البريد الإلكتروني عمل فعلي ضمن وظيفتك الحقيقية

الذكاء الاصطناعي لن ينقذنا من مهام العمل المملة.. واستخدام تلك المهارات لصالحك أفضل من رؤيتها كمصدر إزعاج

time reading iconدقائق القراءة - 13
مهمة متابعة البريد الإلكتروني لا يجب أن تمتد لبعد ساعات العمل - المصدر: بلومبرغ
مهمة متابعة البريد الإلكتروني لا يجب أن تمتد لبعد ساعات العمل - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تستهلك الاجتماعات ومتابعة البريد الإلكتروني حالياً يومين كاملين أسبوعياً لدى كثير من الموظفين المكتبيين، وفقاً لبيانات حديثة من "مايكروسوفت"، التي جُمعت عبر تتبّع استخدام العملاء لتطبيقاتها المكتبية، وذلك بالإضافة إلى استخدام برامج المحادثة ليمضي 57% من أسبوع العمل في التواصل مع الزملاء، بينما يمضي الوقت المتبقي في العمل المكتبي على برامج مثل "الإكسيل"، و"الوورد"، و"الباوربوينت".

وهنا تبدأ القصص عن قلة ما لدينا من وقت لأداء "وظائفنا الحقيقية" و"العمل الفعلي".

لكنَّ الفصل بين متابعة البريد الإلكتروني والاجتماعات من ناحية، والعمل الفعلي من ناحية أخرى خطأ في حد ذاته، فالاجتماع مع الزملاء، والتواصل معهم ومناقشتهم والعصف الذهني واتخاذ القرار، كلها تمثل جزءاً من وظائفنا، وكلها تعبر عن عمل فعلي.

تقبل الواقع

إذا قبلنا أنَّها أجزاء أساسية في العديد من الوظائف؛ سنتعامل معها بجدية تكفي لأن نحسن استخدامها. أما إذا رفضنا؛ فسنسمح لأنفسنا بالاستمرار في أدائها بشكل سيئ، ونحاصر أنفسنا في حلقة مفرغة، يضيع فيها الكثير من وقتنا على الرسائل الإلكترونية العقيمة والاجتماعات عديمة الجدوى.

فنظرك للاجتماعات وكأنَّها ليست ضمن وظيفتك الحقيقية سيسمح لك بإدارة اجتماعات فوضوية أو حضور غيرها دون تركيزك التام. وإذا ظننت أنَّ متابعة البريد الإلكتروني ليست ضمن عملك الفعلي، فالأرجح أنَّك ستترك الرسائل تتراكم، أو سترسل خطابات طويلة ركيكة الصياغة تحيّر الناس أو تسبب الاستياء.

إذا اقتنع المديرون بفكرة أنَّ متابعة البريد الإلكتروني والاجتماعات عمل زائف بدرجة ما، برغم حقيقة أنَّها كذلك كلما ارتقيت في سلسلة القيادة؛ زاد الوقت الذي سيقضونه في الاجتماعات غالباً، والأرجح أنَّهم سيفرطون في إسناد مهام للآخرين.

تحسين المهارات

بغض النظر عن موقعك في التسلسل الوظيفي؛ فمتابعة البريد الإلكتروني وتطبيقات المحادثة هي عمل فعلي، حيث تشكل تلك الأدوات أغلب التعاملات المهنية، فمن خلالها نوضح أولوياتنا ونقنع بعضنا بعضاً، كما يمكنها أن تساعدنا على زيادة نفوذنا أو تلاشيه.

التعامل بجدية مع البريد الإلكتروني يفضي إلى التحسن في استخدامه، فيستخدم المراسلون المهرة عناوين الرسالة بطريقة استراتيجية، ويدخلون في صلب الموضوع مباشرة، وليس في الفقرة الخامسة. لا يرسلون نسخة كربونية إلى متلقين لا حاجة لضمهم إلى سلسلة الرسائل، ويعوضون عن نبرة الرسالة الإلكترونية الباردة بطبعها ببذل بعض الجهد لنقل المودة.

الأمر ذاته ينطبق على الاجتماعات، فإدارة اجتماع ناجح تحتاج إلى مهارة، في إعداد جدول الأعمال، ودعوة الأشخاص المناسبين، وإبقاء النقاش في إطار الموضوع، وإسناد المهام في النهاية.

أن تكون مشاركاً جيداً في الاجتماع يحتاج ذلك أيضاً إلى بعض الجهد، مثل الحضور في الموعد المحدد، والاستعداد للإنصات والمناقشة في عصرنا المليء بمسببات التشتت، كما أنَّ منح انتباهك الكامل للمتحدث يحتاج إلى انضباط. وإذا بذل الجميع مثل هذا الجهد؛ سترتفع قيمة اجتماعاتنا، ويقل عددها.

تدخل الذكاء الاصطناعي

قد تكون نظرتنا السلبية الخاطئة لحضور الاجتماعات جزءاً من المشكلة، مع ذلك؛ إذا كنت ستعرض شيئاً ما في اجتماع، واستغرقت وقتاً في إعداد الشرائح على "باوربوينت" والتدرب على العرض، فمن الواضح أنَّ هذا عمل فعلي. وبالتالي؛ لن يكون الإنصات لعرض شخص آخر أقل أهمية.

على نحو مشابه، قد لا تبدو متابعة البريد الإلكتروني عملاً فعلياً لأنَّنا نعتبرها وسيلة للرد على طلبات الآخرين واحتياجاتهم. فتدفق الرسائل هو أمر لا يد لنا فيه، حيث تغمرنا الرسائل الإلكترونية، ونحن نتعامل معها على أنَّها مصدر إزعاج.

اقترحت "مايكروسوفت" حلاً لذلك، وهو أن ندع الذكاء الاصطناعي يدون الملاحظات حتى يمكن للموظفين الذين فوّتوا الاجتماع مواكبة التطورات، لكن يبدو هذا كحل مصمم لبيع منتجات الذكاء الاصطناعي وليس لحلّ المشكلة نفسها. ففي نهاية المطاف، تبدو المشكلة في الاجتماعات غير محددة الهدف، والتي تكون بلا جدول أعمال، وليست في الحاجة إلى نسخة مدونة.

مقاطعات كثيرة

أشك أيضاً في افتراض الشركة أنَّ وقت العمل على "الباوربوينت"، و"الإكسيل"، و"الوورد" أعلى قيمة بطبيعته، أو أكثر إبداعاً أو إنتاجيةً، من وقت متابعة البريد الإلكتروني أو الاجتماعات، حتى لو كانت افتراضية.

وبرغم أنَّ الناس يحتاجون إلى وقت للتركيز على المهام فعلاً؛ لكنَّهم يحتاجون أيضاً إلى مساعدة زملائهم ودعم آرائهم.

أود أن أرى مزيداً من الشركات التي تقدّر المساعدة حق تقدير، بمنح علاوات أو مكافآت لأكثر الموظفين مساعدة للآخرين، لا أن تدفع الموظفين للاعتماد على الذكاء الاصطناعي ليتمكّنوا من إنجاز المزيد وحدهم. تزايد شعور الكثيرين منا بالوحدة، حتى في العمل.

عندما يقر المديرون بأنَّ متابعة البريد الإلكتروني والاجتماعات عمل فعلي، ستكون الخطوة المنطقية التالية هي تصحيح حجم المهام المكتبية لتلائم طول يوم العمل العادي. فإذا أُمهِل شخص 40 ساعة لأداء عمل فردي، كتأليف لحن موسيقي، أو كتابة رمز برمجة أو تحليل بيانات، لكنَّه يقضي 20 ساعة منها على الاجتماعات والبريد الإلكتروني، فهو يحتاج إلى أسبوع عمل من 60 ساعة.

لا عجب أن يستاء العديد من المقاطعات التي تعطلهم عن إتمام مهامهم خلال ساعات العمل المعتادة.

أما بالنسبة للشركات التي تعاني من إفراط التواصل؛ فيمكن للمديرين أن يضعوا قواعد جديدة، فإذا حافظوا على المورد الثمين المتمثل في اهتمام الموظفين بنفس الجدية التي يتعاملون بها مع قوائم الأرباح والخسائر، فربما تقتصر الاجتماعات على أوقات محددة من اليوم، أو أيام محددة في الأسبوع، لتتيح للعاملين وقتاً بلا مقاطعات للتركيز على العمل الآخر. بل وقد ينهون بعض المشروعات الأخرى الأقل قيمة، مما سيمنح الموظفين وقتاً للرد على الرسائل الإلكترونية خلال اليوم، بدلاً من الرد عليها ليلاً.

لن تظهر ساحرة طيبة من الذكاء الاصطناعي وتنقذنا من الاجتماعات التي لا هدف منها ولا من عدد الرسائل الإلكترونية المتزايد. لكن لحسن الحظ؛ نحن سننقذ أنفسنا.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

نيويورك

6 دقائق

3°C
مطر متوسط الغزارة
العظمى / الصغرى /
30.6 كم/س
91%