أكثر من 70% من أصل مليون سيارة "بورشه" رياضية طراز "911" جرى تصنيعها منذ الستينيات، لا تزال تسير على الطرقات. وفيما قد يتساءل البعض عمّا حدث لباقي السيارات، يظهر أن طراز "911" يحظى بتقدير هواة جمع السيارات. وبالتالي، فإن هذه السيارات تبدو قادرة على الاحتفاظ بقيمتها. لكن للأسف، لا ينطبق هذا الأمر على أسهم الشركة الأم المصنعة لها، "فولكس واجن".
اقرأ المزيد: "فولكس واجن" تستبعد "دويتشه بنك" من قيادة أحد أكبر الاكتتابات الأولية في ألمانيا
كانت "بورشه" تروّج لقوتها قبل الطرح العام الأولي لأسهمها الذي تخطط للقيام به في وقت لاحق من هذا العام، في ظل ما تتمتع به من وفرة التدفقات النقدية، والخطوات الكبيرة التي قطعتها في صناعة السيارات الكهربائية، حيث تفوقت مبيعات طراز "تايكان" (Taycan) الكهربائي، على طراز "911"، فيما تستهدف "بورشه" أن تستحوذ سياراتها الكهربائية على أكثر من 80% من مبيعاتها بحلول عام 2030. وتشير تقييمات المحللين -وبطريقة حسابية بسيطة- إلى احتمال أن يبلغ تقييم الشركة نحو 80 مليار يورو (82.1 مليار دولار أميركي).
اقرأ أيضاً: "فولكس واجن" تتطلع لتعزيز تواجدها في الولايات المتحدة
تراجع القيمة السوقية
لكن، هناك إحصائية أخرى جديرة بالاهتمام، تظهر مدى تراجع القيمة السوقية لشركة "فولكس واجن" التي تمتلك 100% من "بورشه" هذا العام، إلى أقل من 80 مليار يورو، ما يعني أن باقي المجموعة التي تضم: "أودي" و"لامبورغيني" و"بنتلي" لا تساوي شيئاً.
تهدف "فولكس واجن" إلى تجاوز "تسلا" من حيث مبيعات السيارات الكهربائية في غضون 3 سنوات. لكن، ورغم تشتت انتباه إيلون ماسك بسبب عرض الاستحواذ على "تويتر"، تبقى قيمة "تسلا" أكثر من 9 أضعاف قيمة منافستها الألمانية.
رغم عدم قدرة "فولكس واجن" على فعل الكثير بشأن مخاوف المستثمرين من الركود، إلا أنه يتعين عليها فعل المزيد لضمان إتقانها للبرامج الرائدة، مثل هندستها الميكانيكية.
من المؤكد أن "فولكس واجن" قد تمّ بيعها في كثير من الأحيان بأقل من قيمة مجموع شركاتها التابعة، ما يرجع لحد ما إلى حوكمة الشركات البائسة. ومع ذلك، كان يُفترض أن يسهم بيع حصة تبلغ 25% في "بورشه" في تحرير قيمة "فولكس واجن"، غير أنه لا يوجد ما يشير إلى حدوث ذلك حتى الآن.
على الرغم من تسبب انخفاض أسهم شركات التكنولوجيا في تراجع جاذبية الشركات الناشئة، التي تحقق إيرادات أقل، إلا أن ذلك لم ينعكس على زيادة تقدير المستثمرين لشركات صناعة السيارات الأكثر رسوخاً وربحية.
من بين أقرانها الأوروبيين، سجلت أسهم "فولكس واجن" أكبر انخفاض خلال الاثني عشر شهراً الماضية، وتم تداول السهم بسعر متدن يعادل 4 أضعاف الأرباح المتوقعة.
شكوك بشأن الاكتتاب
قد تعكس بعض نقاط الضعف شكوكاً حول إمكانية أن تسير صفقة "بورشه" كما هو مخطط لها، حيث تؤكد "فولكس واجن" و"بورشه" التزامهما بالجدول الزمني في الربع الرابع من هذا العام، لكنّ هذا التوقيت على الأرجح، لن يكون مثالياً لإطلاق واحدة من أكبر الاكتتابات العامة الأولية في أوروبا، خصوصاً بعد تجربة العام الماضي، عندما تحوّلت "وليمة" الاكتتابات إلى "مجاعة".
يبدو أن هيكل الصفقة شديد التعقيد، مصمّم بشكل أساسي للسماح لعائلات "بورشه" بمزيد من السيطرة على أحد الأصول الثمينة، بدلاً من تحسين التقييم المحتمل لـ"بورشه"، في وقت يهدّد ارتفاع أسعار الفائدة بزيادة تكاليف الاقتراض اللازم للاستحواذ على الأسهم.
لكنني شخصياً، لا أعتقد أن "بورشه" هي المشكلة هنا. فقد تراجعت مبيعات سيارات "فولكس واجن" بأكثر من 25% خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، لتسجل انخفاضاً أكبر من ذلك الذي سجله بعض المنافسين، ما يشير إلى صعوبة تحقيق أهدافها للمبيعات السنوية للعام بأكمله بزيادة تتراوح بين 5 و10%، رغم تسارع وتيرة تحسن توافر أشباه الموصلات، وتراكم الطلبات الكبيرة لدى "فولكس واجن".
مشكلة ارتفاع التكاليف
أظهرت العلامات التجارية المتميزة التابعة للمجموعة، تسعيراً قوياً في الربع الأول، وظلت المخزونات منخفضة لدى وكالات البيع، ما يعكس تفاؤلاً بالتدفقات النقدية هذا العام. ورغم ذلك، ستكون العلامة التجارية الأساسية لشركة "فولكس واجن" في السوق بشكل عام، معرضة للخطر في حال حدوث ركود بسبب صعوبة نقل زيادة تكاليف المواد الخام والعمالة، إلى المستهلكين.
لا يمثّل هذا الأمر المشكلة الوحيدة بالنسبة إلى "فولكس واجن". فحصّتها في سوق الصين آخذة في الانكماش، فيما لا يتضح ما إذا كان الإغلاق ونقص قطع الغيار بسبب كوفيد، هما المسؤولان تماماً عن تراجع مبيعاتها هناك. كما لم تجذب سيارات "فولكس واجن" الكهربائية العملاء الصينيين حتى الآن، في وقت تواجه فيه منافسة محلية متزايدة. وفوق ذلك، يؤثر تغيير المواقف السياسية الألمانية تجاه الصين، بشكل سلبي على مكانتها في السوق الصينية.
أزمة البرمجيات
تواجه "فولكس واجن" أيضاً صعوبات في ما يتعلق بالبرمجيات. يعتقد الرئيس التنفيذي للشركة هربرت دييس، أنه يتعين على "فولكس واجن" تطوير مجموعة برمجيات خاصة على مستوى المجموعة، بدلاً من الاعتماد على "غوغل" أو "أبل". لكن ورغم الاستثمارات الضخمة– حيث باتت وحدة برامج "كارياد" (Cariad) التابعة لها تضمّ حالياً 5 آلاف موظف، إلا أن عملية التحوّل، لا تسير بسلاسة كما هو مطلوب.
تأخر إنتاج طرازات رئيسية مثل "ماكان" (Macan) الكهربائية من "بورشه"، بسبب مشكلات في البرمجيات، ما أثار توترات مع العلامات التجارية المتميزة للمجموعة. لذلك يتعيّن على "فولكس واجن" تطوير نظامين للترفيه والقيادة الذاتية بشكل متواز– وهو حل وسط نموذجي للشركة، لا يأتي من دون تكلفة عالية.
لم تُخفِ "بورشه" إحباطها بشأن التأخير في مجال البرمجيات، والذي يعيق تطلعاتها بشأن تقييم الاكتتاب العام، وهذا يفسر لماذا لا تزال شركة "فولكس واجن" تحظى بتقييم يماثل شركة تعمل في قطاع الصناعات المعدنية، وليس كشركة رائدة في مجال التكنولوجيا.
على عكس طراز "911"، فإن أسهم "فولكس واجن" ليست لهواة الجمع، بل إنها "لمن يحب الاستمتاع بالألم".