بلومبرغ
تستكشف الشركات سبل التكيف مع تطورات العمل المستقبلية فيما تواجه كليات إدارة الأعمال تحدياً مختلفاً يتمثل في كيفية تدريس ذلك. على عكس مناهج ماجستير إدارة الأعمال الأساسية كالمحاسبة أو التسويق؛ فإنَّ مقاربات تدريس المناهج المعتادة لا تناسب موضوعاً واسعاً وشاملاً مثل "العمل"، وقد يتناول تدريسه نقاشات حول مواضيع مثل جدولة العمل من المنازل والمكاتب والتنوع والشمول واستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في التوظيف وتعاظم الحركة العمالية لدى "ستاربكس". لذا لا غرابة في أن تتباين المناهج الناشئة المتعلقة بمستقبل العمل بجلاء لناحية متلقيها (للتمييز بين طلاب الدوام الكامل والمديرين التنفيذيين)، وكذلك وفقاً لمدرّسيها (فهم إما أن يكونوا من المدرسين الجامعيين أو المستشارين) بالإضافة لعوامل أخرى. لا يقلل هذا من أهمية معالجة القضايا، فقادة الغد لن يحققوا نجاحات دون فهم تأثير قراراتهم مستقبلاً على مرؤوسيهم سواءً أكانوا صُناع صفقات في "وول ستريت" أو من العمال الذين يرتبون البضائع على أرفف متاجر "وول مارت".
قال بريان لوري، الأستاذ في كلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة ستانفورد: "هناك حالياً الكثير من الاختلاف والتجاذب حول هذا الموضوع، ويهدف جزء كبير من ذلك لإيجاد مساحة لهذه المناقشات وإعداد طلابنا للتفكير بهذه القضايا، لأنَّهم سيتخذون قرارات تؤثر على حياة كثير من الناس".
ابتكر لوري دورة تدريبية تُعد مثالاً جيداً لهذا النوع من المناقشات. تجافي الدورة نظريات الإدارة الغامضة التفاتاً لانخراط الطلاب في محادثات مثيرة للجدل في كثير من الأحيان حول أوجه عدم المساواة الكامنة في أماكن العمل بعد الوباء. كان بين المحاضرين الضيوف قادة نقابات وعلماء اقتصاد ورئيس منظمة غير ربحية تدعم العمال الفلبينيين ذوي الأجور المنخفضة في جنوب كاليفورنيا، وقد نُشرت مداخلاتهم مع لوري عبر "يوتيوب".
كان لوجهات النظر المختلفة حول العمل وقع لدى طلاب ستانفورد مثل توني دوغلاس جونيور، الذي قال: "الدورات الأخرى التي تلقيتها تركزت على مجال التقنية الكبرى، لكن بريان جلب أشخاصاً من كل مكان، ولم أكن أعتقد أنَّ هؤلاء ممن يرسمون مستقبل العمل... نحن نعيش في فقاعة في هذه المدرسة، لذا كلما زاد عدد الأشخاص الذين يعرضون آراءهم للتأثير على الموجة التالية من الرؤساء التنفيذيين كان ذلك أفضل".
فرص لاتهديدات
كان مستقبل العمل موضوعاً تخصصياً في كليات إدارة الأعمال قبل وباء كوفيد-19، وكان يركز في الغالب على المناقشات المتعلقة بموعد استبدال البشر بالروبوتات.
قال جيفري شوارتز، الذي شارك بتدريس دورة مستقبل العمل بكلية كولومبيا للأعمال: "كان هذا هو السؤال الأهم في 2018".
أصبح الأمر الآن لا يتعلق بالتهديدات بقدر ما يتعلق بالفرص، مثل استكشاف العلاقة المناسبة بين الشركة وموظفيها، أو الموازنة بين الناس والأرباح. هذا ما تفعله آنا ستانسبيري في دورتها التدريبية لدى كلية سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتقنية، التي تُلزم الطلاب بالخروج وإجراء مقابلات مع اثنين من العاملين الميدانيين حول وظائفهم.
قالت ستانسبيري: "كشف الوباء مدى ضعف الناس، فقد رأينا كثيراً من العاملين الميدانيين الذين لا يحصلون حتى على الامتيازات الأساسية، مثل إجازة مدفوعة الأجر لدى الإصابة بكوفيد، لذلك ثمة اهتمام كبير بمعرفة كيفية تحسين عمل النظام".
مع ذلك؛ تؤثر التطورات التقنية بشدة في مكان العمل، خاصة الذكاء الاصطناعي في المنظمات. كما أنَّ الكثير من حملة ماجستير إدارة الأعمال لا خلفية تقنية أو برمجية لهم؛ لذا صمم حاتم رحمان من كلية كيلوغ للإدارة في نورث وسترن دورة تشرح الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن تطبيقه في مكان العمل. توصل رحمان لاستنتاج مهم، وهو أنَّ "العيوب تشوب جميع العمليات سواء كانت مبنية على الذكاء الاصطناعي أو التدخل البشري. عليك أن تعرف مكان هذه العيوب على الدوام".
كانت كاثرين بيرد تعمل في مجال البحوث والتوعية بالصحة البيئية قبل التحاقها بالدورة التي أقامها رحمان في سعيها لدرجة ماجستير إدارة الأعمال. أثرت هذه التجربة بها لدرجة جعلتها تنتقل لتعمل في صندوق استثماري يركز على الذكاء الاصطناعي.
كما أُعجبت مارتينا كرين في جامعة كولومبيا بدورات شوارتز لدرجة أنَّها عادت لتعمل في الفصل الدراسي التالي كمدرسة مساعدة إلى جانب مساعدتها في تعديل المنهج ليشمل النقاشات التي جرت في الفصول الدراسية حول مواضيع مثل العمل عن بُعد.
تطور سريع
بات الموظفون المستقطبون قبل بضعة أشهر يخشون الآن التسريح من وظائفهم نظراً لسرعة تطور مكان العمل، فلا غرابة أن تتغير هذه المناهج الدراسية أيضاً مع هذا التطور. انتقل كثير من هذه الدورات التي بدأت أثناء الوباء عبر تطبيق "زووم" منذ ذلك الحين إلى القاعات الدراسية.
في كلية كيلي للأعمال بجامعة إنديانا، صمم البروفيسور إرنست أوبويل دورته الخاصة بمستقبل العمل لتكون ملائمة لأي شخص بدل أن تقتصر على الطامحين لتولي منصب الرئيس التنفيذي. معظم المشاركين من مديري المستوى الأوسط مع خبرة في الشركات تمتد لنحو 10 سنوات، لكنَّهم يحتاجون للمساعدة لعمل أي شيء بدءاً من اتخاذ القرارات اليومية وصولاً لتنمية مهارات تسهم بالحصول على ترقية.
قال سكوت تشيمبرز، وهو مدير تنفيذي للتسويق في شركة تصنيع صغيرة التحق بدورة جامعة إنديانا المكثفة التي تقدمها خلال عطلة نهاية أسبوع: إنَّ "الكثير من المناهج الدراسية تعلمك مهارة، لكنَّها لا تعلمك بالضرورة كيفية تطويرها في حياتك المهنية. لم أكن أعتقد أنَّ عطلة نهاية أسبوع واحدة ستمنحني مثل هذا الوضوح".
لا شك أنَّ وضوح الرؤية أمر نادر في الاقتصاد المتقلب اليوم، لذلك يبذل المعلمون قصارى جهدهم لبناء مناهجهم على البيانات والأبحاث. قالت لورا كري، الأستاذة في كلية هاس لإدارة الأعمال بجامعة بيركلي، التي تُركز دورتها التدريبية على قيادة فرق متنوعة، وهي الآن جزء من منهج ماجستير إدارة الأعمال الأساسي: "ليس هناك مجال للحشو في هذا".
تتمثل إحدى المخاوف في أنَّ هذه المناهج الدراسية أحياناً تشبه عروض المبيعات، نظراً لكثرة الاستشاريين بين مدرّسيها، وهم ممن قد يحجمون عن انتقاد عميل كبير فيما يروجون لوجهة نظر شركته حول العالم.
قالت آن كلير روش، إحدى الاستشاريتين حول مكان العمل لدى "ديلويت" ممن تدرّسان منهاجاً عن مستقبل العمل بجامعة كورنيل الذي كان قد أنشأه شوارتز، المدير التنفيذي السابق لدى "ديلويت": "نحن لسنا أستاذات بل سيدات أعمال... لذلك درّسنا الدورة بما يشابه كيفية إدارتنا للجلسات مع العملاء".
قالت جنسن دانيال، الطالبة التي تلقت دورة كورنيل التدريبية، إنَّها كانت تعكس منظوراً استشارياً، لكنَّهما "حرصَتا على ألا تكون متمحورة بشدة حول (ديلويت)".
لقد حان الوقت كي تولي كليات إدارة الأعمال المزيد من الاهتمام لمكان العمل. قالت روش: "القضايا التي نعمل عليها هي أسئلة كبار المديرين التنفيذيين... قبل عشرة أعوام، لم تكن الموارد البشرية موضوعاً يهمهم، لهذا نحتاج أن يكون الأمر جزءاً من المناهج الدراسية".