روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي تهدد محرك بحث "جوجل"

يمهّد التغيير الكبير بطريقة البحث على الإنترنت بإحداث تحوّل باقتصاد الشبكة العنكبوتية ويطرح تحدياً كبيراً لإحدى كبرى شركات التقنية

time reading iconدقائق القراءة - 8
هاتف يظهر عليه محرك البحث 'جوجل' - المصدر: بلومبرغ
هاتف يظهر عليه محرك البحث 'جوجل' - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان ماثيو بيرمان يُخطط لرحلة تخييم حين تذكر نصيحة مفادها أن نصب الخيمة فوق السيارة بدل تثبيتها على الأرض مباشرة، وسيلة فعّالة لتجنب هجمات الحيوانات. في السابق، كان يلجأ إلى محرك البحث من "جوجل" للتحقق من معلومة كهذه، ولكنه اليوم بات يستعين بروبوت دردشة يحمل اسم "بيربليكسيتي" (Perplexity).

يفضلّ الرجل تطبيق "بيربليكسيتي" الذي يسوّق لنفسه على أنه "محرك إجابات مدعوم بالذكاء الاصطناعي" لأنه يقدم إجابات مختصرة ومباشرة بدلاً من قائمة روابط (على الرغم من أن إجاباته تتضمن روابط للمصادر). وقال بيرمان الذي أسس شركة تقنية ناشئة تحمل اسم "سونار" (Sonar) تساعد الشركات على إدارة الرسائل النصية، ويعمل حالياً في إنتاج المقاطع المصورة وكتابة نشرات إخبارية عن الذكاء الاصطناعي: "ببساطة يتعلق الأمر بتوفير الوقت".

التخلي عن محركات البحث

يُقدّر بيرمان أن أدوات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي قلّلت استخدامه لمحرك البحث من "جوجل" بأكثر من 90%. وقال "قد تضيّع الكثير من الوقت في البحث على جوجل والتنقل بين الروابط، كما أنه من المزعج ألا تعثر على ما تريده مباشرة... في المقابل ثمة احتمال كبير بأن تحصل على الإجابة المطلوبة من المحاولة الأولى عند استخدام (بيربليكسيتي) أو (تشات جي بي تي)". بالعودة إلى رحلة التخييم، وجد بيرمان أن نصب الخيمة فوق السيارة لا يستحق العناء، على الرغم من أنه قد يؤمّن له حماية إضافية من الحيوانات المفترسة.

لا يزال عدد مستخدمي روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي محدوداً نسبياً بالمقارنة مع مستخدمي محركات البحث التقليدية، سواء للحصول على نصائح حول كيفية تجنب الدببة، أو غيرها من المعلومات. وكانت "بيربليكسيتي" أعلنت في مارس أن عدد مستخدميها بلغ 15 مليوناً، فيما يُقدّر عدد مستخدمي "جوجل" بالمليارات. مع ذلك، أولئك المستخدمون الأوائل هم عادةً من يمهدون الطريق للممارسات التقنية التي ستنتشر على نطاق واسع ويحددون السلوكيات المرتبطة بها من خلال تقديم مثال يقتدي به المستهلكون الآخرون، كما يؤثّرون على الطريقة التي تصمم بها الشركات منتجاتها.

وقد يفسر ذلك سبب تركيز أكبر مشغلي محركات البحث، مثل "ألفابيت" الشركة الأم لـ"جوجل" و"مايكروسوفت"، على تعزيز دمج الذكاء الاصطناعي في منتجاتهما.

الدفع مقابل خدمات البحث

تواجه الإنترنت تحوّلات مصيرية. فالبحث عن المعلومات بواسطة محرك البحث من "جوجل" يعدّ من الأنشطة الأكثر شيوعاً على الشبكة العنكبوتية. حتى أن الكثير من المواقع الإلكترونية والشركات بنت نماذج أعمالها على هذا الأساس. وفي حين تتضمّن بعض روبوتات الدردشة إعلانات، وتدرس "أوبن إيه أي" إضافتها إلى "تشات جي بي تي" مستقبلاً، لا يزال دور الإعلانات في حقبة الإنترنت المدعوم بالذكاء الاصطناعي غير واضح.

يُحتمل أن تبدأ نسبة كبيرة من الأشخاص بدفع الأموال مقابل البحث على الإنترنت. فمئات ألوف الأشخاص يشتركون في خدمة "بيربليكسيتي برو"، كما تقدم "أوبين إيه أي" خدمة "تشات جي بي تي بلس" التي تتضمّن ميزات بحث، فيما تفرض الشركتان رسوم اشتراك قدرها عشرون دولاراً شهرياً.

السؤال الأهم هو كيف ستتعامل "جوجل" مع هذا الواقع الجديد. بدأت الشركة فعلاً بدمج إجاباتها الخاصة المولّدة بالذكاء الاصطناعي ضمن نتيجة البحث، وذلك بواسطة ميزة "نظرة عامة بالذكاء الاصطناعي" (AI Overviews). وأشارت إلى أن المستخدمين راضون عن النتائج التي تتضمّن "النظرة العامة"، أكثر من النتائج التي لا تتضمنها. وقال الرئيس التنفيذي لـ"جوجل" سنوندار بيشاي في أكتوبر إن ميزة "النظرة العامة" تتوفر لمليار مستخدم في الشهر، وتخطط الشركة لتوسيع الخدمة نحو أكثر من مائة دولة.

مع ذلك، تجد "جوجل" نفسها في موقف صعب. ففي حين تنطلق شركات الذكاء الاصطناعي من الصفر، على "جوجل" أن تدرس كيف قد تؤثّر ميزات الذكاء الاصطناعي على العمليات التي تدرّ عليها أرباحاً طائلة. ويأتي هذا التهديد الجديد لجوهر عمل الشركة في وقت يطالب فيه المدّعون العامون في الولايات المتحدة بفرض قيود جديدة على طريقة تعامل "جوجل" مع الذكاء الاصطناعي، فيما تحذّر الشركة من أن هذا التهديد قد يعرقل استثماراتها في هذه التقنية.

هلوسات الذكاء الاصطناعي

كثير من الأشخاص الذين تخلوا عن محركات البحث، مفضّلين روبوتات الدردشة، انجذبوا إليها بفضل التجربة التي تقدمها، وليس الأجوبة بحد ذاتها. مثلاً ربيكا شومير، وهي رئيسة قسم الاتصالات في حاضنة الذكاء الاصطناعي "أوتشفيت" (Outshift) التابعة لشركة "سيسكو سيستمز" (Cisco Systems) تحبذ استخدام خاصية الصوت من "أوبن إيه أي" التي تمكّن المستخدمين من التفاعل خلال المحادثة مع مساعد مدعوم بالذكاء الاصطناعي. 

وحين استخدمت هذه التقنية للاستفسار عن ألم الظهر الذي تعاني منه شقيقتها، أجابها صوت مطمئن بلهجة بريطانية، أعطاها بعض الأسباب المحتملة ونصحها باستشارة طبيب. وقالت "كان الصوت متعاطفاً جداً، فكان يجيب ويطرح الأسئلة للتعمق بالموضوع بطريقة لا يقوم بها محرك البحث التقليدي". 

ولكن حين طلبت شومير من "تشات جي بي تي" نصائح حول ممارسة رياضة المشي في الطبيعة في باولو ألتو في كاليفورنيا، أنشأ التطبيق خريطة تحتوي على أخطاء واضحة، ما كان ليسبب لها مشكلة كبيرة لو أنها لم تنتبه لذلك قبل الانطلاق برحلتها. 

يدرك الأشخاص المخضرمون في استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض بحثية أن روبوتات الدردشة قد تعطي إجابات خاطئة، ويعرف ذلك بـ"هلوسات" الذكاء الاصطناعي، لذلك هم غالباً ما يستعينون بـ"جوجل" أو غيرها من المصادر للتأكد من الإجابات على الأسئلة المهمة. وقال جون بايلي، الزميل الأول غير المقيم في معهد "أميريكان إنتربرايز" (American Enterprise Institute) في واشنطن "أتعامل مع النتيجة وكأن متمرّناً أعدّها، ثمّ أراجعها قليلاً".

قد يقع مستخدمو الإنترنت على معلومات خاطئة عند البحث بواسطة "جوجل" أيضاً، ولكن أغلبهم متمرسون في تقييم مصداقية المواقع الإلكترونية أكثر من روبوتات الدردشة التي تبدي ثقة بنفسها. على الرغم من أن "بيربليكسيتي" و"أوبن إيه أي" تعالجان هذه المشكلة من خلال عرض روابط لمصادرهما، إلا أن هذه الممارسة ليست منتشرةً في كلّ تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى. ولم يتضح بعد ما إن كان سيكون هناك حلّ لمشكلة هلوسات روبوتات الدردشة بشكل عام. وفي حين قد يتحلى المستخدمون الأوائل لهذه التقنية بما يكفي من الصبر لتحمّل خدمة ربما تعطيهم إجابات خاطئة، حتى إن كانوا يدفعون مقابل استخدامها، فذلك قد لا ينطبق على مستخدمي الإنترنت الآخرين من غير المغامرين، كما أنه يصعب التغلب على أسعار "جوجل".

تصنيفات

قصص قد تهمك