بلومبرغ
إن كنت تعير بالاً لأخبار الصحة ولو بشكل عابر في الآونة الأخيرة، فيُرجح أن تكون قد قرأت عبارة "أطعمة فائقة المعالجة" في عناوين الأخبار، وهي ما بات يُعزى لها كل شيء من الاكتئاب إلى داء السكري وحتى الوفاة.
كما لقي كتاب (Ultra-Processed People)، الذي يدرس تأثيرات الحمية الغذائية المعتمدة على أغذية مصنّعة، لمؤلفه كريس فان توليكين المذيع في "بي بي سي"، إشادة واسعة في عروض الكتاب التي نشرتها كل مواقع الأخبار الرئيسية.
قالت ماريون نيسل، المؤلفة والباحثة المرموقة في مجال الأغذية وعالِمة الأحياء الجزيئية خلال مشاركتها في في مؤتمر في الخريف، إن عدد الدراسات التي تربط بين الأطعمة فائقة المعالجة والتداعيات السلبية على الصحة تخطى 1600 دراسة.
إن هذا مصطلح ليس له تعريف عالمي، وهو أمر يحب النقاد أن يشيروا إليه، كما أن الأطعمة المعالجة ليست كلها بنفس القدر من السوء. رغم ذلك، ينطبق هذا المصطلح على نحو ثلاثة أرباع إمدادات الغذاء الأميركية.
وفيما يشير التعبير عموماً إلى أي طعام مصنوع من مكونات مصنّعة تعرضت للمعالجة بدرجة فائقة (مثل مستخلص بروتين البازلاء أو ميثيل السليولوز)، يُفضّل البعض تعريفاً يشير إلى الأطعمة المصنوعة من مكونات لن تجدها في مطبخ المنزل. أنا شخصياً أميل إلى الاقتناع بنظرية عبّر عنها قاضي المحكمة العليا بوتر ستيوارت في 1964 عن تعريف الفحشاء، بقوله: "أعرفها حين أراها".
نهج متعدد الجبهات
سلكت صناعة الغذاء نهجاً متشعباً لمجابهة ردود الفعل السلبية. من ناحية، بدأت الشركات تستجيب ببطء لطلب المستهلكين المستمر لأطعمةً أفضل صحياً، فباتت تُبسّط المنتجات وتقلل المكونات المستخدمة فيها وتستخدم عبارات مثل "أفضل لك" لتصف جانباً من تشكيلتها من المنتجات. للعلم، فإن قائمة المكونات الأقل ليست ضماناً بأي حال من الأحوال على أن نوعاً ما من الأغذية لم يخضع لمعالجة فائقة، لكنه يبدو صحياً أكثر.
في ضوء أن المستهلكين الأميركيين يقللون مشترياتهم من متاجر السوبرماركت، بسبب اقتران عدة عوامل منها التضخم وخفض إعانات قسائم الطعام وربما تشمل حتى تأثير عقار "أوزمبك" الذي يساعد على فقدان الوزن، يبدو أن تحول شركات الأغذية مجدداً نحو مجال الأطعمة الحقيقية ضرورة ملحّة.
نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" في يناير أن الشركات تضغط في الوقت ذاته على الحكومة الاتحادية لتنظر بعين الحذر إلى كل تلك الأبحاث المناهضة للأطعمة المعالجة، وأنها تقول إن المعالجة هي في الحقيقة ما يجعل الأطعمة التي تنتجها تلك الشركات أساسيةً لحياة الأميركيين.
كما أن الشركات تفند هذا المصطلح صراحةً. قال جيف هارمنينغ، الرئيس التنفيذي لشركة "جنرال ميلز" (General Mills)، في معرض إجابته عن سؤال عن هذا المصطلح في محفل عُقد في الصيف،: "أنا لا أعير بالاً للعبارات الرائجة". وصف مارك سمَكر، الرئيس التنفيذي من الجيل الخامس لشركة "جيه إم سموكر"، التعبير أيضاً بأنه "عبارةً رائجةً" خلال مقابلة مع "بلومبرغ نيوز" بعد نحو أسبوع من استخدام هارمنينغ لهذا الوصف.
بعد أشهر قليلة، قالت شركة سمَكر أنها ستستحوذ على "هوستس براندز" (Hostess Brands) صانعة حلوى "توينكيز". بمجرد أن أعلن التزامه بـ"تحويل نظم الغذاء" مباشرة، قال رئيس "بيبسيكو" التنفيذي رامون لاغوارتا خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير: "لا أحب كلمة فائق المعالجة، ولا أؤمن بها".
خطط النمو
لم تكن فكرة التحول مهيمنةً حين كشفت كبرى شركات الأطعمة المعبأة في فبراير عن خططها للنمو للعام المقبل لمستثمري وول ستريت في أحد منتجعات بوكا راتون الفاخرة المطلة على البحر في فلوريدا. قالت شركة تلو الأخرى في المؤتمر السنوي لجمعية محللي المنتجات الاستهلاكية في نيويورك، إنها تود أن تتيح مزيداً من الأطعمة السريعة لأعداد أكبر من الناس لزمن أطول.
بدأ الحضور في الفعالية، التي لم يكن طابعها رسمياً بالمطلق، يومهم بفطور رعته الشركات التي قدمت عشرات أنواع الحبوب المصنعة للفطور، وكانوا يجلسون بين العروض التقديمية في صالات القهوة التي اكتظت طاولاتها بالكعك المغلف.
في استراحة لتناول الأطعمة الخفيفة ترعاها شركة "مونديليز إنترناشونال" وكانت ملفتة للنظر على نحو خاص، تزاحم الحضور حول كومة ضخمة من شوكولا على هيئة بيض من "كادبوري" وبسكويت "لو لو بيمز".
كشف مسؤولون تنفيذيون وهم على المنصة النقاب عن إبداعات فائقة المعالجة، إذ أشاروا عملياً إلى أنها يمكن أن تصبح جزءاً من الهرم الغذائي الجديد. قال لاغوارتا من على المنصة وإلى جواره شاشة تعرض صورة منتجَين من رقائق التورتيا هما "دوريتوس" (Doritos) و"توستيتوس" (Tostitos): "نعتقد أن منتجاتنا مكانها المنزل (ونحن نرى ذلك يتحقق)، سواء كأطباق جانبية أو كمكونات لوجبة".
أهداف التوسع
كانت الفكرة الرئيسية للمؤتمر هي التوسع في "مناسبات" جديدة. ترغب "بيبسيكو"، وهي أكبر شركة لبيع المواد الغذائية بالتجزئة في البلاد وتفوق مبيعاتها من الأغذية 29 مليار دولار في الولايات المتحدة فقط، أن ذلك تحقق من خلال إضافة "دوريتوس" إلى مائدة العشاء.
قال غاري بيلنيك، الرئيس التنفيذي لشركة حبوب الفطور المصنعة "دبليو كيه كيلوغ" (WK Kellogg)، إن حبوب الفطور المصنعة، التي أخذت شعبيتها تتضاءل على مدى أكثر من عقد فيما يتجه الأميركيون نحو الحليب الرائب وألواح الطاقة وشطائر الإفطار السريعة، وأحياناً لا يتناولون الإفطار أساساً، لا ينبغي أن تقتصر على وجبة الإفطار. أضاف أن حبوب "فروت لوبس" (Fruit Loops) و"فروستد فليكس" (Frosted Flakes) تمثل خياراً معقولاً جداً كوجبة عشاء أو وجبة خفيفة، إذ إنها تُباع الآن معلبة في أكياس تحتوي على مقدار يكفي لوجبة واحدة.
لقد كان الإقبال على الوجبات الخفيفة إحدى النقاط المشرقة للقطاع الذي يواجه صعوبات، وقد دفع شركات الأغذية لأن تتسابق كي تملأ كل أوقات اليوم بـ"ابتكاراتها"، وكلها أطعمة غير صحية. يبدو أن الأمر ينجح. أشار تقرير "حالة الوجبات الخفيفة" السنوي لعام 2023 من "مونديليز" إلى زيادة في استبدال الوجبات الأساسية بالوجبات الخفيفة. أضاف تناول تلك الوجبات الخفيفة التي بها كثير من الملح والسكر والدهون نحو 15 مليار دولار لقيمة الشركة السوقية منذ نهاية 2020 وحتى نهاية 2023.
لهذا السبب، تحث جمعية العلامات التجارية الاستهلاكية الناس على أن يعيدوا التفكير بالأطعمة المعالجة ليروها هبةً وليس عدواً. في مقال افتتاحي نُشر خلال الشتاء، كتب دايفيد تشافرن، الرئيس التنفيذي للجمعية التي تمثل مصالح كبرى شركات الأغذية: "الأطعمة المعالجة تحرر وقتنا الذي يمكننا أن نستغله في تكوين ذكريات جديدة". يبدو أن تشافرن كان يعني بالذكريات تلك التي تتكوّن في أثناء تناولنا رقائق التورتيا وبسكويت "أوريو" فيما نجلس إلى مائدة العشاء.