصائي الذي أجراه الباحث الأمني كاران سايني العام الماضي).
دور البنوك
شركات التكنولوجيا المالية التي توفر تطبيقات للمستهلكين، ورموز الاستجابة السريعة للتجار، تضمن السرعة عن طريق وضع عملياتها الحاسوبية على السحابة، حيث يمكن توسيع النشاط بسرعة من دون الحاجة إلى الاستثمار في خوادم داخلية.
ومع ذلك، على جانبي أي معاملة، هناك مؤسسات قبول الودائع، واحدة للمرسل لإرسال الأموال والأخرى للمستلم لاستلام الأموال. هؤلاء يحاولون التعامل مع الزيادة في الأحجام باستخدام برامج البنوك الأساسية التي تعمل على أجهزة الكمبيوتر المركزية من "آي بي إم" (IBM).
هذا النظام ذو السرعتين لا يعمل عندما يتعين على اللاعبين التقليديين التعامل مع عدد كبير من السحوبات الصغيرة بسرعة. لهذا السبب، بالنسبة إلى مدفوعات التجار، تحافظ شركات مثل "باي تي إم" على ما يسمى بالحسابات المركزية مع مؤسسات الإيداع. تدير البنوك الضغط على بنيتها التحتية عن طريق تسجيل السحوبات فقط عندما يقوم العملاء بشحن محافظهم، وليس في كل مرة يستخدمون فيها تطبيقاتهم في متجر.
اقرأ أيضاً: تداولات قياسية ببورصة الهند مقارنة بنظيرتها في هونغ كونغ
يعتبر أناند فينكاتانارايانان، مستشار التكنولوجيا المالية في بنغالورو، أنه يجب التفكير بالحسابات المركزية كحواجز لامتصاص الصدمات، تقوم بمعالجة المدفوعات في الوقت الفعلي على السحابة، وتسليمها إلى حسابات التجار المصرفية، عبر نظام البنوك الأساسية، في غضون يوم أو يومين.
ولكن في هذا النظام، من المحتمل أن يكون لدى السلطات بعض الشكوك حول من يحول الأموال إلى من عبر هذه المعاملات، وحتى الموافقة على عملية "اعرف عميلك" للتاجر لا تعني شيئاً يذكر.
هذا هو الانزعاج الذي يتضح في إجراء البنك المركزي الهندي الأخير، إذ قام البنك بتجميد الاعتمادات الجديدة في حسابات "باي تي إم" البنكية للدفع بسبب "عدم الامتثال المستمر، ومخاوف الرقابة المادية المستمرة"، كما أمر المركزي بإلغاء الحسابات المركزية لشركة "وان97 كوميونيكيشنز" (One97 Communications) المدرجة، و"باي تي إم بيمنت سيرفيسز"، وهي شركة تابعة، "في أقرب وقت ممكن".
مخاوف المركزي
شرح لي خبير كبير في مجال المدفوعات بمومباي أن مخاوف بنك الاحتياطي الهندي من بطاقات الائتمان للشركات قد تكون مشابهة. فلماذا يقوم أي تاجر بدفع رسوم 1% لشركة تكنولوجيا مالية لنقل رصيد بطاقته إلى حسابه المصرفي، إلا إذا كانوا مقرضين غير مرخص لهم، يقومون بتحويل الأموال إلى مقترض وافق على دفع 2%؟ وضع في اعتبارك أن النشاط الفعلي الذي يتم تمويله قد لا يكون غير قانوني، ففي اقتصاد رقمي متسارع، تحتاج الكثير من بضائع التجارة الإلكترونية إلى تخزين. ولا يُسمح لشركة "فليب كارت" (Flipkart) المملوكة لشركة "وال مارت" (Walmart) وشركة "أمازون.كوم" بموجب القانون الهندي بإدارة مخزونها الخاص. لكن على شخص ما أن يفعل ذلك.
اقرأ أيضاً: "بنك أوف أميركا" يتوقع نشاطاً قياسياً للتمويل في الهند خلال عامين
ومع ذلك، فإن تمويل سلسلة التوريد البريء يصبح محفوفاً بالمخاطر عندما يختبئ في الظلام. مع مواجهة النظام المصرفي الرسمي لنقص السيولة، ربما لا تشعر السلطات النقدية بالراحة إزاء ارتفاع حجم القروض بشكل أسرع من الودائع.
حاول بنك الاحتياطي الهندي ترخيص مشغلي الحسابات المركزية كـ"مجمعي مدفوعات"، حتى يتمكن من الإشراف على هذه الشركات المالية التكنولوجية. ومع ذلك، بغض النظر عما يفعله، قد يجد البنك نفسه دائماً خارج نطاق التواصل بعض الشيء.
3 نقاط ضعف مالية
هناك ثلاثة مواطن ضعف أساسية تحتاج إلى معالجة. أولاً، تحتاج عملية "اعرف عميلك" إلى أساس أكثر صلابة، فإذا كان العمل بـ"آدهار" سيستمر، فلا بد من جعله موثوقاً وآمناً.
ثانياً، تشكل المدفوعات الرقمية 40% من إجمالي المدفوعات، لكن مصدرها ومصيرها هو نظام مصرفي يكسب القليل جداً من هذا النشاط. وبما أن معظم معاملات الـ"يو بي آي" مجانية، فإن لدى المقرضين التقليديين حافزاً ضئيلاً لتسريع دورة تحديث تقنيتهم.
وثالثاً، تعتبر شركة المدفوعات الوطنية في الهند، التي تدير "يو بي آي"، شركة احتكارية. هذا النشاط "السريع والغاضب" سيصبح حتماً مليئاً بالاحتيال، طالما أن النظام المفضل للمعاملات المالية عبر الإنترنت خالٍ من الرسوم العادلة، وخالٍ من المنافسة.